هيئة مكافحة الفساد تُحيي ذكرى الشهيد وتكرم أسر الشهداء من منتسبيها    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    قبائل ريمة وإب تستنفر بلقاءات ووقفات مسلحة لمواجهة أي تصعيد    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    كتائب القسام تسلم جثة ضابط صهيوني أسير بغزة للصليب الأحمر    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة الشيخ أبوبكر باعباد    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    إصابة 4 مواطنين بانفجار لغمين من مخلفات مليشيات الحوثي غرب تعز    رحلة يونيو 2015: نصر الجنوب الذي فاجأ التحالف العربي    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    الحراك الجنوبي يثمن إنجاز الأجهزة الأمنية في إحباط أنشطة معادية    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    تركتمونا نموت لوحدنا    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    "مفاجأة مدوية".. ألونسو مهدد بالرحيل عن ريال مدريد وبيريز يبحث عن البديل    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    عين الوطن الساهرة (1)    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    الوزير البكري يحث بعثة اليمن المشاركة في العاب التضامن الإسلامي في الرياض على تقديم افضل أداء    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    لاعبة عربية تدخل قوائم المرشحين لجوائز "فيفا"    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    المحاسبة: من أين لك هذا؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الصحفي مطر الفتيح يطمئن على صحة الإعلامي القدير عبدالسلام فارع بعد رحلة علاجية في مصر    قياسي جديد.. 443 ألفا انتظار حفل مجيد    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهجية د.نصر حامد في دراسة الخطاب الديني
رؤية في منهجية المشروع

نقر ونعترف أمام الله، وأمام المنهجية، أن هذه المداخلة مجرد قراءة أولية في مشروع مفكر عظيم، وأستاذ جليل، ولضيق الوقت، سقطت منها بعض الكتابات ك”مفهوم النص”، إلا أننا نطمح أن تتطور فيما بعد إلى دراسة مكتملة كاشفة عن مشروع مفكر بحجم د.نصر حامد أبو زيد...
تغدو عمليات التحديث والنهضة والتنوير لعبة جوفاء، ما لم تتحول إلى أنساق معرفية حاكمة/ ضابطة للتفكير، وللمنظومة الفكرية، ولمؤشر الوعي الجمعي، كما الحال في الوعي الفردي. ومما لاشك فيه أن الخطوة الأولى لتقدم أية جماعة بشرية، هي وضع كافة “أفكارها” وموروثها ومعتقداتها للمساءلة النقدية والعلمية، ومساءلة الخطابات الراهنة وتحديد نقاط قوتها وضعفها.
وإيمانا بأهمية هذه المساءلة، قدم المفكر المصري الراحل د.نصر حامد أبو زيد “10 يوليو 1943- 5 يوليو 2010” مجموعة من الدراسات والبحوث التي تناولت الخطابات الدينية بالمراجعة والمساءلة والنقد والنقض، بأسلوب علمي، مستفيدا من الدراسات الألسنية الحديثة، وعلم العلامات، وتحليل الخطاب..الخ؛ سعياً لفهم النص القرآني كمنتج ثقافي “تعبيراً عن جدل النص مع الواقع” من ناحية، والتعامل مع التراث باعتباره فعلاً معرفياً قيد الاكتمال في كل لحظة، من ناحية أخرى.
وسطية الشافعي
ونقف، من خلال هذه السطور، مع منتج د.نصر حامد وكتاباته التي توقفت أمام الخطاب الديني، قديمه وحديثه؛ لنتتبع المسار المنهجي لد.نصر في دراسته ونقده للفكر الديني برمته. ويأتي كتاب “الأمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية” 1992في قمة جهود د.نصر في نقد الخطاب الديني، ويؤكد فيه على أن “الثابت تاريخيا أن الشافعي أسس الوسطية في مجال الفقه والشريعة، وأسس الأشعري الوسطية في مجال العقيدة، أما الغزالي فقد أسسها في مجال الفكر والفلسفة، استنادا إلى تأسيس كل من الشافعي والأشعري”.
وينتقد د.أبو زيد الشافعي في تقريبه بين السنة النبوية والقرآن، ووضعهما في نفس المرتبة، ويجعل الشافعيُّ الإجماعَ مرتبطا بالقرآن والسنة، لاغياً مساحات الاجتهاد والرأي. ويأخذ د.نصر على الإمام مواقفه الاجتهادية الدائرة، في أغلبها، في دائرة المحافظة على المستقر والثابت.
ويفسر د.أبو زيد موقف الإمام الشافعي بالوسطية والتوفيقية تارة، وبالنفعية الأيديولوجية في فكره تارة أخرى. إلا أن رؤية د.نصر لم تسلم من النقد، ليس على المستوى الفكري فحسب، وإنما على المستوى الشخصي، والتشكيك في إيمانه وعقيدته. وكأن الاختلاف مع الإمام يعني الخروج عن الدين، ونتساءل أليس الإمام الشافعي وصحابته رجالا، كذلك د.نصر ورفاقه، ولكل منهم رأيه واجتهاده؟
وأكد د.أبو زيد في هذا الكتاب أن المنظومة الفكرية للشافعي لم تكن بمعزل عن الصراع بين المعتزلة والمرجئة والمشبهة، وبين أهل الرأي وأهل الحديث، كذلك لم يكن ببعيد عن التأثير بصراعات شعوبية وقومية بين العرب وغيرهم، بخاصة الفرس، مما دفع بالشافعي للانتصار لعروبته، وقرشيته تحديدا، على حساب المنطق والحقيقة.
مشروع فكري
وفي أيار/ مايو 1994 تنشر دورية “الطريق” البيروتية دراسة تحت عنوان “الاستقطاب الفكري بين الإسلام العصري وأسلمة العصر في مصر” قدم المفكر الراحل فيها رؤية مكثفة إلى واقع المعركة الفكرية في مصر بين أصحاب الفهم العصري المتحرر المستنير للإسلام، والفهم الحرفي الضيق المغلق له، بين الثقافة التقليدية المحافظة، وثقافة التحرر والتنوير.
ويؤكد د.نصر على أن مشروع الإسلام “الوسط” المزعوم هو مشروع سياسي بالأساس، فهو مشروع يناهض مشروع الدولة لا كمشروع نقيض؛ بل بوصفه مشروعاً يستمد مشروعيته من سلطة مقدسة، في مقابل مشروع الدولة الذي يستمد مشروعيته من القمع والاضطهاد والفساد.
وينادي أستاذنا بمشروع فكري في الأساس، معرفي الجوهر، سياسي في دلالته ومغزاه، كما يؤكد على أنه مشروع لا يقف خارج الإسلام، لكنه لا يقف أيضا خارج العلمانية التي يتبرأ منها كثيرون من ممثليه. وقد آن الأوان للعب على المكشوف لحسم القضايا على أرض الفكر، آن الأوان لكي نناقش مفهوم العلمانية ومفهوم الإسلام معا، وربما نجد أن الإسلام دين علماني لو أحسنّا الفهم والتدبر: تدبر النصوص والتاريخ والواقع في نفس الوقت.
الخطابات النهضوية
ثم يصدر المفكر الراحل كتاب “النص- السلطة- الحقيقة” من المركز الثقافي العربي 1995، ليطرح خطاباً يعد في جانب منه تواصلاً مع خطاب عصر النهضة في جانبه الديني، ليس بدءًا من محمد عبده حتى محمد أحمد خلف الله؛ بل هو تواصل مع هذا التراث في بعده الأعمق المتمثل في الإنجازات الاعتزالية- الرشدية. وهو تواصل يمثل الامتداد النقدي لا لخطاب النهضة فقط؛ بل للخطاب التراثي كذلك.
ويطرح في هذا الكتاب الكتابات النهضوية للمناقشة، منذ الإسلام والحضارة الغربية عند رفاعة الطهطاوي، تأثير الطابع العقلي للوحي عند محمد عبده، ومن قبله جمال الدين الأفغاني، ومنهجية طه حسين الديكارتية، حتى انكسار الخطاب النهضوي عند زكي نجيب محمود.
ويؤكد د.أبو زيد أن أهم أسباب فشل الخطابات النهضوية هو العجز عن إحداث وعي علمي حقيقي بالتراث الديني خصوصاً، وعي ينقل الثقافة، كما ينقل المواطن الفرد، من حالة إلى أخرى، ومن مرحلة الوعي الديني الغيبي الأسطوري، إلى مرحلة الوعي العلمي بالظواهر الطبيعية والاجتماعية والإنسانية على حدّ سواء.
وفي نفس العام ينشر “التفكير في زمن التكفير.. ضد الجهل والزيف والخرافة” وهو كتاب توثيقي، تضمن وثائق وتقارير، وعريضة دعوى التفريق بين د.نصر وزوجته د.ابتهال يونس، كذلك مذكرات دفاع المحامين، واحتلت النبرة الخطابية مساحة كبيرة من صفحات الكتاب.
نقد الخطاب الديني
ثم تصدر الطبعة الثانية من كتاب “نقد الخطاب الديني” وهو من الكتب التي أثارت ضد د.حامد الخصوم. وتضمنت الطبعة الثانية التقرير العلمي الذي صاغه د.محمود علي مكي، الذي أشار إلى أن دراسة أبي زيد في مجملها تدل على فكر تقدمي مستنير، يستند إلى قراءة التراث قراءة واعية مستوعبة، يربط فيها بين الماضي والحاضر، ويجتهد في أن يستخلص من تراثنا ما يعين على تحرير الفكر بحيث يصبح عاملا على تقدم الأمة ومواكبة الرقي الحضاري.
ثم تقرير د.عبد الصبور شاهين الذي توقف في القراءة عند صفحة 36 من كتاب يزيد عن مائتين وعشرين صفحة، وتراءى لعبد الصبور أن الباحث وضع نفسه مرصاداً لكل مقولات الخطاب الديني حتى لو كلفه ذلك إنكار البديهيات، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة، وأنه لم يصل إلى أية نتيجة سوى تلك النغمة النقدية المسرفة، مؤكدا أن الدراسة جدلية تضرب في جدلية، لتخرج بجدلية، تلد جدلية، تحمل في أحشائها جنيناً جدلياً، متجادلاً بذاته مع ذاته، حدّ تعبير الشيخ “شاهين”.
وتضمنت المقدمة تقرير قسم اللغة العربية، الذي رد على “اتهامات” شاهين في كل جزيئات التقرير وتفصيلاته، وأكد القسم على الجهد المنهجي المبذول في الكتاب الذي يستفيد من المناهج الحديثة والمعارف المعاصرة؛ بحثا عن أدوات جديدة، يتمكن معها البحث من إعادة النظر في مكونات الخطاب الديني المعاصر وتحليل اتجاهاته سواء على مستوى المكونات والمنطلقات الفكرية، أو الكشف عن محاولات التأويل والتلوين في قراءة التراث، أو تقديم مشروع لقراءة النصوص الدينية قراءة تركز على استكشاف أنماط الدلالة.
ويتكون كتاب “نقد الخطاب الديني” من ثلاثة فصول، جاء الأول عن الخطاب الديني المعاصر، آلياته ومنطلقاته الفكرية، وتوقف الباحث عند آليات الخطاب الذي يتخذ من الحاكمية والنص منطلقات فكرية، وحددها د.أبو زيد في التوحيد بين الفكر والدين، رد الظواهر إلى مبدأ واحد، الاعتماد على سلطة “التراث” أو “السلف”، اليقين الذهني والحسم الفكري، وإهدار البعد التاريخي من تجارب الأولين.
وفي الفصل الثاني، يستكمل المفكر الكبير مشروعه في نقد الخطاب النهضوي والتنويري، متوقفاً أمام مشروع اليسار الإسلامي، وكتابات د.حسن حنفي تحديداً، الذي يجد الجذور التاريخية لأزمات العصر الراهن في التراث، ومن ثم يعد المشروع قراءة للماضي في الحاضر، ورؤية للحاضر في الماضي. أي أن الخطاب النهضوي يقوم بتجديد البناء القديم بإعادة طلائه، ويتم ضع يافطات جديدة لموضوعاته على النحو التالي: الموضوعات الطبيعية= المقدمات النظرية، الإلهيات= الإنسان الكامل، السمعيات= التاريخ.. الخ.
وفي الفصل الثالث والأخير يقدم المؤلف قراءة للنصوص الدينية كدراسة استكشافية لأنماط الدلالة، مبيناً الفرق بين الدين والفكر الديني، فالدين مجموعة النصوص المقدسة الثابتة تاريخياً، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها. ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات من عصر إلى عصر؛ بل من الطبيعي أيضاً أن تختلف من بيئة، واقع اجتماعي تاريخي جغرافي عرقي محدد، إلى بيئة في إطار بعينه، وأن تتعدد الاجتهادات بنفس القدر من مفكر إلى مفكر داخل البيئة الواحدة.
ويتناول الباحث تغير دلالات المفاهيم والمصطلحات، كمفاهيم السحر والحسد والجن والشياطين، فهي مفردات بنية ذهنية ترتبط بمرحلة محددة من تطور الوعي الإنساني. ويأتي بعد ذلك جوهر استنتاجات د.نصر في نقده للخطاب الديني، وهو وقوف الخطاب الديني عند المعاني ينتهي إلى الارتداد بالواقع وتجميد النصوص في الوقت نفسه، وهي نتيجة لا يمكن أن يقر الخطاب الديني بها، لأنها تفقده مبرر وجوده ذاته.
الاتجاه العقلي
من المؤكد، أن ثمة كتابات أخرى للمفكر النبيل، تتضافر مع الكتابات التي أشرنا إليها في نقد ونقض وتفكيك الخطابات الدينية، كدراساته عن توقيفية ابن عربي في “فلسفة التأويل”، أو في “هكذا تكلم ابن عربي 2002”. أو دراسته عن تأثر ابن رشد ببعض المفاهيم الغزالية “خطاب ابن رشد بين حق المعرفة وضغوط الخطاب النقيض- مجلة ألف”.
كذلك أطروحة أبي زيد للماجستير المعنونة ب”الاتجاه العقلي في التفسير.. دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة” والتي نشرت فيما بعد ، وتناول فيها الباحث رؤى وأفكار المعتزلة عن المجاز، حتى القرن الرابع الهجري، عصر القاضي عبد الجبار، هذا القرن الذي يمثل النضج النهائي للفكر الاعتزالي في عصر نهضته الثانية في بلاط الدولة البويهية.
ورغم أن مؤلفات المعتزلة جاءت متناثرة ومتفرقة إلا أن المفكر قام بوضعها في نسق يحقق مبدأ الوحدة الفكرية التي حرص المعتزلة أنفسهم على تحقيقها. وتناولت الدراسة نشأة الفكر الاعتزالي في ضوء الظروف الاجتماعية للمجتمع الإسلامي، كذلك العلاقة بين المعرفة والدلالة اللغوية، وتكشف عن أثر الفكر الديني الاعتزالي في صوغ اللغة بين أنواع الدلالة العقلية وجعلها آخر هذه الأنواع.
واعتمد البحث بكل رئيسي على المقارنة بين المعتزلة والأشاعرة بخاصة، وهي مقارنة تهدف إلى الكشف بعمق عن خصوصية الفكر الاعتزالي دون أن تتجاوز ذلك إلى بيان الأصول الفكرية للأشاعرة.
فلسفة التأويل
ثم أطروحة الدكتوراه “فلسفة التأويل.. دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي” والتي صدرت طبعتها الأولى عام 1983. وتعد هذه الدراسة امتداداً للدراسة السابقة، هدفها إبراز فلسفة التأويل عند ابن عربي، وتوضيح معضلة التأويل وعلاقته بين المفسر والنص. ويعد هذا البحث خطوة مهمة في طريق د.نصر لإعادة النظر في تراثنا الديني بكل جوانبه من خلال منظور علاقة المفسر بالنص، وما تثيره هذه العلاقة من معضلات على المستوى الوجودي والمعرفي على السواء، والآفاق التي يمكن أن يفتحها لنا هذا المنظور ثرية ومتنوعة، ويمكن أن تضيء لنا كثيراً من الجوانب التي ما تزال مجهولة في التراث، ويمكن أن تصحح لنا كثيراً من الأفكار الشائعة والمستقرة في تراثنا الديني على وجه الخصوص.
ملاحظات منهجية
وبقدر علمية ومنهجية ومغايرة دراسات وبحوث د.نصر حامد، على قدر طبيعتها البشرية التي لا تزعم لنفسها امتلاك الحقيقة وتقبل الخلاف في الرأي في الأساسيات والكليات والجزيئات والتفاصيل. ومن المفكرين الذين اختلفوا مع المفكر الراحل في بعض التفاصيل، المفكر المصري محمود أمين العالم، الذي أبدى ملاحظاته في قراءة منهجية لكتابات د.نصر، وتتلخص ملاحظات العالم في استخدام د.حامد لمنهج التحليل النقدي الداخلي في قراءته للنصوص وكشف آليات إنتاج دلالاتها، يكاد يغطي على دور الواقع الموضوعي في إنتاج هذه الدلالة، مما يكاد يغلب التفسير الثقافي الخالص للظاهرة الثقافية على التفسير الموضوعي لها، أو على الأقل يقيم ازدواجية منهجية بينهما وليس منهجاً علمياً موحداً بل يصل د.أبو زيد أحياناً إلى حد الاقتصار تماما على العامل الثقافي في عملية التفسير، ويكاد يخلص إلى بلورة نظرية له تقول «بأولية» الثقافي على الاقتصادي والاجتماعي بشكل تاريخي قطعي.
ويشير الأستاذ العالم إلى استخدام د.نصر لمفهوم الوسطية والتوفيقية بشكل مجرد لا يراعي الاختلافات والتمايزات بين المواقف التي نسبغ عليها هذا المفهوم، ولكن ألا نستطيع أن نتبين داخل هذه المواقف، في كثير من الأحيان، غلبة لطرف من طرفيها، مثل غلبة العقلانية أو غلبة اللاعقلانية على بنيتها، وفاعليتها؟ ألا يمكن أن تقوم ثنائيات في موقف فكري بعينه دون أن تكون تعبيراً عن توفيقه؟ وتكون تعبيراً عن تعدد العوامل في بنية الموقف نفسه؟ فهناك فرق بين الحل الوسط والوسطية، كما أن هناك فرقاً بين التوافق والتوفيقية.
فيما يذهب الأستاذ أمين العالم إلى أن من فضائل منهج د.نصر العلمي والفكري عامة أنه يخرج به من تحليله المحايث للنصوص إلى دلالتها في الواقع ومدى فاعليتها فيه سلباً أو إيجاباً على أنه برغم ذلك يذهب إلى ضرورة الفصل بين الفكري والسياسي وقطع “الحبل السري” بينهما. لكن العالم يؤكد على ضرورة الفصل بين الفكري والسلطوي، لا بين الفكري والسياسي على هذا النحو الإطلاقي.
ردود أفعال
أما أصحاب الخطاب الديني، فتجاوز معهم الخلاف السطح إلى الأعماق والجذور، فاحتمى الخطاب الديني وأصحابه بدعوى الحقيقة المطلقة الشاملة التي يمثلها، ولجأ إلى لغة الحسم واليقين والقطع، وذاب الغشاء الوهمي الذي تصور البعض أنه يفصل بين الاعتدال والتطرف ؛ حيث تعرض د.نصر لاتهامات في عقيدته، وحملة ضارية لا في الصحف والمجلات فقط؛ بل من على منابر المساجد والزوايا في القاهرة وخارجها.
الأمر الذي دفع بالمفكر الكبير بنشر “نداء إلى الشعب المصري” من ليدن في مجلة الطريق، قائلاً: “يا أهل مصر المعمورة، لا تصدقوا كلام القاضي أنني مرتد، ولو كان في النقض، لأن المرتد والعياذ بالله لا يتقدم بردته لينال لقب “الأستاذية” في جامعة في بلد مسلم إلا لو كان مجنوناً، وقد عشت بينكم طفلا وصبياً وشاباً وكهلاً، وخدمت وطني في كل مواقع العمل من “هيئة المواصلات اللاسلكية” إلى “الجامعة”، ولم تظهر عليّ أعراض جنون من أي نوع. منذ حوالي ربع قرن وأنا أدرّس لأبنائكم في القاهرة والخرطوم وبني سويف، فهل سمعتم أن أحداً من طلابي اتهمني بالكفر أو كفر بتأثير تدريسي له أو لها؟” موضحا الأسباب السياسية “جوهر الخلاف” لهذه المعركة الضارية.. وفي المقابل وقفت بعض المؤسسات العلمية بجانب د.نصر كقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكلية الآداب بأساتذتها جميعاً، وبمعيديها، ومدرسيها المساعدين، وبطلابها، إلى جانب العديد من الأساتذة والطلاب من الكليات الأخرى والجامعات الأخرى. والمؤسسات الثقافية المصرية والعربية، وكثير من المؤسسات والجامعات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والعربية والمصرية.. تكشف قضية د.نصر حامد، في حياته أو بعد مماته، عن التناقض الشارخ الذي نعيش فيه، بين شكل للدولة المدنية وجوهر خالص للدولة الدينية، التي لا يتحرك الفرد فيها دون استفتاء ديني، ويكمن “العفريت الديني”، حدّ اصطلاح الشاعر حلمي سالم، في كلّ مؤسساتها، حتى التي نظن أنها أبعد عن ذلك العفريت، المؤسسة العلمية/ الجامعية، أو المؤسسة العسكرية.
نقر ونعترف أمام الله، وأمام المنهجية، أن هذه المداخلة مجرد قراءة أولية في مشروع مفكر عظيم، وأستاذ جليل، ولضيق الوقت، سقطت منها بعض الكتابات ك”مفهوم النص”، إلا أننا نطمح أن تتطور فيما بعد إلى دراسة مكتملة كاشفة عن مشروع مفكر بحجم د.نصر حامد أبو زيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.