عاجل: إصابة 12 جنديًا في عملية تطهير هضبة حضرموت من المتمردين المطلوبين للعدالة    طيران العدوان السعودي يستهدف "أدواته" في حضرموت وسقوط قتلى وجرحى    صنعاء ترد على تهديدات نتنياهو وكاتس    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    بين حقّ الحركة وحفظ التوازن: المجلس الانتقالي في قلب المعادلة الإقليمية لا على هامشها    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الأحزاب ترحب بالبيان السعودي وتعتبر انسحاب الانتقالي جوهر المعالجة المطلوبة    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمة المفتاح لسياسة واشنطن في المنطقة: "اللاحرب واللاسلم"
نشر في 26 سبتمبر يوم 16 - 08 - 2023

من يتأمل أداء السياسة الخارجية الأميركية حيال "قوس الأزمات"، أو بالأحرى، دائرة الأزمات المفتوحة في المنطقة، يجد قاسماً مشتركاً، يميزها، برغم اختلاف اللاعبين والسياقات، وتباين الأولويات بين أزمة وأخرى...
ويمكن اختزال هذه السمة المشتركة بعبارة واحدة: "اللاحرب واللاسلم"، فكيف يتبدى ذلك كله، ولماذا تعتمد واشنطن خياراً كهذا، وما هي تداعياته المحتملة؟
ولننطلق بداية للتعرف إلى المفهوم، مفهوم "اللاحرب واللاسلم"، والتعريف به، إذ شاع استخدامه في الأدبيات السياسية العربية، في المرحلة الممتدة من هزيمة حزيران 1967 حتى حرب أكتوبر 1973، وهو "مُستلّ" من قاموس الحرب الباردة وعلاقات القوة وتوازناتها بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، بعد الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط جدار برلين، وهو يعكس حالة جمود استراتيجي، تنتفي معها الحروب والمواجهات الكبرى، من دون إغلاق باب الاحتمالات أمام معارك ومواجهات محدودة وقابلة للسيطرة، وهو أقرب إلى حالة "تسكين" الجبهات، وإدارة النزاعات واحتوائها، من دون صرف ما يكفي من وقت وجهد وموارد، لحلها أو تحويلها، والبحث عن معالجات جذرية، تخاطب أسبابها وعواملها الأكثر أهمية.
وتلجأ الدول في العادة، إلى خيار "اللاحرب واللاسلم"، عندما يستعصي إلحاق هزيمةٍ بيّنةٍ لطرفٍ على يد الطرف المقابل، وغالباً ما تلجأ الدول الكبرى إلى مثل هذه الاستراتيجية، لاستنزاف موارد الطرف الخصم وإنهاكه، أو على أمل تمكين الطرف الحليف من استرداد أنفاسه، والاستعداد لجولات لاحقة من المعارك والحروب، وربما في بعض الأحيان، تحويل الوضع المؤقت إلى وضع دائم، فيصبح استمرار الحال على ما هي عليه، هو "الحل المُرتجى" بعينه.
في الأزمة الأم، التي تعصف بالمنطقة منذ مئة عام، تجلى هذا المفهوم تاريخياً في أوضح ما يكون، فقبل الوصول إلى عصر اتفاقات التطبيع مع "إسرائيل"، بدءاً بمصر، قضت المنطقة معظم سنيّ الصراع، في حالة من "اللاحرب واللاسلم"، مع استثناءات قليلة، كرّست القاعدة بدل أن تنفيها، وأمكن ل"إسرائيل"، بدعم كثيف ولئيم، من دوائر أوروبية وغربية، وبالأخص الولايات المتحدة، بناء عناصر قوتها واقتدارها وتوسعها، ولولا سنوات "اللاحرب واللاسلم" الطويلة، لما استطاع المشروع الصهيوني أن يبتلع كل مساحة فلسطين التاريخية، وأن يقضم أطرافاً من "دول الطوق" العربية، أو أن يتمدد عبر بوابات التطبيع الاقتصادي والأمني والثقافي، خلف خطوط الطوق إلى عمق "دول الإسناد".
اليوم، تُكرر واشنطن فعل المزيد من الشيء ذاته، فجوهر حراكها السياسي إنما يتجلى في تكريس حالة من "اللاحرب واللاسلم" في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي..."الحل النهائي" غير مدرج في جدول أعمال إدارة بايدن، ولا يُعتقد أنه سيُدرج في جدول أعمال الإدارة التي ستليها، وحدوث "الانفجار الكبير"، لا يبدو أمراً مرغوباً من منظور واشنطن، التي تنظر إليه بوصفه تعكيراً لصفو أولوياتها الأخرى، الممتدة من أوكرانيا والبحر الأسود، إلى تايوان وبحر الصين، مروراً بالمحيطين الهادئ والهندي.
جُلُّ ما ترنو إليه إدارة بايدن فلسطينياً، لا يتخطى ترجمة معادلة "الأمن مقابل التسهيلات"، حتى وإن أفضى الأمر إلى تحويل السلطة من "مشروع دولة" إلى "وكيل أمني" للاحتلال، يسهر على حراسة مستوطناته ومستوطنيه، نظير تسهيلات اقتصادية وتجارية بخسة، وتخفيف القيود المذلة على حركة الفلسطينيين...هذا هو سقف الحراك الأميركي، حتى إشعار آخر، وهذه هي الترجمة المعاصرة، لمفهوم "اللاحرب واللاسلم" في سياقه الفلسطيني الراهن.
في اليمن، لم تعد هناك معارك وحروب كبرى، والمدافع صممت منذ أزيد من عام، ورغم أن "الهدنة" نَفَدت، ولم تُجدد، لكن خطوط التماس في البر والجو والبحر، ظلت على صمتها وهدوئها، لا تعكر صفوها مناوشات هنا وتحرشات هناك...أما مسارات التفاوض، فتبدو معلقة بانتظار "زمن آخر"، وحركة الموفدين الأممي والأميركي بلا بركة...
حالة "اللاحرب واللاسلم"، تهيمن على اليمن، رغم تحذير كثيرين، بأنها لن تمنع الانفجار، وأنها مفخخة، باحتمالات قد لا يُحمد عقباها.
وإذا كانت "اللاحرب واللاسلم" فلسطينياً، تعني إنهاكاً للفلسطينيين، وإضعافاً لروح المقاومة لدى أجيالهم الشابة، وفرصة لإشعال مزيد من الخلافات والانقسامات الداخلية، في الوقت الذي تنتشر في المستوطنات كالنبت الشيطاني، وتتضخم وتتسمن على حساب الأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية، فإن حالة "اللاحرب واللاسلم" في التجربة اليمنية، تبدو "مصيدة" معدّة بإحكام لأنصار الله الحوثيين، الذين بات يتعين عليهم، لا الاهتمام بمجريات المعارك على خطوط التماس، بل توفير فرص العيش الكريم لملايين اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهي مهمة أصعب بكثير في زمن التهدئة والهدوء، من مهمة كسب المعارك وتسيير "الدرونات" وإطلاق الصواريخ في زمن الحرب والمعارك، سيما إن أخذنا في الاعتبار الشروط الاقتصادية والاجتماعية اليمنية، وتداعيات الحصار التي ما زالت تلقي بثقلها الكثيف والكئيب على شمالي البلاد.
في سوريا، تغيب المواجهات الكبرى، وسبق ل"حميميم" أن أعلنت بصريح العبارة، أن زمن المعارك الكبرى في سوريا قد انقضى، ولكن مرة أخرى، لا نشهد حرباً في سوريا، ولا نشهد سلاماً كذلك...
فأكثر من ربع مساحة البلاد، وفوقها ملايين السوريين، ما زالت وما زالوا، خارج سيطرة الدولة وسيادتها، والحرب الاقتصادية ما زالت تشن بسيف "قيصر" وما لحقه من قوانين عقابية، ووعود إعمار سوريا، أو حتى تعافيها المبكر، كما عودة اللاجئين، ما زالت محفوفة بالخطوط الحمراء الغربية التي تجعل إنجاز هاتين المهمتين، أمراً صعباً للغاية.
لا حروب ومعارك كبرى، ولا حلول سياسية ودبلوماسية...لا مسار جنيف يتحرك، ولا مسار أستانا حافظ على زخمه، فيما "اللجنة الدستورية" لا تظهر إلا في اجتماعات "لجنة الاتصال السداسية العربية"، والموفد الأممي غير بيدرسون "خارج السمع"، لكأن المطلوب فرض طوق من الجمود الاستراتيجي، وتكريس حالة من السكون والتسكين، الكفيلة وحدها، بتفجير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، رهاناً على مسلسل انفجارات من الداخل، أو موجة جديدة من "ثورات الجياع"، في ظل صمت المدافع والجبهات من جهة، وانسداد أفق السياسة والحلول من جهة ثانية.
ليبيا بدورها، ليست بعيدة عن هذه السياسة، فالحرب وضعت أوزارها منذ أن بدا أن الجيشين التركي والمصري، قد يصطدمان أحدها بالآخر عند خط سرت – الجفرة...يأتي موفدون دوليون ويعودون، تتبدل الأسماء والأشخاص، تندلع اشتباكات متنقلة هنا وهناك، لكن النتيجة أن ليبيا التي غادرت مرحلة الحروب والمعارك الكبرى، لم تدخل مرحلة السلام بعد، والباب مفتوح لشتى الاحتمالات.
واشنطن غير قادرة على "حسم" هذه الصراعات عسكرياً، أو تسويتها سياسياً، لا مباشرة، ولا عبر حلفائها ووكلائها في الإقليم، لكنها ما زالت قادرة على منع "السلام" ما دام أنه لا يتطابق مع "دفتر شروطها"...
من هنا، يأتي اللجوء إلى خيار "اللاحرب واللاسلم"، الذي يُبقي بيديها، مروحة واسعة من الخيارات والبدائل...فهي تستطيع أن تحشد المارينز والقطع البحرية في الخليج، وأن تعزز وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، وبمقدورها أن تجند المليشيات العشائرية لقطع الشريان الحيوي لإيران الممتد من قزوين حتى شرق المتوسط...تستطيع أن تتحرش بروسيا في سوريا، وأن تواصل ما سمّته "استراتيجية ردع إيران ودورها المزعزع للاستقرار"، لكن ذلك لا يمنعها من البحث عن "تسويات صغيرة" من نوع "صفقة السجناء" وإن خلف الأبواب المغلقة في مسقط والدوحة، في الوقت الذي لا تمانع فيه، خوض "معارك صغيرة" مباشرة أو بالوكالة...
حالة "اللاحرب واللاسلم" في المشهدين العربي والإقليمي، تضيف أعباء إضافية إلى دول المنطقة وشعوبها، وتُبقي مستقبلها غامضاً وضبابياً، وبالأخص، تلك التي لا تدور في "الفلك الأميركي".
*عريب الزنتاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.