في يومٍ من أشرف أيام الله يوم (الجمعة) وفي أحد الأشهر الحُرُم شهر رجب.. من العام التاسع للهجرة سطر اليمنيون أروع صفحات الخلود المشرق، وحازوا أعظم الأوسمة المباركة، ودخلوا بوابة الشرف العظيم وأي شرفٍ أعظم وأعمق وأسمى وأرفع من الإنعتاق والأستجابة والدخول في دين الله.. دين الإسلام.. دين الشمولية العالمية؟؟ إنه الدين الذي ارتضاه الله للعالمين ؛ليخرجهم من ظلمات الكفر والظلم والهوان إلى نور الحق والإيمان وقيم العدل والعزة والكرامة، ويخلصهم من طينية الجسد إلى عليين الُرقي والكمال..يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.. آل عمران- آية (85).. لقد مثلت جمعة رجب علامةً فارقة في آفاق التاريخ الإسلامي ،وحقق اليمنيون أسبقيتهم المشرفة في الصفوف الأولى للإسلام طواعية واستجابة لّٰله ولمبعوث رسول الله إلى اليمن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، والذي ما إن وطأت قدماه أرض اليمن, وبدأ يقرأ الرسالة الكريمة رسالة حبيب رب العالمين رسول الله- صلوات الله عليه وآله- حتى أسلم كل أهل اليمن جميعاً وهو ما جعل الرسول الأعظم يباهي بهم ويمنحهم الوسام العظيم:«الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان» هذا في الوقت الذي شنّت قوى الكفر والطاغوت من قريش وغيرها أبشع أساليب الإيذاء والتكذيب للرسول- صلوات الله عليه وآله- حتى الذين هم بجواره وكان من المفترض أسبقيتهم في نيل شرف الإسلام.. من هنا وبكل فرح يحتفل أبناء اليمن من كل عام بأول جمعة من رجب.. كونها الحدث المبارك والدلالة الزمانية المقدسة لتجديد ولائهم وارتباطهم بالرسالة المحمدية، وتعزيزاً للمبادئ السامية، وهو اليوم الذي تشرفوا بوضع يدهم في يد رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه وآله- مبايعين وانطلقت بعدها مواكبهم في سبيل الله فاتحين ومجاهدين؛ لإعلاء راية الإسلام في شتى بقاع الأرض، وتشرفوا بحب مبعوثه الإمام علي بن أبي طالب في صنعاء وهمدان وغيرها حتى أن الدلالات المكانية ما تزال وستبقى مفعمة بهذا الحب وهذا التماهي والإرتباط، فالمكان الذي تشكلوا فيه حلقاً حول الإمام علي ما يزال إلى اليوم مبتهجاً بدلالة التسمية «سوق الحلقة» كما هي مآذن وقباب الجامع الكبير إحدى الشواهد الحضارية على هذا الحب لآل رسول الله، وأبرز مظاهر وتجليات الهوية الإيمانية اليمنية. والشواهد المكانية والتاريخية متعددة على هوية اليمن الإيمانية في كل التفاصيل الحياتية، منها جامع الجند الذي بناه مبعوث رسول الله معاذ بن جبل رضي الله عنه بالجند، وهكذا يتفرد أهل اليمن في الإحتفاء بجمعة رجب بل هي عيد ثالث، ومناسبةٌ دينيةٌ جليلة، وصارت جزءاً من موروث اليمن الثقافي وهويته الإيمانية تتنوع مظاهر إحيائها وروحانتيها وطقوسها بشتى أنواع العبادات، والتقرب إلى الله، وتفعيل مبادئ التكافل الإجتماعي، وتجديد الإرتباط بالله ورسوله والقرآن الكريم والهوية والثقافة القرآنية عملاً وسلوكاً. فمباركٌ لنا جميعاً هذه المحطة المشرقة التي تحيي فينا شيم العزة بنعمة الإسلام ،وتجدد ولاءنا لرسول الله صلى الله عليه وآله، وتلهمنا دروس الفلاح والثبات والنصر والتمكين، وتحصننا من مجنزرات الغزو الفكري، والثقافات المغلوطة. لقد سعى أعداء الإسلام أعداء قيم الخير إلى طمس وتغييب مثل هذه المحطات العظيمة، وتغييبها عن ذاكرة وحياة الأجيال بشتى الوسائل منها السخرية والاستهزاء، ثانياً- وهو الأخطر- إحلال بعض الثقافات الضالة والغربية، ولكن فطرة ونقاء وشموخ من شهد رسول الله بإيمانهم ولين أفئدتهم، وشهد القرآن بقوة بأسهم، وشوروية رأيهم لا ولا يمكن أن تجرفها رياح الأفكار الضالة، وأعاصير الحرب الناعمة.