لم تعد خافيةً على أحد نشأة التيار السلفي «المدخلي» الاستخباراتية الهادفة إلى تكميم أفواه الدعاة الصادعين بالحق ابتغاء مرضاة الله وإلى تركيع العامة للأنظمة الحاكمة الجبرية الظالمة، وأنَّ هذا التيار يصطفُّ -بصورةٍ غير مباشرة- مع الصهيونية ضد المقاومة الفلسطينية تجسيدًا لسياسات ولاة أمره. صمتهم على ما تقترفه إسرائيل من جرائم القضية الفلسطينية هي القضية المعيارية التي تعرف بها صحة أو بطلان التوجهات الفكرية في أوساط الأمة الإسلامية، وقد كشفت في أكثر المواقف حساسية انحراف الفرقة المدخلية المنبثقة عن الفرقة الجامية، حين سجلت موقفًا عدائيًّا لا ينسى من «طوفان الأقصى» تمثَّل بالصمت التام على ما تقترفه قوات الكيان الصهيوني -على مدى 7 شهور و10 أيام- في حقَّ فلسطينييغزة من إجرام، وقد نبه إلى صمت منظر تيار المدخلية المنكر بعد شهر واحد من بدء اقتراف تلك المجازر الكاتب الجزائري «سلطان بركاني» في مستهل مقاله التحليلي المعنون [هل آن للشّيخ أن ينعتق؟!] المنطوي على نصح اخوي للشيخ السلفي الدكتور «محمد علي فركوس» والمنشور في «الشروق أونلاين» منذ ال26 من نوفمبر الماضي على النحو التالي: (بعد مرور أكثر من 40 يومًا على طوفان الأقصى، وما تخلّل الأسابيع التي أعقبته من إبادة تعرّض لها المسلمون في قطاع غزّة، على أيدي الصهاينة المحتلين؛ لم تسمع الأمّة حسًّا ولا ركزا لبعض العلماء الذين عُرفوا بخوضهم في كلّ شاردة وواردة تتعلّق بالخلاف المحتدم في الوسط الإسلاميّ، واهتمامهم بمحاكمة الجماعات وتصنيف الدّعاة، وكان من أبرز أولئك الصائمين عن الكلام الشيخ «ربيع بن هادي المدخلي» منظّر التيار المدخلي ونزيل المدينة النبوية. بل إنّ من هاجموا «حماس» في الأحداث الأخيرة واتهموها باستفزاز اليهود والتسبب في مقتل آلاف المدنيين في القطاع ينتسبون إلى الشيخ ربيع ويصدرون عن تقريراته وأحكامه). السخرية بين العامة من إنجازات المقاومة لم يكتفِ أتباع هذا التيار المدخلي ذي التوجه العمالي بالصمت المخزي عن تجريم الهجوم العدواني الوحشي الصهيوني المتواصل على مدنيي «قطاع غزة» العُزَل، بل جندوا ألسنتهم السامِّة للسخرية من الإنجازات المتعاظمة التي يسطرها أبطال المقاومة محملين حركة المقاومة الإسلامية «حماس» تبعات ما يتعرض له إخواننا الفلسطينيين من حرب إبادة على أيدي الصهاينة الأنجاس، وذلك يتضح بجلاء من احتواء التقرير التساؤلي المعنون [كيف يدعم سلفيون مدخليون إسرائيل ويُعادون حماس والإخوان والربيع العربي؟] الذي نشر في «علامات أونلاين» في ال4 من يناير الماضي على ما يلي: (مع تصاعد العدوان الصهيوني على غزة، وتضامن العلماء والعرب والمسلمين مع أهلها، ظهرت أصوات نشاز لمن يعرِّفون أنفسهم بأنهم مشايخ محسوبون على تيارات سلفية أو مدخلية، يسخرون من حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وجناحها العسكري «كتائب القسام». وظهرت فيديوهات لهؤلاء المشايخ السلفيين وهم يهاجمون المقاومة في غزة، فاهتمت صحف عبرية بدورهم في دعم إسرائيل ضدَّ حماس في هذا الوقت الحساس. وعقب طوفان الأقصى، الذي جاء ردًّا على الاعتداءات الصهيونية المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى، انتشرت تعليقات لمشايخ سلفيين بعضهم ينتمي للتيار المدخلي السلفي ينتقدون المقاومة ويسخرون منها. حيث هاجم عدد من شيوخ السلفية المدخلية حماس بسبب تنفيذها عملية طوفان الأقصى، وقال أحدهم من السعودية إن الحركة الإسلامية هي الشر بعينه، وأنها السبب فيما يقع على رؤوس أهالي غزة. وهاجم شيخ سلفي مدخلي من البحرين مقاتلي حماس وقال إنهم إرهابيون وإخوان وخوارج وأن الحركة هي سبب ما جرى لأهل غزة من دمار). إضفاء الشرعية على سلب الأراضي الفلسطينية لأنَّ مهام تيار المداخلة تنحصر في تسويق سياسات الأنظمة العربية الغارقة في مستنقع العمالة حتى الثُّمالة، فلم يعد بمستغرب أن تظل عناصر هذا التيار الضال المضل تعمل بشكلٍ متواصل على تثبيط همم أبناء الأمة الإسلامية عن مواجهة أعدائها في ما يشنون ضدَّها من حروب ذات غايات استئصالية مبررةً لما تدعو إليه من تخاذل بربط النهوض بهذا الواجب البالغ الخطر بتوجيهات ولي الأمر، على غرار استنكارهم نهوض فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة «حماس» ب«طوفان الأقصى» من دون إذن رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس»، بل الغرابة تكمن في إضفائهم الشرعية -بالإضافة ترويجهم فكرة إجلاء جميع الفلسطينيين من عموم أرض فلسطين- على ما يسيطر عليه أعداء الأمة من أراضيها -عقارية كانت أو زراعية- بأساليب قسرية انتزاعية، وليس ادلّ على تبني السلفية المدخلية هذه الأجندة العمالية من قول كاتب تقرير الصحيفة الإسرائيلية «زالجي خان» -بحسب المصدر ذاته الذي سبق الاستشهاد ببعض فقراته-: (إنَّ المثير للصدمة أنَّ هذا التيار -يقصد التيار السلفي المدخلي- يروج علنًا لفكرة إخراج جميع الفلسطينيين من الضفة الغربيةوغزة، كما أنه يضفي الشرعية على سلطة إسرائيل على جميع الأراضي التي تعد أراضي فلسطينية).