الحمد لله الرحمن الرحيم، الحليم العليم، العزيز الحكيم، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي العظيم، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، ذو الخلق الكريم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ذوي النهج القويم. نعيش هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة وإطلالة عام مبارك بإذن الله بعد أن أَفَلَت شمس عام كامل مضى بأفراحه وأتراحه، فما أسرع مرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، فاللبيب الموفق هو من أخذ من ذلك دروسا وعبرا، وتزود من المَمَرِّ للمقر، فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والله نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام والمسلمين وصلاح لأحوالهم في كل مكان وأن يعيده على وطننا وشعبنا بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم. إنَّ الأحداثَ الكبرى في حياة الأمم والشّعوب والجماعات والأفراد جديرة بالوقوفِ عندَها وقفاتٍ متأملة؛ لاستخلاصِ ما حفلَت به من عِبر، وما تضمَّنته من معانِي، وما حوَته من فوائد، ، وما أرشدت إليه من مسالكَ وإنَّ في حياةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداثاً حوّلت مجرَى التاريخ وأحدَثت أعظمَ نقلة في حياة الإسلام والمسلمين ، تبوَّأت منها الهجرةُ النبويّة المبارَكَة مكاناً عليًّا ومقاماً كريماً، حيث كانت بحقٍّ فتحاً مبيناً ونصراً عزيزاً ورِفعة وتمكيناً وظهوراً لهذَا الدّين، وهزيمةً ً للكافرين. أيها المجاهدون أيها المواطنون سنشير هذا اليوم إشارات عابرة لعدد من الدروس التي يمكن ان نستخلصها من الهجرة النبوية الشريفة ونحن في بداية هذا العام الجديد علها تكون سببا في شحذ الهمم، واستنهاض العزائم للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الاتعاظ بها والاعتبار، وتجديد المواقف وإصلاح المناهج وتقويما للمسيرة الشخصية في كافة جوانبها. وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التأريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتضحية والإباء والصبر والنصر والفداء والتوكل والقوة والإخاء والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، إنه حدث الهجرة النبوية نفسها الذي جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة ورفع راية الإسلام وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسا في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه. إن في هذا الحدث العظيم من الآيات البينات والآثار والدروس والعبر البالغات ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه لثبت لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلا بالتمسك بإسلامها والتزامها بعقيدتها وإيمانها، لأنه ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين ولا نال المسلمون العزة والكرامة والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين واتبعوا نهج الأنبياء والمرسلين، إذا تحقق ذلك – أيها المواطنون – أيها المجاهدون - وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة وعملت على تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به والدرع الحصين الذي تقف به في وجه المخططات الصهيونية والمؤامرات الحاقدة والهجمات العنيفة التي تستهدفها كدين وكوجود فالقوة لله جميعا والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين. أيها الاماجد, لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريق في أمر العقيدة أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد وتفكك المجتمع وهزيمة الأمة، وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التأريخ يجد أن سبب ذلك يعود إلى التفريط في أمر العقيدة والتساهل في جانب الثوابت والمبادئ المعنوية مهما تقدمت الوسائل المادية، فقوة الإيمان تفعل الأعاجيب وتجعل المؤمن صادقا في الثقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه لا سيما في الشدائد، فهذا سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينظر إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: ( يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا ) فيجيبه صلى الله عليه وسلم جواب الواثق بنصر الله: (( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) الله أكبر، ما أعظم لطف الله بعباده ونصره لأوليائه، وفي هذا درس بليغ لأهل النهى الذي يفيد أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا )[يوسف : 110] . والدرس الآخر من دروس الهجرة النبوية يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات المناطقية والتمايزات القبلية والعلاقات الحزبية الضيقة ،واستحقاق الأمة للتمجيد والتكريم مدين بولائها لعقيدتها وارتباطها بمبادئها، نقول ذلك - أيها الإخوة- ونحن نسمع بعض الجماعات المرتهنة للأجنبي تتبنى مخططات وافدة ومبادئ زائفة وترفع شعارات مصطنعة وتطلق نداءات خادعة، تريد من ورائها لنا الذلّ والصغار والتمزق والمهانة والشقاء والبوار وإعادة عجلت التاريخ للورى لقبل عام 1990م يهدفون إعادتنا إلى التخلف المهين والتمزق المشين، فمن دروس الهجرة في التوحيد والوحدة,إنها آخت بين المهاجرين والأنصار وكفلت حقوقهم من خلال هذا الدين القويم بغض النظر عن انتماءاتهم وقبائلهم ومناطقهم . كذلك نستخلص من الهجرة الشريفة إن عظم الرسالة وضخامة المسؤولية وسمو الغاية والهدف كل ذلك يستدعي بذل المزيد من الجهد والطاقة والوقت والمال والتضحية بالغالي والنفيس وحتى الموت في سبيل الواجب العظيم والغاية الكبرى،وقد يضاف إلى ذلك فقدان الأصدقاء وكثرة الأعداء والتعرض للسخرية والاستهزاء ومكر الماكرين وخصومات الألداء وقلة المستجيبين والأنصار والأولياء. ويتجلّى هذا المعنَى بيّنًا في خروجِ النبيّ الكريم صلوات الله وسلامه عليه مع صاحبِه الصدّيق رضي الله عنه مهاجرَيْن من وطنهما العزيز مكةالمكرمة التي صوّر واقعَها الحديثُ الذي أخرجَه أحمد في مسندِه والترمذيّ وابن ماجه في سننهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحَزْوَرَة ينظر الى مكة فقال: ((والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت))، والحديث الذي أخرجه الترمذيّ في جامعه بإسناد صحيحٍ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكّة: ((ما أطيَبَك من بلدٍ وأحبّك إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ))، ثم هيَ مسقطُ رأسِه الشريف، وفيها مراتِع الصِّبا ومرابِع الشباب، ومفارقة الوطنِ هو من أشدِّ العُسر الذي يتكلّفه المَرء، لكنَّه صلى الله عليه وسلم خرجَ من هذه البلدةِ الطيّبة مؤثرًا مصلحةَ دينِه ونشرَ عقيدتِه باتِّساع دائرةِ الهداية وامتدَاد آفاقِها بزوالِ العوائقِ مِن طريقِ الدَّعوةِ وارتفَاع العقباتِ مِن بين يديها؛ ليكونَ للناسِ حقُّ الاختيَار وحريّة القرار عملاً بقولِه سبحانه: )وَقُلِ 0لْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ([الكهف:29]، وبقوله عزَّ اسمه: )لا إِكْرَاهَ في 0لدّينِ قَد تَّبَيَّنَ 0لرُّشْدُ مِنَ 0لْغَيّ(الآية [البقرة:256]. إن هذه الإلماحة إلى درس الهجرة في التضحية والبذل والفداء و وغلاوة الوطن ومقدار معزته رعاكم الله تدعونا إلى تذكر أحوال إخواننا في العقيدة وما يتعرضون له من تنكيل وحرب إبادة وحصار وجوع في غزة وفي بقاع شتى من العالم حيث حلت بهم مصائب وبلايا ونكبات ورزايا وفقدوا حريتهم وأوطانهم، وفي مقدمتهم أشقاءنا في أرض النبوات ومنطلق الرسالات ، في فلسطين المجاهدة مهد الحضارات وبلد المعجزات الجريح وماذا يعانون من احتلال للأوطان وتشريد للإنسان مما يوجب علينا أن نشكر الله كثير ونحمده على نعمة الأوطان والعيش بأمن في يمن اليمن والأمان نسال الله أن يديمها علينا نعمة وان يحفظ وطننا وشعبنا وقيادتنا من كل سوء اللهم آمين . وهنا نكتشف سر قيام العسكري المجاهد والمواطن المؤمن بالقتال دفاعا عن وطنه وشعبه حد التضحية بالنفس والاستشهاد من اجل استقلال وعزة وطنه. ، والأمر الآخر الذي يتعلق بحدث الهجرة النبوية هي قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها الإسلامية وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى من عقيدتها وتأريخها وحضارتها إنها قضية إسلامية وسنة أجمع عليها المسلمون في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنها التوقيت والتأريخ بالهجرة النبوية المباركة وما لهذه القضية من مغزًى عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به، لاسيما وإننا ومع الأسف الشديد نرى إن بعض أبنائها قد فتن بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم في قصة الشعر وفي ملبسهم ومأكلهم وأعيادهم ومناسباتهم متناسين ثوابتهم الدينية والعربية ساعين إلى إلغاء ذاكرة أمتهم، يتهافتون تهافتا مذموما وينساقون انسياقا محموما خلف خصومهم وأعدائهم فعلينا أن نناديهم نداء المحبة والإشفاق وننصحهم ونقول لهم رويدكم؛ فنحن أمة أصيلة عريقة ذات أمجاد وأصالة وتأريخ وحضارة ومنهج متميز منبثق من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فلا مساومة على شيء من عقيدتنا وثوابتنا وتأريخنا ولسنا بحاجة إلى تقليد غيرنا بل إن غيرنا في الحقيقة بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا، فابتعدوا عن التقليد والتبعية والمجاراة والانهزامية والتشبه الأعمى بالغربيين من النصارى واليهود وقد حذر صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك بقوله فيما أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن:" من تشبه بقوم فهو منهم" والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . *ملخص خطبة الجمعة في قرية الرون وقرية الربيع عزلة ربع المحل مديرية حيس محافظة الحديدة ضمت الأهالي مع إخوانهم من أبناء القوات المسلحة في المنطقة بمناسبة العام الهجري الجديد..