ما كَانَ لأيّ شعبٍ من شعوب الأرض أن يعيشَ في بلاده بسلامٍ ويَنعمَ بالحَريَّةٍ والكرامةٍ والعزةٍ، في ظلِّ احتلالٍ إجراميٍ أثيم يغتصبُ الأرض وينهب ثرواتها ويفسد فيها ويسفك الدماء ويُذبح أبناءها وينتهك حرماتها، وينال شبابها بالأسرِ والفتك والقتل والإذلال ويُدنس المقدسات مُدَّعياً أحقيته للأرض التي يحتلها ويغتصبها. وهو من أجل تحقيق طموحاته وأحلامه وأهدافه تلك يسعى في الأرض فساداً وينشر الرذيلة والمخدرات والتحلل من الدين والأخلاقيات الإنسانية والدينية، ويستخدم لذلك قوى الغرب الكافرة، وعلى رأسهم الشيطان الأكبر الأمريكي، ومستفيدًا من أدواته الرخيصة في المنطقة، المتمثلة بحلف النفاق والانبطاح بقيادة قرن الشيطان السعودي وظلف الشيطان الإماراتي، الذين يعملون ليلاً نهارًا لخدمة هذا الكيان الغاصب المحتل المجرم، وزرع الشقاقات والخلافات بين أبناء الأمة الواحدة لصرفها عن قضيتها الأم والمركزية القضية الفلسطينية. وما كان لشعبٍ كريمٍ حرٍ ثائرٍ كالشعب الفلسطيني أن يقبل على نفسه كل هذا الضيم، ولا يتحرك في مواجهة هذا الطغيان والاستكبار والظلم والاحتلال واغتصاب الأرض والمقدسات، ويقف مكتوف الأيدي، ذليلاً خانعًا، ضعيفًا يستجدي السلام والحرية والكرامة من طغاة الأرض والمحتلين. فما أُخذَ بالقوة لا يُستردُ إلّا بالقوة، وإذا أردتَ السلامَ فاحمل السلاح والحرية تُنتزعُ إنتزاعًا، فهكذا هو طريق الأحرار الشرفاء الكرماء. وعلى هذا الدرب العظيم تحركَ أولو البأس الشديد والإيمان والصدق والوفاء وطلاب الحرية والكرامة والآباء جهاداً في سبيل الله ودفعاً للظلم الكبير الذي حل بهم، وانتصاراً لحقهم في تحرير الأرض من المغتصب الصهيوني الباغي. فهذا حق تكفله لهم الشرائع السماوية والإنسانية والأخلاقية. فهؤلاء هم أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم الصابر، الذي اختار طريق الجهاد والمواجهة والمقاومة للمحتل الغاصب، وقدّموا كل التضحيات مهما بلغت، وكلها تهون في سبيل انتصار القضية وتحرير الأرض وطرد المحتل مدحوراً مهزومًا صاغرًا ذليلاً رغم أنفه، ولو كره الكارهون والحاقدون والمنبطحون والمنافقون والمتخاذلون، ومهما طال الزمن. ومن هذا المنطلق، ومن وحي تلك المعاناة، وُلِدَت حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، واستمرت في عملياتها النضالية ضدّ هذا المحتل الغاصب حتى جاء وعد الله، وانفجر طوفانُ الأقصى العظيم.. لم يكن طوفان الأقصى وليد اللحظة، بل كان نتاجًا لجهود جبارة بذلت من قبل قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث عكفت على إعداد وترتيب خططها بدقة عالية وسرية تامة، فأفضت إلى هذا الإنجاز العظيم والمبارك لتفاجئ العالم بأسره وتربك كيان العدو وتقصم ظهره ويصاب بالذهول والذعر، ولم يفق من الصدمة إلا بعد فترة من الزمن، وأفرحت قلوب فصائل المقاومة ومحور الجهاد. ومنذ الوهلة الأولى لانفجار الطوفان في وجه كيان العدو في السابع من أكتوبر الماضي لم تتردد فصائل المقاومة الأخرى في الانخراط إلى جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس، كما حظي بمباركة وتأييد قيادات محور الجهاد والمقاومة في دول المحور، ولم تكن شعوب الأمة وأحرار العالم بمنأى عن الطوفان، بل باركت وأيدت أقدام المقاومة على هذا العمل الجبار. وفي الوقت الذي اقدمت حركة حماس على هذا العمل الجبار كانت تدرك كافة المخاطر والتداعيات الناجمة عن الطوفان، ولم يكن غائبًا عنها الانعكاسات المترتبة على الطوفان ومدى حماقة كيان العدو المتغطرس وما يمتلك من ترسانة أسلحة متطورة وفتاكة بأحدث وسائل التكنولوجيا، وما ستقدم عليه من جرائم حرب بحق أبناء الشعب الفلسطيني بلا استثناء، وكذلك لم يغب عن بالها الخذلان العربي وإمبراطوريات الغرب الكافر بقيادة الشيطان الأكبر الأمريكي ومعه البريطاني، الذين يقفون خلف هذا الكيان اللعين، وكانوا ومازالوا يسخرون كل إمكاناتهم وأموالهم وأسلحتهم وطغيانهم لخدمة هذا الكيان اللعين. وكذلك الدور السلبي لطابور المنافقين ورؤساء وملوك دول الطوق، الذين يستخدمهم العدو لفرض حصار مطبق على المجاهدين، كما أخذت بعين الاعتبار كل خيارات العدو في الحسبان، بما في ذلك فرضية إقدام العدو على اجتياح غزة وارتكاب أبشع الجرائم والمذابح فيها، وعلى الرغم من كل تلك المخاطر والمحاذير، كان على الحركة أن تستبق كيان العدو المتربص بها والمترقب للحظة المناسبة للانقضاض عليها، فلم يكن أمامها إلا مباغتة العدو في عقر مغتصباته، فاستمدت العون من الله وتوكلت عليه وأعدت عدتها بقدر استطاعتها امتثالًا لقوله تعالى: "{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِّن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}".. وفي اليوم المعلوم فجر الأحرار طوفانهم وأوشك الكيان المؤقت على الانهيار، وكاد أن يتهاوى لولا الهبة الغربية بقيادة الشيطان الأكبر، والفزعة الأعرابية بقيادة قرن الشيطان، وتهافت طواغيت الغرب الكافر إلى عاصمة الكيان لتقديم كل أنواع الدعم المعنوي والعسكري والمالي والدفع بالكيان الغاصب لاجتياح قطاع غزة بهدف اجتثاث المقاومة وتدمير بنيتها العسكرية والبنية التحتية للقطاع، وقدمت مليارات الدولارات لاستعادة الأسرى وتحقيق هذه الأهداف. كما أراد العدو تحقيق الحلم الذي طالما راوده لزمن طويل ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في تهجير الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن ومن غزة إلى سيناء، واليوم وبعد عام مضى ودخول عام جديد من المواجهة والعدوان المتواصل، لا يزال العدو غارقاً في رمال غزة وعاجزاً عن تحرير الأسرى وتحقيق أي انتصار، ولا تزال المقاومة تحتفظ بكامل قوتها وتتحدى العدو بالرغم من المساحة الضيقة للقطاع وعديد قواته وعتاده وسلاح الجو الفتاك، ناهيك عن الحصار المطبق على القطاع والدعم والإسناد اللامحدود من محور الكفر والنفاق لهذا الكيان اللقيط والخذلان العربي ودور حركة النفاق العربي في التخاذل وطعن المقاومة في ظهرها، إلا أن العدو لم يحقق أياً من أهدافه ووجد ما لم يكن بحسبانه ففي الضفة حيث تمكن المجاهدون فيها من بناء بنية تحتية ومقاومة صلبة وعصية على الانكسار وقادرة على المواجهة والصمود والثبات في كل الظروف والحالات، وهي آخذة بالتنامي وتطوير قدراتها مع الوقت، وهذا يعتبر انتصارًا ساحقًا للمحور وللمقاومة في الضفة. إن الإنجاز الوحيد الذي تمكن العدو من تحقيقه يتمثل في ارتكاب الجرائم والمجازر بحق المواطنين الأبرياء، وهدم المنازل، وتدمير البنية التحتية للقطاع، دون أن يتمكن من النيل من المقاومة، التي لا تزال، بعد عام كامل من المواجهة والقتال والقصف المتواصل جوًا وبرًا وبحرًا، تحتفظ بقوتها وشجاعتها وبأسها وبنيتها التحتية، وتوجه الضربات الموجعة لكيان العدو الغاصب وتستهدف المغتصبات بصليات الصواريخ التي لم تتوقف عن قصف تلك المغتصبات بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على استدراج قوات العدو والنيل منه في كمائن محكمة وعمليات تشفي صدور قوم مؤمنين. ...... يتبع