بالرغم من الصدى العالي الذي صاحب تأسيس «منظمة التحرير» و«حركة فتح» اللتين تأسستا عامي 1964، 1965 على التوالي، فقد مثل إبرامهما اتفاقية «أوسلو» مع الطرف الإسرائيلي أولى حلقات التصهيُن المرحلي التي توالت لتمثل الحملة الأمنية التي تنفذ بالتنسيق مع السلطات الصهيونية وبرعاية من «محمود عباس» أوضح مظاهر الارتكاس. تجاوز دور التجسس إلى القتال بتحمس منذ أن أنشئ الجهاز الأمني الفلسطيني متصدرًا مخرجات اتفاقية «أوسلو» السيئة السمعة، انحصرت مهام هذا الجهاز في التجسس على عناصر المقاومة الفلسطينية لصالح السلطات الأمنية الصهيونية وفق آلية تنسيقية استخباراتية غاية في الدقة والسرية، تسبب ذلك العمل التجسسي في تعرض عشرات المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية للاغتيال وفي وقوع المئات في شراك الاعتقال. وقد كان سوء ظن المغرقين منا في التشاؤم في هذه الأجهزة الأمنية التي تمثل سلطة «أوسلو» الغارقة في مستنقع العمالة للسلطات الاحتلالية الصهيونية أنها ستستمر في الاضطلاع بذلك الدور العمالي المتمثل في الإيقاع بعناصر المقاومة الفلسطينية وتقديمهم لقمةً سائغة لأجهزة الأمن الصهيوإسرائيلي ولم يكن يخطر لنا على بال أن تبلغ بهذا الجهاز حالة الابتذال الانخراط في الأعمال القتالية الميدانية إلى جانب الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية ومشاركتها الولوغ في الدماء الزكية الفلسطينية، بل إنها في بعض الأحيان تنوب أجهزة أمن دولة «الكيان» في ما يتعرض له الناشطون السياسيون والمقاومون الفلسطينيون من عدوان، ومن أبرز إنجازات ذلك الجهاز «اللاأمني» اللعين في سفك دماء الفلسطينيين ما كان من اغتيال عناصره للناشط الفلسطيني «نزار خليل بنات» بعد ساعات من اعتقاله من قبلها قبل فجر يوم الخميس ال24 من يونيو 2021. «الشلبي» و«جعايصة» قربان للكيان كان المتوقع أنَّ الجرائم الصهيونية المرتكبة في حق التجمعات السكانية الفلسطينية صباح مساء منذ اندلاع «طوفان الأقصى» التي ما تزال مستمرة إلى هذه الأثناء والتي تسبب في تأليب الرأي العام العالمي ضدَّ العدو الفلسطيني، وأيقظت الضمير الإنساني بعد طول سبات، وعادت بالقضية الفلسطينية إلى واجهة أحداث العالم ستعزز وحدة الصفٌّ الوطني الفلسطيني في وجه الصلف الصهيوني وتوحد الجبهة الفلسطينية الداخلية في وجه الاحتلال الظالم، بيد سلطة المدعو محمود عباس التي تأسست -قبل أكثر من 3عقود زمنية- بهدف تفتيت اللحمة الفلسطينية ورفع الحرج عن السلطات الصهيونية قد تلقفت ذلك الحدث التأريخي الذي كان يفترض أن يمثل لجميع الفلسطينيين منطلقًا جديدًا للتآخي بخطابٍ نشاز برر لكيان العدوان ما أقدم عليه -ردًّا على فيضان «الطوفان»- من ردود فعلٍ وحشية هذا من ناحية وأسرف -من ناحية ثانية- في شيطنة المقاومة والنيل ممَّا حققته من إنجاز اتسم ببعض مظاهر الإعجاز وظفر بإعجاب الأعداء قبل الأصدقاء. ففي الوقت الذي يبدي سكان «قطاع غزة» كبيرهم والصغير -بفعل الإنجاز الميداني اليومي للمقاومين- صمودًا منقطع النظير حمل مقاومون الضفة الغربية على تنفيذ ما أمكن من أعمال مقاوماتية إسنادًا لإخوانهم الغزاويين الواقعين تحت النار، تضطلع الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة العميل «محمد عباس» بمساندة أجهزة السلطات الأمنية والعسكرية الصهيونية في التنكيل بالخلايا المقاومة وبالمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية بصف عامة، بل لقد إن تلك الأجهزة الحائزة على وسام العمالة من الدرجة الأولى تنوب الأجهزة الصهيونية بأعمال عدوانية هو بها أولى، وها هي الآن -في سبيل تمكينها من حكم «قطاع غزة» تحت وصاية سلطات العدو- تداهم عرين المقاومين الضفاويين «جنين»، وتقتل -في غضون أسبوع واحد- مقاومين هما الشاب «ربحي محمد الشلبي» البالغ من العمر 19 عامًا الذي قتلته عناصر أمنية عباسية يوم الخميس الماضي بإطلاق النار عليه من مسافة الصفر من داخل آلية لا يميزها سوى العلم الفلسطيني عن الآليات الإسرائيلية، وقتل المقاوم المطلوب لجيش الاحتلال وأحد قادة كتيبة جنين الشهيد «يزيد جعايصة» في اشتباكٍ مسلح أثناء تصديه مع عدد من المقاومين في مخيم «جنين» لأجهزة السلطة الهجين أثناء إقدامها على اقتحامه الذي اعتادت عليه -منذ أسابيع- بصورةٍ دائمة. ومن المؤكد أنَّ ما تعرض له الشهيدان من قتل على أيدي عناصر أمنية تابعة لسلطة المتصهين النتن الذي يكنى ب«بأبي مازن» يندرج في سياق تقديم ما يتوجب على تلك السلطة من قربان لسلطات الكيان، على أمل ترضى سلطات المدعو «نتنياهو» عن أزلام «أوسلو» فتوكل إليهم إدارة شؤون «قطاع غزة» بعد تحقق ما لن يتحقق -بإذن الله- من حلمه في تجفيف منابع المقاومة باستئصال شأفة المقاومين الميامين الذين نظنهم آخر مسمار في نعش الدولة الصهيونية ومن في يدور في فلكهم من المتصهينين.