"جيوتيان"، طائرة هجومية صينية مسيّرة من الجيل الخامس، والمُصنَّعة ضمن فئة "الارتفاعات الشاهقة وقدرات التحمّل الطويلة" (high-altitude long-endurance)، أما المختلف فيها، أنها صُممت لحمل طائرات مسيّرة أصغر في جوفها. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024، كشفت الصين عن الطائرة التي تروّج لها كأول حاملة مسيّرات محلقة على ارتفاعات شاهقة، وهي بدون طيار، وضخمة البناء، ومهيأة لأن تحمل مئات الطائرات المسيرة الأصغر حجما، وعليه تكون هذه الطائرة أشبه بقاعدة طائرة يمكنها إطلاق أسراب من الطائرات المسيّرة على ارتفاعات قد تصل إلى 15 كيلومتر. جاء هذا الكشف في النسخة ال15 من معرض الصين الدولي للطيران والفضاء في مدينة تشوهاي. وتُشير أحدث التقارير في الإعلام الرسمي الصيني إلى أن اختبارات الطيران ستبدأ في نهاية يونيو/حزيران القادم. تقوم على تطوير هذا المشروع شركة صناعة الطيران الصينية المملوكة للدولة، واسمها بالصينية (جيوتيان) يعني "السماء العالية". هذا المشروع بدأت معالمه الأولى بالظهور من خلال وسائل الإعلام المهتمة بالشؤون العسكرية في أوائل عام 2023، لكن المفاجأة كانت هي أن الطائرة ظهرت علنا في معرض تشوهاي في أواخر العام الماضي. وتشير الرحلة التجريبية المنتظرة في يونيو/حزيران القادم إلى تسارع غير مسبوق من ظهور الفكرة إلى التحليق والتي عادة ما تأخذ بضع سنوات، وذلك عائد إلى الدعم المباشر والسخيّ الذي توجّهه الصين لتسريع الابتكار العسكري خصوصا والابتكارات التقنية بصورة عامة، كما يشير تقرير موقع "أرمي ريكوجنيشن". أما فيما يتصل بالتفاصيل التقنية للطائرة، فإنها تعتمد على محرك توربيني فائق الدفع مُثبت أعلى هيكلها، ما يمنحها مدى تشغيلي يصل إلى 7 آلاف كيلومتر وزمن تحليق يصل إلى 36 ساعة. وربما يكمن التميّز الحقيقي لطائرة "جيوتيان" في حمولتها، إذ يمكن اعتبارها "المركبة الأم"، لأنها قادرة على حمل ما يصل إلى 6 أطنان من الحمولة المتنوعة، من الطائرات المسيّرة الأصغر إلى الذخائر، داخل حجرة متعددة الاستخدامات، وعلى 8 نقاط تعليق خارجية. وبحسب الإعلام الرسمي الصيني، يمكن للطائرة أن تطلق أكثر من 100 طائرة مسيّرة صغيرة، سواء كانت مسيّرات انتحارية "كاميكازي"، أو طائرات استطلاع، عبر منافذ في أسفل هيكلها، لتتحول إلى موزع جوي للطائرات المسيّرة. وتذكر التقارير أن هذه الطائرة تمثل "نقطة قيادة جوية" تنسّق أسرابا معقدة من الطائرات المسيّرة على امتداد مساحات شاسعة. وعند إطلاقها، يمكن لتلك الطائرات المسيّرة القيام بمهام متعددة، سواء كان ذلك لمهام الاستطلاع، أو التشويش، أو أن تسهم في إرباك الدفاعات الجوية للعدو، وصولا إلى تنفيذ هجمات جماعية تجاه أهداف محددة. من ناحية المفهوم، تمثل طائرة "جيوتيان" منافسا لكل من الطائرتين الأميركيّتين "إم كيو-9 ريبر" و "آر كيو-4 غلوبال هوك"، لكنها تختلف عنهما في طبيعة المهام. فبينما تركز مسيّرة "إم كيو-9 ريبر" على الضربات الدقيقة ومهام الاستطلاع، تؤدي طائرة "جيوتيان" دور مركز التحكم الجوي لأسراب المسيّرات، بما يشبه حاملة طائرات جوية. أما مسيّرة "آر كيو-4 غلوبال هوك"، المعنية بمهام الاستطلاع الإستراتيجي، فهي تفتقر إلى قدرات الهجوم والتحكم اللامركزي التي توفرها الطائرة الصينية. وتمزج مسيّرة "جيوتيان" بين خصائص الطرازين الأميركيين، مع بعض الإضافات النوعية. فهي مثل طائرة "آر كيو-4 غلوبال هوك" معدّة لمهام استطلاع طويلة الأمد على ارتفاعات شاهقة، وتتميز بجناحين عريضين وقدرة على الطيران المتواصل فوق مساحات شاسعة. كما أن محركها المثبت في الخلف يقلل من بصمتها الحرارية، وهو ما يعزز قدرات التخفّي والمناورة. ببساطة، تؤدي طائرة "جيوتيان" دورا مزدوجا؛ طائرة هجوم وتجسس على ارتفاعات شاهقة، مثل منافستيها "غلوبال هوك" أو "ريبر"، بجانب كونها منصة لإطلاق الطائرات المسيّرة الصغيرة. وبالمقارنة مع حاملات الطائرات أو المنصات المأهولة على ارتفاعات شاهقة، توفر "جيوتيان" بديلا أكثر كفاءة من حيث التكلفة والتخفي، دون تعريض الطيارين للخطر. وتذكر التقارير الصينية أيضا أن طائرة "جيوتيان" تستخدم نظام تحكم بالذكاء الاصطناعي يتيح لقائد واحد تشغيل الطائرة وسرب المسيّرات الصغرى عن بعد. وترتبط الطائرة بصورة آمنة بالأقمار الاصطناعية، وربما باستخدام تقنيات التشفير الكمومي للاتصالات، مما يقلل من مخاطر التشويش أو القرصنة. ورغم حرص الصين على تعزيز قدرتها على التخفي، فإن ضخامتها تجعلها هدفا مغريا لأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، مما يتطلب غالبا توفير غطاء جوي لمرافقتها وتحييد التهديدات الأرضية. كما أن أقصى ارتفاع معلن قد تصل إليه الطائرة الصينية (7 آلاف كيلومتر)، فإنها تبقى ضمن نطاق منظومات الدفاع الجوي المتطورة مثل "باتريوت باك-3" الأميركية، ومنظومة "سكاي بو 3" التايوانية، ومنظومة "إيجيس" اليابانية، كما أشار تقرير بصحيفة نيوزويك. ووفقا لتحليلات وتقارير عسكرية حديثة، يوجد حاليا أكثر من 50 نموذجا من المسيّرات قيد التطوير ضمن قطاع الصناعات الدفاعية الصينية، من المروحيات الرباعية "كوادكوبتر" الصغيرة المخصصة للاستطلاع الميداني، إلى الطائرات الهجومية الشبحية ذات الأشكال الغريبة. ولكي نحاول فهم حجم هذا الجهد، يكفي أن نعلم أن المصانع الصينية تتحضّر لإنتاج ملايين من الطائرات المسيّرة الانتحارية الصغيرة بحلول عام 2026. يرجع الفضل في زيادة الإنتاج، وتوفر هذا المخزون الكبير من الطائرات المسيّرة، إلى سيطرة الشركات الصينية على هذه السوق، التي تنتج وتبيع معظمها حول العالم. وما يزيد من المصاعب هو تخلف قطاع الطائرات المسيّرة التجارية في الولاياتالمتحدة عن نظيره الصيني، فالشركات الصينية تهيمن على سوق تلك التقنيات التي يمكن تطويعها للاستخدام المزدوج. هذه الهيمنة الصينية على هذا القطاع عالميا لم تأتِ مصادفة، إذ أشار تقرير الاتحاد الدولي لأنظمة المركبات غير المأهولة إلى أن أهم أسباب نجاح الشركات الصينية في قطاع الطائرات المسيرة التجارية هو الدعم الواسع الذي تقدمه الحكومة الصينية، وذلك عبر تقديم إعانات سخية واستثمارات مباشرة ووضع تشريعات إستراتيجية، مما وضع الشركات الصينية في موقف قوة في الساحة العالمية. ففي عام 2015، أطلقت الحكومة الصينية مبادرة "صُنع في الصين 2025′′، وهي مبادرة تمتد 10 سنوات للاستثمار في الصناعات الرئيسية، خاصة في مجال التكنولوجيا، بهدف ضمان ريادة الصين وهيمنتها على الأسواق العالمية. ساهمت تلك الإعانات الحكومية في خفض تكاليف الإنتاج، وبالتالي استطاعت الشركات الصينية أن تُقلل من أسعار المسيرات، مما سمح لها بالتفوق على نظيراتها من الشركات الأميركية، سواء من حيث السعر أو المميزات التقنية. في النهاية، وبينما يستمر سباق الابتكار في عالم الطائرات المسيّرة، يبقى السؤال: إذا كانت الحروب التي نراها اليوم شديدة التدمير، فكيف بحروب المستقبل؟