تشهد المالية العامة في كيان الاحتلال ضغوطًا غير مسبوقة بفعل استمرار العمليات العسكرية وتكاليفها، وسط مؤشرات على دخول اقتصاد الكيان في مرحلة تراجع واسعة النطاق. وفقًا لتحليلات صدرت مؤخرًا في صحف الكيان الصهيوني، حذّرت صحيفة هآرتس من أن فجوة العجز في الميزانية ستتسع بشكل مقلق، نتيجة استدعاء قوات الاحتياط، وتمديد فترة التجنيد الإجباري، والارتفاع الحاد في الطلب على الذخائر والمعدات العسكرية. مصادر صهيونية مطّلعة أفادت للصحيفة ذاتها أن الإنفاق على الحرب بلغ خلال عام 2024 نحو 168.5 مليار شيكل، ما يمثل أكثر من 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة ب 98.1 مليار شيكل فقط في العام السابق. هذا الارتفاع الهائل في النفقات ترافق مع تراجع في الإيرادات الضريبية، نتيجة الانكماش الاقتصادي بنسبة 1.5%، وانخفاض الصادرات والاستثمارات. واقع جديد وزارة المالية في كيان الاحتلال تجد نفسها أمام واقع جديد فرضه استمرار الحرب، يتمثل في عجز مالي يُقدّر بما بين 15 و25 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 4 إلى 7 مليارات دولار، وهو ما قد يدفع الحكومة إلى رفع الضرائب وتقليص الخدمات الاجتماعية، بحسب ما ذكرته هآرتس. في السياق ذاته، كشفت القناة 12 الصهيونية أن القصف المتكرر الذي تنفذه القوات المسلحة اليمنية بات يشكّل عامل ضغط اقتصادي إضافي، خاصة بعد استهداف مطار بن غوريون، مما تسبّب في تعطل حركة الملاحة وتكبيد كيان الاحتلال خسائر يومية، إلى جانب اضطرار ملايين المستوطنين للالتزام بالملاجئ لفترات طويلة، وتأثر الحياة اليومية والمؤسسات الإنتاجية بشكل مباشر. خلافات حادة وعلى خلفية هذه التطورات، شهد اجتماع مشترك بين وزارتي المالية والدفاع توترًا لافتًا، حيث وجّه وزير مالية كيان العدو بتسلئيل سموتريتش انتقادات حادة لضباط جيش الاحتلال، متهمًا إياهم ب"التصرف من دون شفافية مالية"، وبالإنفاق بشكل غير منضبط. الصحف الإسرائيلية نقلت عن سموتريتش استياءه من غياب التنسيق المالي، ورفضه المطالبات المتزايدة برفع مخصصات وزارة الدفاع. من جهتها، تدفع المؤسسة العسكرية في كيان الاحتلال باتجاه توسيع الميزانية العسكرية، بدعوى الحاجة إلى تغطية التكاليف المتصاعدة للعمليات في غزة، والتأهب على جبهات أخرى. وتُعد هذه المواجهة بين الوزارتين استمرارًا لسلسلة من الخلافات السابقة، حيث اتهم سموتريتش قيادة جيش الاحتلال في وقت سابق ب"إخفاء معلومات استراتيجية عن القيادة السياسية". ركود وعجز وتُظهر المؤشرات الاقتصادية الأبرز أن العجز الحالي يتغذى من عدة عوامل مترابطة منها تكاليف استدعاء قوات الاحتياط: وتشمل رواتب وتعويضات وتعطّل قطاعات مدنية والإنفاق العسكري المرتفع: خاصة ما يرتبط بتعويضات الحرب وتوريد الذخائر.والركود الاقتصادي الذي أدى إلى تراجع الاستهلاك الداخلي والصادرات، ما قلّل من حجم الإيرادات الضريبية. في المجمل، يبدو أن التحديات المالية في كيان الاحتلال لم تعد مجرد أرقام حسابية، بل تحوّلت إلى أزمة بنيوية تهدد الاستقرار الاقتصادي في ظل استمرار الحرب، وسط تساؤلات متزايدة في الداخل العبري عن مدى قدرة الحكومة على تحمّل تكلفة العمليات العسكرية طويلة الأمد، خصوصًا في حال استمرار الضغط العسكري من جبهات متعددة.