في ظل معادلة الردع الجديدة التي فرضتها صنعاء على خارطة الصراع الإقليمي، لم تعد السفن الإسرائيلية أو تلك المرتبطة بالعدو الصهيوني تجوب البحار بأمان كما كانت في السابق. فقد تحوّل البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب إلى ميادين مواجهة حقيقية، حيث باتت السفن الإسرائيلية تحت المجهر اليمني، عسكرياً واستخباراتياً. اليمن، الذي كان يُنظر إليه في الماضي كبلدٍ غارق في أزماته الداخلية، أثبت اليوم أنه لاعب إقليمي فعّال، قادر على فرض إرادته السيادية والدفاع عن قضاياه ومقدساته، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، برز الموقف اليمني كأكثر المواقف العربية والإسلامية وضوحاً وجرأة، حيث أعلنت القوات المسلحة اليمنية –وبدعم شعبي واسع– عن استهداف السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني ومنعها من عبور البحر الأحمر، في خطوة نوعية أربكت حسابات تل أبيب وأحرجت أنظمة التطبيع. الضربات الدقيقة التي وجهتها القوات البحرية اليمنية باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية لم تكن مجرد رسائل تحذيرية، بل جاءت في إطار استراتيجية واضحة عنوانها: "لن تكون هناك مصالح صهيونية آمنة في مياهنا ما دام الدم الفلسطيني يُسفك". وقد تم تنفيذ عشرات العمليات النوعية التي عطّلت حركة الشحن للسفن المرتبطة بإسرائيل، وأجبرت شركات الشحن العالمية على تغيير مساراتها، مما كلّف الاقتصاد الإسرائيلي خسائر كبيرة. القرار اليمني بمواجهة السفن الإسرائيلية في البحر هو امتداد طبيعي لمواقف شعبٍ يؤمن بقضيته المركزية، ويعتبر أن التطبيع خيانة، وأن نصرة فلسطين ليست شعاراً يُرفع، بل موقف يُترجم على الأرض. وقد استطاعت صنعاء أن تضع نفسها في طليعة محور المقاومة، لا بالكلمات فقط، بل بالفعل والتضحيات، حيث استشهد عدد من المقاتلين اليمنيين في العمليات البحرية وهم يؤدون واجبهم المقدس في مواجهة العدوان. إن السفن الإسرائيلية لم تعد حرة الحركة، بل أصبحت تسير بخوف وقلق، وتحتاج إلى حراسة ومراقبة دائمة، لأن عيون اليمن مفتوحة، وسلاحه حاضر، وقراره السيادي لا يُساوَم. ومن المؤكد أن هذه المعادلة البحرية الجديدة ستعيد رسم خطوط الملاحة في المنطقة، وستجعل العدو يفكر ألف مرة قبل أن يقترب من المياه اليمنية أو يحاول استفزاز إرادة شعبٍ لا يعرف الانكسار. ختاماً، فإن استمرار التصعيد الإسرائيلي في غزة سيقابل برد يمني أقسى، ولن تكون السفن وحدها الهدف، بل كل ما يمس الأمن الصهيوني سيتحول إلى ساحة مفتوحة للمواجهة. واليمن، الذي اختار أن يكون حيث يجب أن يكون، سيبقى رقماً صعباً في معادلة الصراع، وسيفاً مشرعاً في وجه الغزاة والطغاة.