في خضم الأزمة الإنسانية الحادة في قطاع غزة، كشفت تقارير حديثة عن عقد وصف بالصفقة المظلمة بين حكومة إسرائيل وشركة جوجل، بغرض إطلاق حملة دعائية واسعة تهدف إلى إنكار معاناة الملايين من الفلسطينيين المحاصرين. فقد وقّع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقداً يمتد لستة أشهر بقيمة تصل إلى 40 مليون دولار مع جوجل ويوتيوب، لترويج رسائل رسمية تحاول تلميع صورة إسرائيل والتقليل من حجم الأزمة الإنسانية في غزة، وكأن الألم والمعاناة مجرد كذبة أو مزاعم كاذبة. هذا العقد الذي أُبرم في نهاية يونيو، يظهر جوجل ك«شريك استراتيجي» في حملات العلاقات العامة الإسرائيلية، حيث تولت الشركة الأمريكية المهمة القذرة في ترويج محتوى يزعم توافر الغذاء والمواد الأساسية في قطاع غزة، رغم الحصار القاسي الذي أعلنته إسرائيل بإغلاق كامل لإمدادات الطعام والدواء والوقود في مارس الماضي، مما أوقع آلاف المدنيين في أزمة جوع ومرض. ما يزيد الطين بلة هو أن هذه الحملة الدعائية لم تكتفِ بنشر الفيديوهات والرسائل المتضادة للحقيقة، بل تم دعمها بشكل مكثف من خلال أدوات الإعلان المدفوعة لجوجل عبر منصاتها المختلفة، مما يعني أن عملاق التكنولوجيا تورط عن قصد وسكوت في لعبة التضليل التي تبغي دفع الرأي العام العالمي إلى تبني رواية إسرائيل والاعتراف بها على حساب معاناة الفلسطينيين. لا شك أن قبول جوجل ويوتيوب بهذا العقد، الذي يرشّحها للعب دور مؤثر في عملية التعتيم الإعلامي والترويج للدعاية الحكومية الإسرائيلية، يمثل خرقاً خطيراً لمبادئ الحياد والموضوعية التي يفترض أن تلتزم بها الشركات التقنية الكبرى. فهو قبول مباشر بإسهام فعال في تهميش وقائع مأساوية والالتفاف على حقوق الإنسان عبر التلاعب بالمعلومات. إن ما يجري ليس مجرد صراع إعلامي بارد، بل هو جزء من سياسة ممنهجة للرقابة والطمس، تستخدم فيها أدوات رقمية واسعة النطاق كآلات ترويجية تهدف إلى تطبيع الاحتلال وتجميل سياسات القمع، على حساب الحقيقة الإنسانية الأصيلة. هذا المشروع الدعائي الممول بمال دافعي الضرائب هو إعلان واضح عن تحوّل شركات التكنولوجيا العالمية من منصات للمعلومات إلى أدوات في خدمة أجندات سياسية لا تراعي أخلاقيات العمل الإعلامي ولا المسؤولية الإنسانية. علينا جميعاً أن نسأل: إلى متى ستسمح جوجل ويوتيوب لأنفسهما بأن تكونا بوقاً ينشر الكذب ويخفي وجع الملايين؟ متى سيُحاسب هؤلاء على تقويضهم لحرية المعلومات وحق الشعوب في معرفة الحقيقة؟ إن رفض قبول مثل هذه السياسات القمعية لا يقل أهمية عن دعم الضحايا أنفسهم، فالحقيقة لا تُقيد ولا تُباع.