طوفان الأقصى لم يكن سوى نتيجة طبيعية لحرب عدوانية وإجرامية تُشنّ على الشعب الفلسطيني في أرضه، على امتداد 105 سنوات.. مائة وخمس سنوات من الاحتلال ونهب الأرض وأعمال القتل والإبادة الجماعية والتهجير والاعتداء على المقدسات، ما بين الإجرام البريطاني والعصابات اليهودية الصهيونية التي جلبها البريطاني إلى فلسطين، وما بين السيطرة والاحتلال والإجرام الصهيوني. مائة وخمس سنوات من الإجرام والخيانة تجعل من الطوفان امتدادًا طبيعيًا لحالة المقاومة والصمود الفلسطيني، إذ أصبح القيام بهذه العملية ضرورة حتمية، وخصوصًا في ظل الخطوات الخطيرة والعلنية للبرنامج المشترك بين أمريكا وإسرائيل وأنظمة عربية ودول غربية، في مسار التطبيع الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية. ومنذ اندلاع الطوفان، تجمّدت كل مسارات التطبيع التي كانت توجهات وأنشطة متجهة إلى الداخل الفلسطيني، وإلى الساحة العربية والإسلامية، بالضغط والابتزاز والدفع ببقية الدول إلى حضيض التطبيع والولاء والعمالة للعدو الصهيوني. فكان المشهد الرهيب والمهم والملهم لطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ضربة كبيرة وقاسية جدًا للعدو الإسرائيلي، ولا يمكن أن تُمحى من الذاكرة الصهيونية، بعد أن هزّت كل تلك الغطرسة والطغيان، وأعاد هذا العمل للقضية الفلسطينية حضورها إلى صدارة الاهتمام العالمي، وأصبحت همًا إنسانيًا جامعًا، بعد أن حاول المستكبرون تصفيتها وتغييبها من المشهد تمامًا، وتصفية كل حقوق الشعب الفلسطيني. وعلى مستوى الأمة الإسلامية، أعادت هذه العملية الأمة إلى مربع الموقف والتحرك والجهاد في سبيل الله تعالى، وأعادت الاشتباك والمواجهة مع العدو، كما فرزت واقع الأمة بجلاء، واتضح الصادق من الكاذب. وفي هذا الاختبار الكبير للأمة، والفرز الواضح: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ – تفضّل الله على شعب الإيمان والحكمة بالموقف المتكامل والشامل، ليُشكّل نموذجًا إسلاميًا وإنسانيًا فريدًا يمتاز بالقوة والفاعلية والتأثير الملموس على الأعداء، وقد أثبت ذلك في قدرته على فرض حظر ملاحي استراتيجي على العدو، وتعطيل ميناء إيلات، وإعاقة الملاحة الجوية في مطار بن غوريون، ما تسبب في مغادرة شركات الطيران العالمية، والإسهام في عزلة الكيان، ونزع الأمن والسكينة من نفوس قطعان الصهاينة، ما ألحق بالكيان خسائر اقتصادية واستراتيجية كبيرة، وهو إنجاز يُعترف به عالميًا من قبل الخبراء العسكريين ومراكز الأبحاث في الشرق والغرب، ولا تتنكر له إلا الأصوات المأجورة التي تحاول التقليل من شأن هذا الإنجاز، كونها تسترزق من عملها كأبواق رخيصة لا وزن لها ولا قيمة. ومن يسعى للتخويف أو التهويل والإرجاف، فإن ثقافتنا القرآنية تعلمنا أن الأمن يتحقق بالخوف من الله سبحانه وتعالى، والاستجابة لدعوته، ومن أعظم دعواته سبحانه وتعالى هي الدعوة لنصرة المستضعفين. فالموقف لم يكن اندفاعًا طائشًا أو عبثًا عاطفيًا، بل كان تجسيدًا للرشد المضبوط بالمعيار الإيماني والأخلاقي والإنساني والديني، في إطار الهداية الإلهية والتوجيهات القرآنية الواضحة التي تُعدّ أعظم ضابط لأي موقف. *مدير عام شرطة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات