تثار الكثير من الأسئلة حول خطة ترامب "للسلام" والاتفاق الذي أبرم بهدف إيقاف العدوان على قطاع غزة بعد عامين من جريمة إبادة صهيونية بحق القطاع لا مثيل لها في التاريخ المعاصر وما هي الآليات أو الأجراءات لما بعد الاتفاق وما مصير نجاح الاتفاق؟ وحاولت ندوة نظمها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة صنعاء الإجابة على بعض هذه التساؤلات من خلال أوراق سياسية وتحليلية لعدد من الأكاديميين تحدثوا عن مواضيع متعددة في الندوة التي حضرها رئيس الجامعة الدكتور محمد البخيتي وعدد من الأكاديميين والطلاب والباحثين، مع كلمات للمستشار الثقافي بالجامعة الأستاذ عبد السلام المتميز، وكلمة لمساعد رئيس الجامعة لشؤون المراكز العلمية والبحثية الأستاذ الدكتور زيد الوريث، كما أدار الندوة الأستاذ المساعد الدكتور حسين محمد مطهر. وتناول أستاذُ العلوم السياسية المساعد بجامعة صنعاء الدكتور هاني المغلس، في ورقته المقدَّمة إلى الندوة، الخلفيةَ الصهيونيةَ لخطة ترمب، والأبعادَ الاستراتيجيةَ والآفاقَ المستقبليةَ وخياراتِ المواجهة مع صنعاء، متطرقًا إلى بعض التحديات التي تطرحها خطة ترمب للسلام (أكتوبر 2025) على القضية الفلسطينية، وعلى حركة الصراع العربي – الإسرائيلي والمقاومة والمنطقة برمتها، معتمدًا على الفرضية بأن خطة ترمب للسلام ليست معنية بإنهاء الحرب وصنع السلام في قطاع غزة، وإنما بإخراج الكيان الصهيوني من مأزق حرب استنزاف طويلة فرضتها عليه المقاومة. ويرى الدكتور المغلس أن خطة ترمب للسلام ليست سوى آلية تشغيلية للمشروع الصهيوني الاستعماري المسمى "الحلف الإبراهيمي"، باستثمار التغيرات الجيوسياسية التي يقدّر مهندسو الخطة أنها باتت مواتية لتفعيل المشروع على نطاق إقليمي أوسع، وبدفع دولي أقوى مما حصل عليه في السابق، مبيّنًا أن كل خطوة في مسار تنفيذ خطة ترمب للسلام يُراد منها قطع أشواط متقدمة في طريق ترسيخ الحلف الإبراهيمي، بفتح أبواب جديدة للتطبيع والتعاون متعدد المستويات والاتجاهات مع الكيان الصهيوني، بصرف النظر عن إيفاء كيان العدو الإسرائيلي بالتزاماته وفق الخطة أم لا. وهذا يعني – بحسب الدكتور المغلس – أن حركة التطبيع أو التعاون الاقتصادي والأمني مع العدو الصهيوني، حتى دون تطبيع رسمي، ستأخذ مسارًا مستقلًا عن واقع تطبيق خطة ترمب في غزة، بحيث تمضي في طريقها غير متأثرة بالعقبات والصعوبات التي ستواجه حتمًا تنفيذ الخطة، أو بالتقلبات الكثيرة التي تعج بها المنطقة. ويشير الدكتور المغلس إلى أن المعركة، حتى وإن توقفت على قطاع غزة، فإن العمل سيكون على تغيير هويتها من وطنٍ للمقاومة إلى موطئ قدمٍ لاستعمار جديد يخدم تفوق الكيان الصهيوني وهيمنته على المنطقة برمتها، لافتًا إلى أن خطة ترمب تكرّس فكرة أن "غزة المقاومة" هي تهديد مشترك لجميع جيرانها، وينص البند السادس عشر من الخطة على ضمان أمن غزة وعدم تهديدها لكيان العدو الإسرائيلي أو مصر أو مواطنيها. وصُمِّمت خطة ترمب في مرحلتها الأولى – كما يقول الدكتور المغلس – بصورة عكست الديناميكية التي أعقبت فشل الكيان الصهيوني في تصفية وفد حماس التفاوضي في الدوحة (9 سبتمبر 2025)، وأسهم الوسطاء، الذين انتابهم قلق عارم من تكرار سيناريو الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، في تعبئة جهودهم لإنجاح عملية التفاوض وفرض صيغة استسلام عليها باستثمار الفراغ القيادي والإرباك المتوقع حدوثه في صفوفها جراء الهجوم. ولفت إلى أن مبدأ التفاوض وتبادل الالتزامات الجزئية الذي أذعنت له "إسرائيل"، ومثّل كلمة السر في النجاح النسبي عند تنفيذ المرحلة الأولى، سيكون حاضرًا بشكلٍ جزئي أو يتلاشى كليًا في المرحلة الثانية، ليس لأن هذه المرحلة أقل تحديدًا وتزمينًا من سابقتها فحسب، وإنما لكونها تتضمن قضايا من النوع الذي لا يمكن لأي حركة مقاومة أو تحرر وطني أن تقبل به مهما كانت طبيعة الظرف الذي تمر به، وفي مقدمة ذلك مسألة نزع السلاح. موضحًا أن المرحلة الثانية من خطة ترمب تتضمن قضايا شائكة من قبيل تشكيل مجلس سلام وقوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) للانتشار الفوري في غزة، وتشكيل لجنة فلسطينية مؤقتة من تكنوقراط بمشاركة خبراء دوليين (البند التاسع من الخطة) تحت إشراف هيئة دولية (مجلس السلام)، وتشترط الخطة ألّا تمارس حماس والفصائل الأخرى أي دور في إدارة غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو بأي شكل من الأشكال. ويرى الدكتور المغلس أنه من المهم أن تحافظ المقاومة على نقاط ارتكاز جغرافية راسخة وممتدة في المناطق التي انسحب منها الاحتلال جزئيًا من غزة، على أن تحتفظ بقدرتها على العمل والحركة العسكرية والسياسية والتنظيمية في جميع أنحاء قطاع غزة وفي الضفة الغربية والقدس، وإبقاء جذوة المقاومة مشتعلة باستهداف جموع قوات الاحتلال المتراجعة في أماكن تمركزها في "الخط الأصفر" لإجبارها على الانسحاب، ويجب رفع مطلب الانسحاب الفوري لإفهام العالم أنه لا يمكن القبول ببقاء قوات إسرائيلية في غزة تُعتبر – بنظر القانون الدولي – قوات احتلال، بذريعة استكمال تنفيذ خطوات ومراحل اتفاق لم يوقّع عليه الفلسطينيون ولم يحظَ بإجماع شعبي فلسطيني.