في لحظةٍ تختلط فيها رمزية التاريخ بنبض الحاضر، أحيا اليمنيون الذكرى ال62 لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، التي دوّى صهيلها من جبال ردفان معلنًا سقوط الاستعمار البريطاني، وبزوغ فجرٍ جديد من الحرية والسيادة. لكنّ هذا العام لم تكن الذكرى مجرّد وقفة على أطلال الماضي، بل تجسيدًا لثورةٍ متجددةٍ تتقد في وجه العدوان، وتعلن أن روح أكتوبر ما زالت تنبض في قلب اليمن المقاوم الذي يقاتل اليوم دفاعًا عن فلسطينوغزة، في معركة الأمة الواحدة ضد المشروع الأمريكي الصهيوني. اليمن في خندق العزة من صنعاء إلى صعدة، ومن الحديدة إلى تعز، اكتست الساحات بالرايات اليمنية وأعلام فلسطين، وتوّحدت الهتافات ضد الاستكبار، في مشهدٍ يجمع بين الذاكرة الوطنية والوعي القومي. أكدت كلمات قيادات الدولة أن ثورة 14 أكتوبر ليست ذكرى وطنية فحسب، بل مسيرة ممتدة من التحرر ومقاومة الهيمنة، وأن الشعب اليمني الذي طرد المستعمر بالأمس، يواجه اليوم العدوان والحصار بنفس الروح وبذات العقيدة الثورية. وفي كلمته بهذه المناسبة، شدّد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على أن الموقف اليمني من فلسطين ليس موقفًا سياسيًا عابرًا، بل التزامٌ عقديٌّ وإنسانيٌّ راسخ. حضور ميداني يغيّر المعادلات بالتوازي مع الخطاب، كشفت البيانات العسكرية الأخيرة عن حجم الحضور اليمني الفاعل في معركة الإسناد. فقد نفّذت القوات المسلحة اليمنية منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" (758) عملية عسكرية كبرى، أطلقت خلالها (1835) وسيلة هجومية من صواريخ باليستية ومجنّحة وفرط صوتية، وطائرات مسيّرة وزوارق حربية متطورة. كما نفّذت القوات البحرية (346) عملية ضد السفن الإسرائيلية والمنتهكة للحظر اليمني، في مسرحٍ عملياتي يمتد من البحر الأحمر وباب المندب إلى خليج عدن والمحيط الهندي، استُهدفت خلالها أكثر من (228) سفينة معادية أو مرتبطة بالعدوان. أما الدفاعات الجوية اليمنية، فقد أثبتت كفاءتها بإسقاط (22) طائرة استطلاع أمريكية من نوع MQ-9، وإطلاق (40) عملية تصدي ناجحة لطيران العدو، شملت قاذفات استراتيجية بأكثر من (57) صاروخًا دفاعيًا، ما أجبر تشكيلاتٍ حربيةً معادية على الانسحاب. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل شواهد على تحوّل اليمن من موقع المتلقّي للعدوان إلى موقع الفاعل والمبادر والمساند لفلسطين على نحوٍ غير مسبوق. دمٌ يرسم طريق النصر في ذروة هذا الحضور الإسنادي، زفّت صنعاء شهيدها الكبير اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة، الذي ارتقى شهيدا على طريق القدس وهو يؤدي واجبه في اسناد غزة . حيث نعت القوات المسلحة اليمنية الشهيد الغماري بوصفه "عقل المؤسسة العسكرية وأحد صُنّاع التوازن الردعي" الذي أسّس لمرحلة جديدة من بناء القوة اليمنية. وجاء في بيان النعي أن "استشهاد الغماري سيزيد الشعب اليمني صلابةً وثباتًا، وسيظلّ دمُه منارةً تُضيء درب المقاومين حتى تحقيق النصر لفلسطينواليمن معًا." وقد عُيّن اللواء يوسف المداني خلفًا له، في تأكيدٍ على استمرارية النهج المقاوم الذي لا يعرف التراجع أو الانكسار، بل يتحوّل بالشهادة إلى طاقةٍ مضاعفة في وجه العدوان. دلالات المشهد اليمني تُثبت هذه التطورات أن اليمن اليوم لم يعد هامشًا في معادلات الإقليم، بل لاعبًا محوريًا يُعيد رسم توازن القوى من البحر الأحمر إلى المتوسط. لقد تحوّل الإسناد العسكري لغزة إلى عنوانٍ للكرامة الوطنية، ورسالةٍ بأن اليمن الحرّ لن يقف متفرّجًا أمام مظلومية الأمة، بل سيخوض معركتها حيث يجب. استشهاد القادة لم يعد خسارة، بل تجديد للعهد بأن الثورة ماضيةٌ على درب التحرر الكامل من الاستعمار الجديد بأدواته الاقتصادية والعسكرية والسياسية. خاتمة: تتجدّد اليوم ثورة الرابع عشر من أكتوبر بثوبٍ جديد، حيث تمتزج دماء الأحرار في صنعاء ورفاق غزة في نهرٍ واحدٍ من الكرامة. ومن جبال ردفان إلى سواحل البحر الأحمر، ومن مآذن صنعاء إلى أنفاق غزة، يرتفع النداء ذاته: الحرية لفلسطين... النصر لليمن... والكرامة للأمة.