لم تعد الحرب على اليمن محصورة في الغارات الجوية أو الحصار الاقتصادي، بل انتقلت إلى مرحلة أكثر خطورة وتعقيدًا: الحرب الاستخباراتية. الإعلان الأخير عن تفكيك شبكة تجسسية واسعة، مرتبطة بغرفة عمليات مشتركة تضم المخابرات الأميركية و"الإسرائيلية" والسعودية، يكشف طبيعة العدوان الجديدة التي تستهدف اليمن في العمق عدوانٌ ناعمٌ في الشكل، صلبٌ في أهدافه، وممنهجٌ في أدواته. تشكيل غرفة استخباراتية مشتركة داخل الأراضي السعودية، تشرف عليها أجهزة أميركية و"إسرائيلية"، ليس مجرد تحرك أمني معزول، بل تعبير عن انتقال العدوان من الميدان العسكري إلى ساحة العقول والمعلومات. هذه الغرفة، وفق المعطيات الأمنية، أنشئت خصيصًا خلال تصاعد العمليات اليمنية الداعمة لغزة، بعدما فشل التحالف الأميركي – السعودي – "الإسرائيلي" في كسر صمود صنعاء عسكريًا أو سياسياً. هكذا تحولت المواجهة إلى صراع استخباري شامل، هدفه جمع المعلومات حول القدرات العسكرية اليمنية، ورصد مواقع التصنيع والإطلاق، وتحديد إحداثيات حساسة، إلى جانب إثارة النعرات والانقسامات الداخلية. إنها حرب تستهدف بنية الوعي الجمعي قبل استهداف المنشآت العسكرية، لأن ضرب الثقة بين الشعب ومؤسساته هو الهدف النهائي لأي عدوان استخباري. السعودية في قلب المؤامرة تكشف المعلومات أن تمويل وتدريب هذه الشبكات تم داخل الأراضي السعودية، بإشراف ضباط أميركيين و"إسرائيليين"، واستخدام أجهزة متطورة لا تُمنح عادة إلا للجيوش المتقدمة. هذا يثبت أن السعودية لم تعد شريكًا ثانويًا، بل قاعدة عمليات متقدمة للعدوان الاستخباراتي ضد اليمن. ولا يقتصر الأمر على التنسيق التقني، بل يمتد إلى إدارة مباشرة للعمليات الموجهة نحو الجبهة الداخلية اليمنية، وهو ما يجعل الرياض في موقع المنفذ الميداني للمخطط الأميركي – الصهيوني. منظمات واجهة وغرف تخريب أحد أوجه الحرب الخفية تمثّل في استخدام واجهات مدنية وإنسانية كأدوات للتجسس. فقد تبيّن أن بعض الخلايا كانت تعمل تحت غطاء منظمات "إغاثية" مدعومة أميركيًا، تمارس أعمالاً استخباراتية لجمع المعلومات عن شخصيات مدنية وعسكرية. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، لكنها تعكس محاولة العدو إضفاء شرعية إنسانية على نشاطاته التجسسية، وتُظهر مدى تداخل الحرب الناعمة مع الأمن الميداني. الوعي الشعبي كسلاح مضاد اللافت في هذه العملية أن العنصر الشعبي لعب دورًا حاسمًا في نجاحها. تعاون المواطنين والقبائل مع الأجهزة الأمنية والعسكرية مثّل نقطة تحول في المعادلة الأمنية، إذ بات الوعي الشعبي هو خط الدفاع الأول أمام محاولات الاختراق. فاليمني اليوم، بعد سنوات من العدوان، بات يدرك أن الحرب تستهدفه في وعيه وعيشه وكرامته، لا في موقع عسكري محدد. هذا الإدراك جعل المجتمع اليمني يتحول من مجرد بيئة متأثرة بالحرب إلى شريك فاعل في صناعة الأمن القومي، وهو ما يعزز صلابة الجبهة الداخلية ويُفشل أدوات الحرب النفسية للعدو. نجاح أمني واستراتيجي تفكيك هذه الشبكة لا يُعد إنجازًا أمنيًا فقط، بل نجاحًا استراتيجيًا في حرب تدار على مستويات غير تقليدية. ففي عصر تداخل الاستخبارات بالحروب الهجينة، يصبح الوعي والأمن الداخلي أهم من السلاح. هذه العملية، إذن، تمثل تحولًا نوعيًا في مفهوم الردع اليمني، حيث الأمن بات جزءًا من معادلة القوة الشاملة التي تواجه العدوان. ما بعد العملية.. وعي ومعركة مفتوحة ما كشفته الأجهزة اليمنية ليس سوى جزء من المشهد. فالمعركة مستمرة، والعدو سيحاول تعويض فشله العسكري بمحاولات اختراق جديدة عبر التجسس، والإعلام، والمنظمات المموّلة. لكن الثابت أن اليمن بات يواجه هذه الحرب بعقلية مختلفة، تمزج بين الردع العسكري واليقظة الأمنية والتلاحم الشعبي. في المحصلة، تؤكد هذه العملية أن الحرب على اليمن لم تعد فقط معركة على الأرض، بل معركة على الوعي والسيادة والقرار الوطني. والرد اليمني، كما تُظهر التجربة، تجاوز البعد العسكري إلى تأسيس منظومة أمنية شعبية قادرة على مواجهة أخطر أشكال العدوان المعاصر: الحرب الاستخباراتية الشاملة.