كشف تقرير حصري لصحيفة وول ستريت جورنال أن الحكومة السودانية عرضت على روسيا إنشاء أول قاعدة بحرية لها في القارة الأفريقية، في خطوة قد تغيّر ميزان النفوذ في واحد من أهم الممرات البحرية العالمية. وبحسب مسؤولين سودانيين تحدثوا للصحيفة، يشمل العرض اتفاقا يمتد 25 عاما يتيح لموسكو نشر ما يصل إلى 300 جندي و4 سفن حربية، منها سفن تعمل بالطاقة النووية، في بورتسودان أو منشأة بحرية أخرى على البحر الأحمر. وترى الصحيفة أن الموقع يمنح روسيا موطئ قدم إستراتيجياً يطل مباشرة على خطوط التجارة المتجهة عبر قناة السويس، التي يمر عبرها نحو 12% من التجارة العالمية، مشيرة إلى أن وجودا كهذا سيمنح البحرية الروسية قدرة أكبر على مراقبة الملاحة، وتمديد عملياتها في البحرين الأحمر والمتوسط والمحيط الهندي، وهي قدرات تفتقر إليها حالياً بسبب محدودية موانئ الإمداد الدائمة. ونسبت الصحيفة لمسؤول أميركي كبير تحذيره من أن وجود قاعدة روسية في بورتسودان أو ليبيا "قد يوسّع قدرة موسكو على استخدام القوة ويسمح لها بالعمل دون رادع"، في حين رأى اللواء المتقاعد مارك هيكس، القائد السابق للقوات الخاصة الأميركية في أفريقيا، أن القاعدة "تعزز مكانة روسيا الدولية وتوسع نفوذها". في المقابل، تبحث القيادة العسكرية السودانية عن مصادر تسليح جديدة وسط حرب طاحنة ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وبحسب مسؤول سوداني، فإن البلاد تحتاج إلى منظومات دفاع جوي وأسلحة متقدمة، إلا أن "الدخول في صفقة مع روسيا قد يخلق مشكلات مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي". وسيحصل السودان بموجب المقترح على أسلحة متطورة بأسعار تفضيلية، إضافة إلى وعود روسية بالاستثمار في قطاع التعدين، وخصوصاً الذهب الذي يعد أحد أهم موارد الخرطوم الاقتصادية، وفقا لما كشفته وول ستريت جورنال. يأتي هذا التطور في ظل تراجع نفوذ موسكو في أفريقيا منذ تفكك مرتزقة فاغنر بعد تمرد مؤسسها ووفاته المفاجئة عام 2023، مما دفع الكرملين إلى البحث عن ترتيبات أكثر رسمية لتعزيز وجوده العسكري والاقتصادي. وكانت روسيا قد دعمت في البداية قوات الدعم السريع واستفادت مقابل ذلك من الوصول إلى بعض مواقع الذهب، لكن تبدّل الاصطفافات دفعها لاحقاً للانحياز إلى حكومة الخرطوم، وفقا للصحيفة. ومن ناحية أخرى، وجد المتمردون أن الدعم الروسي لهم لم يكن كافيا، فبادروا بإجراء اتصالات مع أوكرانيا، ويقول مسؤولون سودانيون ومتمردون إن ذلك دفع روسيا إلى التوجه نحو حكومة الخرطوم. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين معنيين بالشأن السوداني قولهم إن إيران ومصر وتركيا زودت الجيش السوداني بمسيرات، لكن الخرطوم رفضت العام الماضي مقترحًا بإنشاء قاعدة بحرية تسيطر عليها طهران لتجنب عزلة قد تفرضها عليها واشنطن وتل أبيب، وفقًا لمسؤولين سودانيين. وكانت الحرب السودانية قد اندلعت عام 2023 بين القوات السودانية بقيادة رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق دقلو لتتحول بعد ذلك إلى صراع إقليمي مفتوح، إذ وفرت دول مختلفة دعماً عسكرياً للأطراف المتقاتلة. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور وسط اتهامات واسعة بارتكاب مجازر كبيرة، ويقدّر دبلوماسيون عدد الضحايا بنحو 150 ألف قتيل ونزوح 12 مليون شخص بسبب القتال والمجاعة والمرض. ويرى التقرير أن سعي الخرطوم لتثبيت اتفاق مع موسكو يعكس حاجتها الماسة لرافعة دولية جديدة، رغم إدراكها أن خطوة كهذه قد تزيد من تعقيد علاقاتها مع واشنطن وحلفائها.