المشهد الصاخب لاجتياح وسيطرة مرتزقة الإمارات المُسمى الانتقالي، يعود تدريجياً إلى الانخفاض؛ والهدف المرحلي تحقَّق، وبدأت القوى الخارجية الدولية والإقليمية -وتحديداً أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات- إعادة هندسة المشهد وفقاً لتكتيكات يتم إخراجها وفقاً لسيناريوهات ما بعد طوفان الأقصى وحرب الإبادة في غزة وسقوط سوريا في براثن إسرائيل وداعميها؛ والأنظمة العربية المتماهية مع المشروع الصهيوني وبدرجة أساسية السعودية والإمارات وأخواتها الخليجية يلعبون دوراً أساسياً في ذلك. لذلك لا يمكن الفصل بين ما حدث في سوريا وما يُراد له أن يحدث في اليمن، مع بعض الفوارق المتعلّقة بخصوصية اختلاف الأدوات المحلية.. وهذا الترابط يمتد إلى مشاهد أخرى في المنطقة مثل الحرب الكارثية في السودان، والوضع المعلَّق في ليبيا بين طرابلس وبن غازي وفي أماكن أخرى؛ ولكن يبقى اليمن أولوية بعد أن أثبت بإسناده لغزة أنه الأخطر على مشاريع الهيمنة إذا ما أصبح قوة إقليمية تعطيه تأثيراً حاسماً على إفشال إعادة رسم الخرائط في المنطقة.. تقسيم اليمن وتشظيته إلى كيانات متناحرة هو الهدف؛ والبداية كان سابقاً حتى حرب التحالف العدوانية عليه عام 2015م، ولا نحتاج هنا أن نذكّر بالفيدراليات التي أُرِيدَ تمريرها بغطاء مؤتمر الحوار الذي تمخَّضت عنه أحداث 2011م والتي تحوَّلت من ربيع عربي إلى ربيع عِبري ما كان يمكن السماح به يمنياً، لهذا جاء خيار العدوان الإجرامي الوحشي الذي استمر لأكثر من سبع سنوات ليداري هزيمته وفشله باللجوء إلى وسائل أخرى أهمها المشاورات والمفاوضات واتفاقية التهدئة لتثبيت السيطرة في المحافظات الساحلية وفي الجزر لصالح حماية الكيان الصهيوني، فأثبت اليمن أن مثل هذه التوجُّهات لها نتائج عكسية أكدها إسناد غزة من خلال الحصار البحري والضربات الموجعة في عمق فلسطينالمحتلة بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة؛ وهذا يفسّر لنا تغيير السيناريوهات.. والحديث عن صراع سعودي إماراتي في حضرموت والمهرة هو الشكل، أما المضمون فهو المواجهة الحتمية مع القيادة مَنْ تَصدَّوا للعدوان ويخوضون معركة التحرُّر الوطني من كل أشكال الغزو والاحتلال والتبعية والوصاية.. المعركة حتمية، ولكن هذه المرة ستكون المواجهة واضحة وصريحة أنها مع الكيان الصهيوني والأمريكي والبريطاني ومخططاتهم التي أصبحت واضحة في الزيارات المتبادَلة والمعلَنة بين المرتزقة وعلى رأسهم ما يُسمى الانتقالي وإسرائيل، وهذا هو المنحى الذي يتمظهر في توزيع الأدوار بين الإمارات والسعودية كأطراف إقليمية، وبين المرتزقة التابعين للطرفين، وفي هذا الاتجاه تفسير ما هو قادم من غياب أي مواجهات في حضرموت والمهرة.. وهندسة المشهد يقتضي نوعاً من الخِداع تفسّره مفاوضات عُمان؛ وكسْب الوقت لن يكون هذه المرة لصالح الرياض وأبوظبي بل لصالح صنعاء التي تتحضر للمواجهة القادمة والتي ربما تكون الحاسمة لصالح سيادة ووحدة واستقلال اليمن وسيمتد تأثيرها على قضايا الأزمة وفي مقدمتها فلسطين.. ثبت أن رهان المرتزقة على السعودي والإماراتي والأمريكي والبريطاني كان خاسراً، ولكن الأفظع خسارةً هو الرهان على كيان العدو الصهيوني.