سبع ساعات تقريبا هى الزمن للوصول من صنعاء إلى عدن برا، يمر خلالها المسافر بعشرات المحطات، معبر، ذمار، يريم، إب، تعز، الضالع، وخلال كل تلك المسافة يشعر المسافر بالمتعة وهو يتجول فى يمن واحد لم تعد تفصل بينه الحدود المصطنعة التى عانى منها اليمنيون طويلا. وها هى بساتين "الحوطة" الساحرة المضمخة بروائح البخور وروائع القومندان تنبئ بقرب الوصول إلى عاصمة اليمن الاقتصادية. فقد كانت الحوطة كإشارة المرور الخضراء التى تخبرك أنك قد أصبحت على مرمى حجر من واحدة من أجمل مدن البحر والجبل. وكانت عدن على مدار تاريخها الحاضنة الأولى للمثقفين والمناضلين اليمنيين الذين فروا من شمال الوطن اليمنى قبل قيام ثورة سبتمبر-أيلول 1962 لتتحول بعد ذلك حاضنة للمناضلين من أجل قيام الوحدة حيث احتضنت عدن تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فى العام 1972 الذى نشأ وحدويا وناضل من اجل قيام الوحدة حتى تحققت فى العام 1990. وتعد مدينة كريتر قلب مدينة عدن المترامية الأطراف ونقطة استكشاف المدينة بدءا من بوابتها التى تعد أحد معالم المدينة التاريخية ولها قصة تحكى حيث يقع باب عَدَن أسفل جبل التعكر، ويسمى "باب البر"، كما أطلقت عليه تسميات أخرى مثل "باب اليمن"، وباب السقايين، وقد وصفه المؤرخ الهمدانى بقوله: "شصر مقطوع فى جبل"، وتعيد بعض المصادر التاريخية بناء باب عَدَن إلى شداد بن عاد حيث تم نقب باب فى الجبل، وجعل عَدَن سجناً لمن غضب عليه كما يقال! وقد استحدثت الكثير من التعديلات على باب عدن حيث قام الملك الناصر الرسولى بتوسعة باب عَدَن البرى كما جاء فى كتاب "تاريخ الدولة الرسولية"، وذلك ما أطلق عليه اسم باب الزيادة الذى شيد فى سنة 809ه بالقرب من باب عَدَن القديم، ويشير المؤرخ حسن صالح شهاب إلى أن باب الزيادة السالف ذكره هو باب العقبة، ويحتل باب عَدَن "العقبة"، وقد كانت بوابته فى السابق تفتح صباحاً وتغلق مساءً وقد بنى عليه الإنجليز جسراً فى يناير-كانون الثانى 1867، وهدم ذلك الجسر فى عام 1963 بهدف توسعة الطريق. تمازج ثقافي أمام باب عدن أو كريتر، كما أطلق عليها الإنجليز والتى تعنى فوهة البركان كما تحولت لاحقا بفعل ثورة أكتوبر تستوقف الزائر العديد من المبانى القديمة التى لم يألف رؤيتها من قبل. وما يدعو للوقوف أمامها نمطها المعمارى وطبيعتها فى معظم الأحيان فقد بدا واضحا التباين فى أساليب البناء وخصوصا فى المبانى القديمة كقصور السلاطين والكنائس وحتى المساجد فى تداخل لمختلف الثقافات التى تعايشت فى عدن على الرغم من الاختلاف فى الثقافات والعادات وحتى الأديان ومازالت آثار ذلك باقية من خلال وجود الكنائس كما أسلفنا والمعابد اليهودية والمجوسية وان كانت مجرد آثار حيث لم تعد مكانا لممارسة الطقوس الدينية لتلك الأديان التى رحل معظم أصحابها برحيل الإنجليز أو قبل ذلك كما هو حال اليهود الذين هاجروا إلى الكيان الصهيونيw على البرنامج الذى دعى "بساط الريح" مخلفين حيا كاملا فى عدن كانوا يقطنونه ومازال الكثيرون يطلقون عليه حتى يومنا هذا "حافة اليهود". ومن أشهر المعالم التاريخية فى مدينة عدن حصن الخضراء وحصن التعكر ومنارة عدن والدرب التركى وكنيسة القديسة ماريا التى بناها الاحتلال الإنجليزى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وقد تحولت كلها تقريبا إلى مبانى رسمية. أما مساجد عدن فان من أشهرها مسجد أبان الذى ينسب إلى أبان بن عثمان بن عفان الذى توفى فى "105ه / 723م" بالمدينةالمنورة حيث أقام فى عَدَن فقيهاً، وبنى المسجد قبل عودته إلى المدينةالمنورة مخلفاً وراءه ولديه "الحكم والمكثر". وهناك مسجد العيدروس الذى ينسب للشيخ العلامة أبو بكر بن عبدالله بن أبى بكر العيدروس الذى دخل عَدَن بناءً على دعوة من علمائها الذين رغبوا فى الاستفادة من علمه الغزير، فدخل عَدَن فى 13 ربيع الثانى "889ه / 1484م"، وأصبحت ذكرى دخوله عَدَن موعداً لزيارته المشهورة والمقامة كل عام منذ ما يزيد عن 530 سنة وإلى يومنا هذا منذ وفاته فى ليلة الثلاثاء 14 من شهر شوال سنة "914ه / 1508م" ويوجد ضريحه فى شمال المسجد وتعد منارة جامع العيدروس المبنية من حجر الحبش الأسود من معالم عدن.كما يعد جامع الحسينى من الجوامع ذات الفن المعمارى الجميل فى عدن نظرا للطريقة البديعة التى بنيت بها مناراته البيضاء الشبيهة بالمنارات فى بعض دول شرق آسيا المسلمة. وسادة للعمران الزائر لعدن لا ريب يشعر بعظمة التقاء البحر بالجبل وهو ينظر إلى خرطوم الفيل الذى نحتته عوامل الطبيعة والتى باتت على وشك هدمه. كما أن الزائر لأهم معلمين تاريخيين فى عدن "قلعة صيرة" و"صهاريج الطويلة" يدرك أن سكان عدن عبر التاريخ قد عرفوا كيف يروضون تلك الصخور ويجعلون منها وسائد مريحة للعمران. فقلعة صيرة التى تقف بشموخ على جبل صيرة وكأنها تحرس المدينة من القادمين من خلف المحيط مازال تاريخ بناءها مثار جدل بين الباحثين والمؤرخين الذين يقول بعضهم أن القلعة تم بناؤها فى ذات الفترة التى تم فيها بناء ميناء عَدَن "كريتر" كميناء تاريخى لعَدَن، ويعود ذلك إلى فترة ما قبل الإسلام، ويرجع آخرون ظهور التحصينات الدفاعية فى القلعة إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين عندما دخل المماليك والأتراك اليمن لمواجهة الغزو البرتغالي، غير أن أحدث الدراسات التاريخية حول قلعة صيرة ترجع تاريخ بنائها إلى زمن الأمير الأيوبى عثمان الزنجبيلى التكريتى والى عَدَن من قبل توران شاه الأيوبى شقيق صلاح الدين الأيوبى الذى جاء إلى اليمن فى سنة "569ه / 1173م"، وكلف واليه على عَدَن عثمان الزنجبيلى ببناء الأسوار والحصون، وما يؤيد هذا الرأى هو التشابه فى المخطط العام للقلاع وأبراجها التى أقامها الأيوبيون فى مصر والشام مع قلعة صيرة كما يقول بعض الباحثين. ويوجد بالقلعة "بئر الهرامسة"، التى تقول بعض الأساطير بأن الجن هم من قاموا بحفرها.أما "صهاريج الطويلة" التى باتت تعرف اليوم بصهاريج عدن فما زالت محط أنظار الزوار من داخل اليمن وخارجه كونها دليل آخر على عظمة المعماريين اليمنيين القدماء الذين أبدعوا فى هندسة السدود والحواجز المائية. وتاريخ بناء الصهاريج على وجه التحديد مازال مجهولا لدى الكثير من المؤرخين غير أنه بات من المؤكد مرور بناء الصهاريج بالعديد من المراحل التاريخية. وأقدم ذكر للصهاريج فى النقوش القديمة جاء فى نقش قديم محفوظ بمتحف اللوفر فى باريس ينص على التالي: "قيلزد قد قدمت مسنداً للإله ذات بعدين تكفيراً عن خطيئة ابنتها بتدنيسها صهريج عَدَن". كما ذكرت الصهاريج فى كتاب "وصف جزيرة العرب" للهمدانى وكتاب "أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم" للمقدسى وذكرها أيضا ابن بطوطة وابن مجاور.وقد تعرضت الصهاريج لعمليات ترميم على أيدى الإنجليز ابتداء من عام 1856 مما تسبب فى تشويه المعالم التاريخية للصهاريج التى تعانى حتى اليوم من سوء الترميم حيث تم رصف الممرات بين الصهاريج بالاسمنت وتم طلاء الصهاريج من الداخل بالون الأبيض الأمر الذى اذهب الكثير من الهيبة التاريخية للصهاريج التى يصل البعض للقول أنها "كانت معلقة وأن تراكمات الحجارة والطمى جعل بعضها يندثر تحت الركام بحيث لم يعد يُرى، والبعض الآخر أجزاء منها باتت مطمورة". وقد تم بناء عشرات السدود التى تنظم طريقة وصول الماء للصهاريج التى مازال الخلاف قائما حول عددهاوقد جاء فى تقرير كبير المهندسين البريطانيين الذين أشرفوا على الترميم بأن عددها فى الطويلة وحدها 35 صهريجاً. وجاء فى مصادر أخرى خلاف ذلك، ولكن وحتى إن اختلفت الأعداد تظل الدهشة واحدة لدى كل زائر للصهاريج التى تؤكد عظمة الإنسان اليمنى وتغلبه على كل الصعوبات الطبيعية. العرب أونلاين