واشنطن: وليام غلابيرسون* تصور وثائق المدعين الفيدراليين الخاصة بقضية قيادي حزب الإصلاح اليمني الشيخ محمد علي حسن المؤيد ومواطنه عميل المباحث الفيدرالية الأميركية وقتذاك محمد العنسي، مشاهد أقرب إلى أفلام الدرجة الثانية التي تفتقر إلى الحبكة الجيدة والأحداث الواقعية، فقد كان يجلس شيخ يمني داخل غرفة بها أجهزة تنصت وهو يتحدث بصوت منخفض حول الجهاد، فيما كان يجلس معه عميل فيدرالي متظاهرا بأنه عضو سابق في جماعة «الفهود السود» ومتلهف لتقديم مساعدة بملايين الدولارات ل«إرهابيين» مزعومين. كان حاضرا في تلك الجلسة أيضا العنسي، وهو صاحب ماض متقلب، وكان يعمل في ذلك الوقت في خدمة أجهزة الاستخبارات الاميركية. وفي وقت لاحق جرى الاستغناء عن خدمات العنسي فيما يبدو، إلا أن حنقه واستياءه بلغا حدا اضطره إلى إشعال النار في نفسه أمام البيت الأبيض الأميركي بسبب خلاف مع مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي). إن ما أقدم عليه العنسي وما برز من اهتمام تجاه قصته الغريبة، ألحقا ضررا كبيرا بأكبر قضايا تمويل الأرهاب. فقد اتضح في وقت لاحق أن العنسي كان يعمل في السابق موظفا بالسفارة الأميركية في اليمن وفصل من عمله مرتين وغادر اليمن في وقت كان قد صدرت فيه مذكرة باعتقاله بسبب دوره في خلاف مالي، إلا أنه لعب في شتاء عام 2003 دورا بدقة متناهية. فقد بدأ حديثا حول خط لتمويل الإرهاب مع الشيخ المؤيد الذي رد من جانبه بتعليقات عامة حول إطعام فقراء المسلمين. ويحظى الشيخ المؤيد باحترام في اليمن على دوره وبراعته في جمع التبرعات والمساعدات. ويتضح من نص الحوار الذي دار أن العنسي عمل على حث الشيخ المؤيد على لعب دور شرير، فيما بدا المؤيد أحيانا مساعدا للجهود المتعقلة بمقترحات خطط تمويل الإرهاب. تحدث الشيخ المؤيد عن الموت من أجل الإسلام وتحدث عن علاقات وثيقة بأسامة بن لادن وحركة «حماس». ومن المؤكد أن إجابة المؤيد على سؤال العنسي حول ما إذا ستذهب المساعدات المالية إلى تدريب مجاهدين ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة، أو «الشيطان الأكبر» طبقا لعبارة العنسي، أثارت اهتمام مكتب المباحث الفيدرالي. فقد جاء رد المؤيد كما ورد في نص الحديث المسجل: «سأعمل إن شاء الله في هذه المجالات لأنها مجالاتي». ويعتقد مراقبون أن ثمة معركة في 10 يناير (كانون الثاني) المقبل بالمحكمة الفيدرالية في بروكلين حول ما أضافته هذه الأشرطة المسجلة من معلومات، ويقول محامو الدفاع أن الشيخ المؤيد ومساعد له قد تعرضا للاستغلال والتلاعب من جانب العنسي، الذي لا يزال طريح الفراش في إحدى مستشفيات واشنطن لتلقي العلاج من الحروق التي أصيب بها إثر إضرامه النار في جسده. وتشير وثائق المحكمة ألى أن العنسي نفسه هو الذي أوعز بالشروع في إجراء تحريات وتحقيق كامل بشأن الشيخ المؤيد، كما تشير ذات الوثائق إلى إن العنسي ربما يكون أيضا وراء الشروع في تحقيق أكبر حجم أموال، زعم أنها جمعت كتبرعات في بروكلين لمصلحة تنظيم «القاعدة». ويواصل المدعون العمل في قضية تعتمد في الأساس على أشرطة تسجيلية. ويستند الإدعاء على تأكيدات أدلى بها وزير العدل جون آشكروفت عندما أعلن رسميا العام الماضي خلال جلسة استماع عقدت في الكونغرس، أن الشيخ المؤيد سلم 20 مليون دولار لأسامة بن لادن، مؤكدا أن قدرا كبيرا من هذه الأموال جمع في بروكلين. الأمر الذي أصبح أكثر وضوحا الآن هو مدى دور العنسي في تكوين هذه القضية منذ البداية؟ وطبقا للقاءات أجريت في كل من نيويوركوواشنطن واليمن، فإن العنسي كان شخصا حالما وطموحا يحب المال وعمل المخبرين، وتشير معلومات إلى أنه كثيرا ما لا يدفع فواتير تحت اسمه واجبة السداد فضلا عن إصداره شيكات بلا رصيد. وبمجرد بدء عمله مخبرا بدأت مطالبة المالية تتزايد على مكتب المباحث الفيدرالي، وخلال فترة وجيزة من اختلاطه باليمنيين في بروكلين وواشنطن، استدان أموالا من عدد غير قليل من الأشخاص ولم يسددها. ويقول سالم علي، وهو صاحب مكتبة إسلامية في بي ريدج في بروكلين، إنه كان يثق في العنسي لأنه مسلم لكنه مارس الغش ضده وضد عدد كبير من الناس، طبقا لحديث علي. ويقول محامون إن المسألة التي تلقي بظلالها الآن على هذه القضية، تتلخص في مدى الضرر الذي حدث نتيجة كشف ماضي العنسي، إذ أن ذات المدعين الذين كانوا يعتمدون على العنسي في السابق، رفعوا تهما ضده عندما علموا بأنه واصل إصدار شيكات مصرفية بدون أن يكون هناك رصيد كاف في حسابه، رغم أنه تقاضى 100000 دولار كمخبر. وكانت التهم المتعقلة بالاحتيال المصرفي قد وجهت في مايو (أيار) الماضي في الوقت الذي كانت القضية الدولية التي كان مخبرا رئيسيا فيها في طريقها إلى ساحة القضاء. وبات اسم العنسي يثير ردود فعل قوية في العاصمة اليمنية صنعاء هذه الأيام، فقد أورد في خطاب وجهه إلى مكتب المباحث الفيدرالي قبل وقت قصير من إشعال النار في نفسه أمام البيت الأبيض، أن دوره في استدراج العنسي كما ظهر في تقارير إخبارية مطلع عام 2003 جعله شخصا مستهدفا في اليمن، إلا أن هذه تعتبر آخر المشكلات التي واجهها العنسي في المكان الذي تركه وراءه عندما توجه إلى نيويورك قبل أربع سنوات. ويقول محمد التيوتي، جار العنسي في العاصمة اليمنية صنعاء، إن أسرته كثيرا ما كانت تواجه مشاكل مما جعل الأوضاع أكثر سوءا. إلا أن بعضا ممن يعرفون العنسي قالوا إنه كان شخصا متفائلا بالمستقبل، وإن له خططا مستقبلية كبيرة رغم المشاكل المالية التي كان يعاني منها، طبقا لحديث عبد القادر فرحان الذي عمل مترجما معه في السفارة الأميركية بصنعاء خلال عقد الثمانينات. ويقول محمد الملاحي، الذي عمل محاسبا في السفارة الأميركية بصنعاء في الفترة التي عمل بها العنسي مترجما، إن العنسي كان مسؤولا عن ترتيبات السفر، وإنه فصل من العمل مرتين، إلا أن المسؤولين لم يتحدثوا عن السبب، كما لم يتضح ما إذا كان مكتب المباحث الفيدرالي يعرف تاريخه عندما بدأ يعمل مخبرا. ويفترض الملاحي أن السفارة الأميركية وجدت في العنسي شخصا غير موثوق فيه، لذلك استغنت عن خدماته. يشار إلى أن محامي العنسي لم يرد على رسالة هاتفية مسجلة للتعليق، كما لم يتسن الاتصال بالعنسي الذي يتلقى العلاج حاليا الآن من الحروق التي أصيب بها بعدما أشعل النار في جسده أمام البيت الأبيض. ويقول آخرون يعرفون العنسي إنه حاول بعد ذلك العمل في مجال البناء والإنشاءات، وانتقل في وقت لاحق إلى جدة بالسعودية حيث فتح وكالة للسفر، إلا أن محاولاته تلك لم تحقق نجاحا. وعاد العنسي إلى اليمن أواخر التسعينات، وبدأ يعاني من مشاكل مالية بسبب قرض قيمه 71700 دولار أميركي تحصل عليه برهن منزله، إلا أنه لم يستطع تسديد الأقساط مما اضطر المصرف الذي قدم له القرض إلى نزع المنزل وإخراج أسرته منه، بمن في ذلك أطفاله. وتشير وثائق المحكمة إلى أن العنسي عاد للمنزل مرة أخرى، حيث بقيت أسرته لمدة أربع سنوات أخرى رغم إشعارات الإخلاء المتكررة. وأصدر مسؤولون يمنيون مذكرات لإلقاء القبض عليه إلا أن العنسي تجاهل السلطات القانونية وتهرب منها، حسبما قال القاضي المشرف على قضيته. من جانبهم قال بعض من أفراد أسرة العنسي الذي تركهم في اليمن، إنهم باتوا يشعرون بالقلق بسبب حياة المخاطرة التي يعيشها. ويقول شقيقه عبد الله العنسي، إنه كان مصدر غضب مستمر، وإنهم ظلوا لمدة سنوات يحاولون النأي بأنفسهم عنه. ويعتقد أن العنسي انتقل من صنعاء إلى نيويورك بسبب مشاكله، قبل حوالي عام من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي تسببت في ضغوط مكثفة على عملاء الأجهزة الفيدرالية لتكوين مصادر للمعلومات حول العرب في اليمن. ولم تتضح على وجه التحديد الطريقة التي أقام بها العنسي علاقات مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلا أنه أبلغ المكتب بأن الشيخ المؤيد متورط في تقديم أموال وسلاح ومجندين. وسافر العنسي إلى اليمن بعد ذلك ثلاث مرات تقريبا. وقدم العنسي إلى المسؤولين اعترافات مثيرة قال إن الشيخ المؤيد أدلى بها خلال حديثه دار بينهما في اليمن. وتلقى العنسي تعليمات من مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي باستدراج الشيخ المؤيد إلى ألمانيا حيث تقرر أن يجري تعارف بينه وعميل «اف.بي.آي» (عضو تنظيم «الفهود السود» السابق)، الذي تظاهر باستعداده لتقديم ملايين الدولارات «لدعم الجهاد». وبدا العنسي والعميل الآخر حريصين على الحصول على تعليقات من الشيخ المؤيد تكفي لإقناع هيئة المحلفين بأنه «وفر دعما ماديا لمنظمات إرهابية»، طبقا لنص التهمة. لم يكن الشيخ المؤيد، 55 عاما، صيدا سهلا، فقد أشار إلى الحاجة إلى السرية وجعل الرجلين يقسمان على المصحف. تحدث المؤيد حول «التحضير للجهاد ودعم الشهداء»، لكنه في بعض الأحيان بدا متحفظا بسبب الطريقة الصريحة والمباشرة لمحاوريه. وطبقا للنص المسجل فإن مساعد الشيخ المؤيد، محمد محسن يحيى زايد، بدا متوترا في صورة الكاميرا التي كانت مخفاة خلال اللقاء. وكانت السلطات الألمانية قد سلمت المؤيد ومساعده إلى السلطات الأميركية، ويخضع كلاهما للحبس في بروكلين بانتظار المحاكمة. لم يكن عميل المباحث الآخر يتحدث العربية، إلا أن العنسي كان يعمل مترجما بينه والشيخ المؤيد. وتشير وثيقة أعدها الدفاع عن المؤيد إلى أن العميل الآخر كان يبدو قلقا ووجه للمؤيد سؤالا مباشرا حول ما إذا سيكون الهجوم المقبل ضد إسرائيل أم الولاياتالمتحدة: «هل لديكم خطة الآن؟»، وأجاب المؤيد قائلا: «ليس لدينا خطة في الوقت الراهن. نريد ترتيب أوراقنا». ولكن جاء في ترجمة العنسي لهذا الكلام «انهم سيبدأون التخطيط لمكان الضربة المقبلة»، ليصبح هذا التعليق اعترافا مهما.