اعتبر الدكتور حميد العواضي سفير اليمن ومندوبها الدائم في اليونسكو ان المشكلة التي يواجهها مكتب تنسيق التعريب والتعثر الذي أصيب به يعكس تعثر مسار التنسيق العربي في مجالات عدة‘ وان المشكل الأساسي لهذا المكتب تمثل في عدم وصول مخرجاته إلى جمهور المهتمين. مشيراً إلى أن معظم منجزاته من مجلات وكتب وتقارير ظلت حبيسة لأدراج بعض المؤسسات الحكومية العربية من ناحية، أو في مخازن المكتب نفسه مما لم يتح للكثير الاستفادة من أعماله الجليلة التي وقفت أنا شخصيا على الكثير منها في تنمط المصطلحات أو تنسيق المعاجم في مجالات عدة. كما أن المكتب أصيب إداريا بالتكلس والانكفاء على الذات الموجود فيها وبها. مما حرم الكثير من العلماء العرب في مجال المصطلحات والمعجمية واللغويات عامة من إمكانية الإسهام والمشاركة. ففقد التنسيق أهم خصائصه وهي خاصية المشاركة والمبادلة والنظر والمقارنة والتواصل والتبادل وهي ألف باء التنسيق أساسا. وهذا أثّر سلبا على صورة دور المكتب الذي لاشك أن المترجمين هم أكثر طائفة تهتم بأعماله. ودعى الدكتور حميد العواضي في حوار أجراه معه مؤخراً موقع الجمعية الدولية للمترجمين العرب مكتب تنسيق التعريب والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم و مجامع اللغة العربية أن تتخلى عن تصورها للوظيفة الجامعة المانعة. وأن تترك وظيفة النشر لصالح دور نشر متخصصة تعمل بعيدا عن الروتين الحكومي وتقوم بالتوزيع في أرجاء الوطن العربي والعالم. كما ننصح بإعادة النظر في الأسس المنهجية المتبعة في الإعداد والتنسيق للمعاجم ومعالجة المصطلحات وفقا للمعطيات المستجدة في هذه الميادين والمعمول بها دوليا. وإن تجد المنظمات غير الحكومية مثل الجمعية الدولية للمترجمين العرب وغيرها من الجمعيات المختصة في ميادين الاصطلاح والترجمة دورا في أعمال هذا المكتب العتيد. واشار الدكتور العواضي الى المخاطر الماثلة التى تواجه الترجمة والتي من أبرزها منهج تعليم اللغة العربية نفسه‘ والذي أصابه الجمود فلم يتجدد ولم يتغير منذ قرون في كثير من مؤسسات التعليم العامة والجامعية في الوطن العربي. وهذا الجمود هو ما تُدافع عنه طائفة من "الكَتَبة" والملقنين تحت ستار أيديولوجي يصعب اختراقه. لكنه لن يدوم أبدا وخطره ليس أقل مما تطرقنا إليه من خطر استلاب النظام التعليمي العربي حاليا. والخطر الآخر هو العاميات العربية. وليس الخطر في هذه العاميات بذاتها لأنها ظاهرة ملازمة لكل اللغات ولكن الخطر يكمن في توصيف العاميات وإحلالها تدريجيا محل اللغة الفصحى في الكتابة والحديث الشفوي. لقد سعدنا أن أفلام "الكرتون" الموجهة للأطفال العرب تبنت الفصحى لغة لها. وهو ما عزز مكانة اللغة العربية في ألسنة الأطفال العرب من المغرب إلى المشرق نطقا ومعجما وتركيبا وهو مكسب يحتسب للترجمة والمترجميين. لكننا نشهد في بعض الأحيان موجة من "توطين" هذه الأفلام في بعض البلدان بلهجات ضيقة محدودة. مما يعني حرمان الأطفال العرب في هذه البلدان من تلقي لغتهم المشتركة واعتيادهم عليها كلغة في اللعب والمشاجرة والمداعبة كما يفعل أبطال مسلسلاتهم الكرتونية. وقال العواضي: " ولما كانت اللغة العربية هي لغة مقدسة عند المسلمين عامة، فإن هذا التقديس في موضع التهديد إذ بدأ ينحسر استخدام الفصحى حين دلف طائفة من أبناء العربية لاستخدام العامية لغة للإرشاد الديني ابتداء بفضيلة الشيخ المرحوم محمد متولي شعراوي- رحمه الله- ووصولا إلى الداعية عمرو خالد ومن سار على هذا الدرب في اليمن والسعودية والإمارات وغيرها من الدول العربية أدام الله دعواهم حقا وأصلح ألسنتهم نطقا. ولمن يعرف التاريخ اللغوي للغة اللاتينية وكيف تقسمت يفهم تحفظي "اللغوي" على هذا الاتجاه الدعوي. وربما أن آخر الأخطار هو اللغات الأجنبية التي يزداد انتشارها. مكمن الخطر هو في انتشارها غير متلازمة مع اللغة العربية. لأن التأهيل هنا ليس ثنائي وليس ثلاثي اللغة، وإنما أحادي بلغة غير العربية في عقر دار العرب. أما التأهيل الثنائي والثلاثي اللغة فهو تأهيل مفيد للعربية وللترجمة وللتعلم مطلقا. ونحن مما يدعون إليه وإلى تشجيعه في ظل تجديد مناهج ومقاربات تعليم اللغة العربية واللغات الأجنبية للعرب. ولا ينطوي تعديد هذه الأخطار على دعوة للتقعر والتفصح بلغة القرون الخوالي. وإنما ينطلق من فهم لنواميس تطور اللغات. فالعاميات ظاهرة طبيعية وتستحق التشجيع في ظل معادلة "تفصيح العامية وتعميم الفصحى". كما أن تقريب المحتوى الديني يقتضي الحفاظ على الحد الأدنى من الفصحى لرفع الأرواح والقيم عاليا في اتجاه تثقيفي لا تعبوي.ثم أن خطر اللغات الأجنبية هو في حلولها محل العربية لا في تعايشها معها. ويبقى أشد المخاطر هو جمود طرق تدريس اللغة العربية. وحول إشكالية المصطلح في العالم العربي والحلول التي يراها لتلك الاشكالية يقول: إشكالية المصطلح في العالم العربي هي إشكالية تنميط أو تقييس standardization موحِّد وموحَّد في كل البلدان العربية. فبالرغم من التوصل إلى منهجية عربية موحدة في هذا الاتجاه. فإنها لم تأخذ مكانها في التطبيق بشكل منسق وتكاملي بين البلدان العربية. فاستشرت ظاهرة تعدد المصطلحات. وهذه التعددية - في المصطلح بالذات – قد بلغت أحيانا حد الفوضى، هي نفي لمفهوم الاصطلاح القائم على إسناد دال لغوي واحد لمدلول ذهني معين. وتتأتى هذه التعددية كتنفيس بديل عن الحرمان من ضروب أخرى من التعددية يفرضها الواقع السياسي والجغرافي والثقافي. لكن المفارقة أن التعددية عند العرب موجودة فيما لا ينبغي أن يكون فيه تعدد وإنما توحد، أي المصطلح. والتعددية ممنوعة فيما ينبغي أن تكون فيه تعددية مثل السياسة والفكر والثقافة. وكم نود أن تنقلب الآية هنا بالذات. أما الحل فيقوم أولا في تفعيل آليات تنسيق واضحة ومعروفة. فمشاريع توحيد المصطلح في الوطن العربي ليست إشكالية اليوم وإنما ازدادت حدة بسبب تراكم المصطلحات غير الموحدة وغير المقيسة في عالم تميل فيه اللغات التي تتجاوز حدود الدولة الواحدة إلى هذا التنسيق في التنمط والتقييس. وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات اليوم تتيح بشكل كبير هذا النوع من العمل المنسق بأقل التكاليف وأزهدها. ويرى الدكتور العواضي أن الجمعية الدولية للمترجمين العرب قد نجحت نجاحا كبيرا في أنها قصّرت المسافات بين المترجمين العرب في مختلف البلدان العربية وغير العربية. كما هيأت في كثير من الأحيان حوارا بينهم مفيدا وحضاريا. وخلقت جوا من التواصل والاتصال المباشر وغير المباشر قد آتى أكله مرارا، وسوف تتبدى فائدته مستقبلا بشكل أوضح وأجلى. وأظن أن الجمعية، إن هي حافظت على هذه الروح المهنية وقوت شبكة التواصل والاتصال بالمفيد الجديد، تراهن على مستقبل أكثر إشراقا للعرب ولغتهم في ذاتها أو في علاقاتها باللغات الأخرى واعتبر العواضي تكريم الجمعية للعلماء والمبدعين والمفكرين الذي قامت به في الأول من يناير 2005 لفتة جميلة من الجمعية للمنتسبين إلى ميدان الترجمة. خاصة أن التكريم عند العرب لا يأتي إلا بعد الوفاة – إذا أتى- ربما من باب "اذكروا محاسن موتاكم". وقد كسرت الجمعية هذا التقليد الذي لا يعترف للأحياء بالمكانة ولا يقدر إنجازاتهم. ونشد على يدي من فكر بهذا التكريم وندعو إلى استمراره وترشيده بما يضمن قيمته ويرفع مكانة من ناله. وإن يقتصر على الترجمة والدراسات اللغوية حتى يظل لهذا التكريم قيمة اختصاصية. أي أن يكرم المرء من أقرانه اعترفا له بفضل جهده وتقديرا لمهارته. ولأن ميدان الترجمة والدراسات اللغوية لم يحظ بأي تكريم من أي مؤسسة أو حكومة عربية حتى الآن. واكد العواضي الى ضرورة تطور الجمعية الدولية للمترجمين العرب ويرى ان تسير عملية التطورفي خطين متوازيين. خط أكاديمي وبحثي يمثل المرجعية العلمية في قضايا اللغة والترجمة في مختلف وجوهها. ويتبدى هذا الخط من خلال الدراسات والبحوث والكتب التي تنشر على صفحات الجمعية، وفي مجلتها، وفي الدورات التي تقيمها في مجالات الترجمة وربما في المستقبل في مجالات أخرى في المصطلح واللغة عامة إذا ما تم إنشاء الأكاديمية. وهو خط ربما يقتضي أن يبقى في حدود اختصاص الجمعية وأن لا يخرج عن رسالتها إلى القبول في كنفه بكل ما يأتي من مجالات أخرى لها جمعياتها وصفحاتها والمختصون فيها. وإن جَمَعَهم بالترجمة والدراسات اللغوية جامع فإنه أساسا ينبغي أن يكون من صلب اختصاص الجمعية في الترجمة أصلا. أما الخط الثاني فهو خط تثقفي عام يمثل ساحة المشاركة المبسطة والرأي العابر والانطباع السريع وهو ما تعبر عنه المنتديات التي تزخر بها صفحات الجمعية.و له في تقديري أهمية تقارب أهمية الخط السابق وتدانيه. ويمكن في المستقبل أن تنظيم الجمعية لقاءا "إخاليا" – وأفضل هذا اللفظ الذي اقترحه نبيل علي على لفظ افتراضي ترجمة لvirtual – حول موضوع معين باستخدام تقنية التراسل الآني بالصوت أو الصورة معا. وهو أمر من الناحية التقنية مقدور عليه. ولكل خط من هذين الخطين جمهوره ومريدوه وأهميته ومكانته. ولا مفاضلة هنا بينهما وإنما تقسيم منهجي ورغبة في فهم المشاركات وتقدير الإسهامات في هذه الجمعية.. فالتكامل بينهما قائم من خلال الانفتاح الكبير للقائمين على أمر الجمعية ومشاركة المتابعين لها. ودعى المترجمين الشباب الى ضرورة التمكن من ناصية اللغات واعتبرهم مستقبل الترجمة وبأيدهم أن يجعلوا منها فنا وعلما مفيدان للإنسانية جمعاء. وقال الدكتور العواضي "أنا أفضل على النصح أن أشاطرهم خلاصة محددات عمل المترجم- كما أفرضها على نفسي- مؤكدا بأن على المترجم أن يهتم اهتماما كبيرا من التمكن من ناصية اللغات التي يترجم منها وإليها عن طريق التعلم والتعليم المستمرين. وأن يوسع ثقافته قراءة ومتابعة. فإن الثقافة تخدم الترجمة فهما وتعبيرا. وهي مكون من مكوناتها الأساسية. وأن على المترجم أن يسيطر على المناهج النظرية المختلفة في الترجمة لأن فهم نظريات الترجمة إلى جانب التطبيق العملي من شأنه أن يسند اختيار المترجم ويبرر تصرفه بأسس علمية وليس اعتباطا أو مزاجا. إن يتقن المترجم فن استشارة المعينات على الترجمة من معاجم عامة ومتخصصة وموسوعات وأطالس بطريقة تحافظ على مقرؤية النص المترجم واتساق مكوناته الدلالية والأسلوبية. وأن لا يتبرم المترجم من النقد والتعديل. فالنص المترجم نص مفتوح حقيقة ومجازا. ولو أتيح لأي مترجم أن يرجع إلى ترجمة نشرها لعدل وبدل، وغير وحول. وأخيرا على المترجم أن لا يتحرج من الاستفسار والسؤال عما يجهل وعمل لم تظمئن إليه نفسه. وفوق كل ذي علم عليم.