مرة اخرى يداهم اللغز المكان ... وكأن بيروت قد عادت لدائرة الأحجية واللغز ... ولمطاردة المجهول الذي ينقل الموت والتفجير ... هكذا اضحى المشهد العام في بيروت حيث الترقب لما يمكن ان تحمله الساعات القادمة من خبر للمفخخة هنا او تفجير سيارة سياسي او صحافي جريء ... وهكذا تعلن بيروت اليوم انها على موعد دائم مع القلق والإنتظار ... ما بعد سمير قصير وما قبل رفيق الحريري كان الإنتظار سيد الموقف اما اليوم وعند تفجير القائد النضالي الكفاحي من الطراز الأول جورج حاوي سقطت كل الممنوعات وأُسقطت كل المحذورات فقد تكشفت الحقيقة على مصراعيها لم يعد المُستهدف ذاك المعارض او هذا الموالي لبرامج الداخل السياسي وسجالاته .. بل ان استهداف الحاوي لينذر بأن المُستهدف هنا لبنان بكل ما يرمز اليه هذا القائد الوطني الشيوعي العروبي الجامع الفاعل في الشأن اللبناني وسفير الفعل المقاوم والثائر على التبعية والتخلف والوصاية والقابض على مبدئية العروبة والراعي لتراث الكفاح الفلسطيني غير المتنكر له والناقد بعنف لكل اشكال التدخل الغربي الإمريكي في الشأن العربي الداخلي والمتمرد على انظمة الحكم الفاسد من المحيط الى الخليج الذي لم يخشى يوما اجهزة العسس وخفافيش الليل ... هكذا عرفنا القائد الشهيد جورج حاوي واطللننا على بيروت من خلاله ومن خلال تراثه الذي رافقنا بالكلمة الحرة الأمينة المعبرة عن الطلقة النضالية الشجاعة التي لم تستكين في وجه العدوان والظلم والقهر. هكذا عرفنا بيروت من خلال الحاوي الذي ذهب ضحية الموقف والمبدأ كما ذهب الكمال سيد المختارة ايام كان للموقف ثمن وايام كان للكلمة صدى ... كانت لنا محطات مع بيروت من خلال الحاوي ونحن قابعين في معتقلات القتل حيث كنا نترقب الخبر القادم من هناك من ساحة الفعل النضالي الثائر الحر حينما حوصرت بيروت وأُسقطت في قبضة شارون حينها عرفنا ان لبيروت رجالا اوفياء لابد انهم قادمون وكان ان اطلق جورج رصاصة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بكل الأرجاء اللبنانية حينها عرفنا ان لبيروت حماتها وان لعروبية لبنان رجال أمنوا بفعلهم وبفعل شعوبهم وحينها ادركنا ان فلسطيننا بالف خير ... ان قتل الرفيق جورج حاوي لينذر بان كل المحذورات قد سقطت فمن له المصلحة في قتل الحاوي غير المتأمرين على لبنان وعروبته ودوره الطليعي في خدمة الفعل الديمقراطي المبني على اساس الحرية الفعلية واخلاء الساحة من امثال حاوي وسمير قصير ليعلم كل العلم بأن هذا التغيب من شأنه ان يخدم بالأساس اعداء الحرية والديمقراطية واستقلال الشعوب وزج البلاد والعباد في اتون التبعيات والوصايات ... فاذا كان جورج حاوي معارضا وبشدة لأنظمة الحكم الفاسد ولتدخلات اجهزة الأمن والمخابرات في الشأن السياسي وسجالاته فأنه بذات الوقت كان معارضا ومقاتلا وبإمتياز ضد التدخل الأجنبي والهيمنة الغربية على الواقع اللبناني ومن ثم العربي من خلال حجج التدخل الديمقراطي ونشر الديمقراطية والإصلاحات في انظمة الحكم في المنطقة ... لاشك ان للقاتل اجندته الذي يعمل عليها منذ محاولة اغتيال مروان حمادة وقتل الحريري وباسل فليحان والتي تهدف فيما تهدف اليه هو اقحام البلاد في اتون الفوضى وسيطرة التدهور الأمني على المشهد العام في لبنان ... الا ان استمرار مسلسل الإغتيالات منذ تفجير سمير قصير والحاوي انما لينذر ان مثل هذه الأجندة قد توسعت لتشمل لا الحالة الفوضوية فحسب بل لربما ايضا اغراق لبنان في بحر التناقضات الدامية مجددا وليس بالضرورة على الأساس الطائفي الذي لا استبعد منطلقاته ونتائجه وانما على اساس الفرز السياسي المُستحدث في لبنان والمنطقة ... هذا الفرز الذي بدأت فصوله بالإتضاح منذ هيمنة المشروع الإمريكي الإسرائيلي على المنطقة برمتها والا كيف يمكننا تفسير عمليات القتل والتفجير في لبنان لمن يشكلون اليوم رموزا حقيقة لمقاومة مشاريع الهيمنة والإبتلاع للمنطقة وبذات الوقت مناضلين ومكافحين بوجه الديكتاتوريات القمعية العربية والتواقين لحريات الشعوب وديمقراطيتها وفعلها. ان اغتيال جورج حاوي لهو مؤشر على حقيقة الواقع التي تعيشه المنطقة برمتها هذه الأيام واذا ما جاز التعبير فهو ضرب لكل الأصوات الصامدة في وجه التدخل والقمع الإمريكي الإسرائيلي المتحالف وانظمة الحكم والفساد الأمنية المخابراتية الهادفة لإبقاء المنطقة محكومة من خلال غرف العسس الأمني المُتلقي اوامره من غرف السي اي ايه والموساد بشكل او بأخر ... هكذا وهكذا فقط افهم مسلسل الإغتيالات بشكل عام في لبنان وهكذا فقط افهم عملية اغتيال جورج حاوي. المصدر"القدس"