يمر الجنوب بمرحلة حساسة تتطلب وضوحًا في الرؤية ووحدة في الموقف. وفي ظل كثرة التحديات والتجاذبات، تبرز الحاجة إلى لجنة استشارية سياسية جنوبية مستقلة، تضم خبراء وكفاءات من مختلف المجالات، لتضع الأولويات، وتوجه البوصلة، وتقدم النصح للقيادة بما يخدم مصلحة الجنوب وشعبه. السؤال.. لماذا هذه اللجنة؟ الجنوب بحاجة إلى عقل سياسي جمعي يقرأ الواقع بموضوعية بعيدًا عن الاستعجال في المواقف.
لأن قضيتنا الجنوبية العادلة تحتاج خطابًا متزنًا يراعي ثوابت الدين الإسلامي والشريعة، ويحافظ على وحدة الصف، ويعزز مشروع التصالح والتسامح.
لأن مصالحنا مع الجيران، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات ودول الخليج ومصر، تحتاج إلى إدارة متوازنة تحافظ على الاحترام المتبادل وتفهم كيف توازن بين الجميع في هذه البقعة الجفرافية من الخليج والبحر الأحمر.
لأن العالم يتابعنا، ويجب أن يكون للجنوب رأي مسؤول في القضايا الدولية، وعلى رأسها قضية فلسطين التي هي قضية إيمانية وإنسانية عادلة وأي مواقف جنوبية سلبية تؤثر على المزاج الجنوبي والشارع الشعبي الذي يناصر قضية فلسطين وكان على ذلك العهد حتى في ظل دولة الجنوب السابقة، التي كانت لها مواقف مشرّفة مع فلسطين، رغم أن نظامها كان نظام ذات توجه شرقي اشتراكي والدين آخر سلمها لكنهم كانوا يتصفون بالنخوة العربية القومية.
ما الذي ستقدمه اللجنة؟ 1 - تحديد الأولويات السياسية لكل مرحلة بوضوح. 2 - تقديم استشارات مهنية للقيادة الجنوبية بعيدًا عن الضغوط والإملاءات. 3 - تعزيز علاقتنا بدول الجوار والدول الكبرى بشكل يخدم مصالحنا الوطنية. 4 - وضع رؤية واضحة للتعامل مع اليمن (((الشمال))) خلال المرحلة الراهنة والمستقبلية. 5 - إشراك خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال لمعالجة قضايا المعيشة والتنمية. 6 - تعقد اجتماعات دورية (شهرية أو فصلية) وتصدر أوراق استشارية ومقترحات مكتوبة للقيادة للاستفادة منها. 7 - تضم شخصيات سياسية وقانونية ودبلوماسية واقتصادية مشهود لها بالكفاءة والاتزان. 8 - تبني عملها على قراءة دقيقة للواقع، لا على الآمال الشخصية أو ردود الفعل اللحظية.
رسالتنا للقيادة الجنوبية نتمنى من قيادتنا الجنوبية، وفي مقدمتهم الأخ اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وزملاؤه في مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي، تبني هذا المقترح، فوجود لجنة استشارية سياسية مهنية سيجعل القرار الجنوبي أكثر حكمة، ويمنح مشروعنا الوطني احترامًا داخليًا وخارجيًا ونخرج من دوامة ما نشاهده من تناقضات في الخطاب السياسي ونواقص منذ انطلاق الحراك الجنوبي وتأسيس المجلس الانتقالي وظل الكثير يتهرب من موضوع التقييم والعمل الاستشاري المهني.
كلمة أخيرة وخلاصة إن تأسيس هذه اللجنة ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية فالجنوب بحاجة إلى رؤية واضحة تجعل المواطن يثق بأن القرارات مبنية على دراسات ومعطيات واقعية.
لقد بات الشارع الجنوبي يعيش حالة قلق من كثرة التناقضات والمشاهد المتغيرة في المشهد السياسي اليمني والجنوبي فيوم ترتفع فيه الآمال بقرب قيام دولة الجنوب ويسارع إخواننا بعض العرب ممن يكتبون لقضيتنا لأشعارنا أن الدولة قاب قوسين أو ادنى لإعلانها ثم يتضح بعد ذلك ضجرهم من ذلك التشخيص ويغيرون رأيهم.
ويوم يعود الخطاب للحديث عن "تحرير صنعاء" كشرط لأي حل، ولا وجود أمال لحسم المعركة لأن الشمال مقتنع بوضعه ولن يحرره العالم الدولي.
ويوم نسمع عن توافق بين شركاء السلطة، ويوم آخر نرى الصراع يتفجر من جديد بينهم. ساعة يتعشون مع بعض وساعة يشن بعضهم على بعض التصريحات التي توحي بانفجار المعركة.
يوم يظهر الأشقاء في الخليج مرتاحين من الجنوب، ويوم آخر يبدو عليهم الانزعاج من بعض السياسات أو السلوكيات.
إن الشعب قد تعب من هذا الواقع المتقلب، والنخب الجنوبية الواعية أُرهقت هي الأخرى.
من هنا، فإن تأسيس غرفة استشارية جنوبية يمثل خطوة ضرورية لحفظ الثوابت، وتحديد الأولويات، وتوجيه المسيرة الوطنية نحو المستقبل بثبات وحكمة.