حضرموت، أرض التاريخ والحضارة والهوية الضاربة بجذورها في عمق الزمن، لم تكن يومًا هامشًا أو تابعًا، بل منارة علم وثقافة واستقلال شكلت ركيزة أساسية في تاريخ الجنوب العربي. هذه الأرض التي أنجبت القادة والعلماء والتجار، تواجه اليوم هجمة شرسة تقودها قوى الإخوان وتمردات حلف التبعية، في محاولة لطمس ماضيها المجيد وإخضاع حاضرها لمشاريع دخيلة لا تمت لأهلها ولا لتاريخها بصلة. تسعى هذه القوى لإعادة حضرموت إلى مربع التهميش عبر أدوات متعددة تبدأ بالتحريض السياسي ولا تنتهي بصناعة الفوضى وإثارة الفتن القبلية والمناطقية، مستندة إلى دعم إعلامي وتمويل خارجي من مراكز نفوذ إخوانية تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي الحضرمي وبناء ولاءات تخدم مشاريع التبعية لا مشروع حضرموت الحر.
تمردات حلف التبعية ليست سوى امتداد لمخطط أوسع يراد به إبقاء حضرموت رهينة القرار القادم من خارجها، قرار لا يرى في الإنسان الحضرمي سوى أداة، ولا في الأرض الحضرمية سوى مورد للنهب والتوظيف السياسي. هذه التمردات تخوض معارك عبثية ضد القوات الجنوبية التي تمثل اليوم الحائط الصلب في وجه الإرهاب ومشاريع الفوضى، وتسعى لفرض أجندات تتناقض مع إرادة أبناء حضرموت الذين يطالبون بحقهم في إدارة أرضهم بأنفسهم وتحت راية الجنوب الحر.
لكن أبناء حضرموت كانوا وسيظلون الرقم الصعب في معادلة الجنوب. لا تُكسر إرادتهم ولا يُزوّر وعيهم، فهم يدركون أن الحفاظ على حضرموت هو حفاظ على هوية الجنوب، وأن الدفاع عن ساحلهم وواديهم ليس خيارًا سياسيًا بل واجب وطني وتاريخي.
في هذا المشهد المضطرب، يواصل الحضارم نضالهم بثبات ووعي ضد كل محاولات الوصاية والسيطرة، مؤمنين بأن زمن الإملاءات قد ولى، وأن صوت حضرموت الحرة لا يمكن مصادرته، وهويتها لا يمكن طمسها أو تزويرها. فهم أبناء أرضٍ شيّدت الموانئ، وربطت الشرق بالغرب، ونشرت العلم والتجارة والإسلام، واليوم يعيدون كتابة دورهم الريادي بوعي جديد ومشروع وطني متجدد.
تحتاج حضرموت اليوم إلى اصطفاف واسع حول مشروعها التحرري ضمن الجنوب الجديد المتحرر من قوى النفوذ القديمة ومن الأفكار المريضة التي كبّلت القرار لعقود. تمكين أبنائها في مؤسساتهم الأمنية والاقتصادية والتعليمية ضرورة لا خيار، فحضرموت لا تُدار إلا بإرادتها، ولا تعود إلا لأهلها.
إن معركة حضرموت ليست معركة سلاح فحسب، بل معركة وعي وكرامة وتاريخ وهوية، لن تُحسم إلا حين يتوحد صوت أبنائها خلف راية واحدة وموقف شجاع يرفض الهيمنة والتفتيت. فحضرموت كانت وستبقى قلب الجنوب النابض وسنده التاريخي، عصية على الانكسار، صامدة أمام كل رياح التآمر القادمة من الخارج.