تصريحات نائب وزير الخارجية في ما تُسمّى الشرعية اليمنية، مصطفى أحمد نعمان، ليست زلة لسان ولا اجتهادًا سياسيًا معزولًا، بل تعبير فج وصريح عن حقيقة راسخة طالما حاولت القوى اليمنية إخفاءها أو تجميلها، وهي أن العداء الحقيقي ليس للحوثي، بل للجنوب العربي وقضيته العادلة. ما قاله نعمان علنًا يعكس استعدادًا نفسيًا وسياسيًا عميقًا لدى معظم النخب اليمنية للتحالف مع أي طرف، حتى لو كان الحوثي، بل وحتى "الشيطان" نفسه، طالما أن الهدف هو كسر إرادة الجنوب ومنع شعبه من استعادة دولته. هذا السلوك لم يعد محل شك، بل أصبح سياسة معلنة، تتكرر بأشكال مختلفة منذ حرب 1994 وحتى اليوم.
لقد قامت ما تُسمّى الشرعية على أساس مواجهة الحوثي بدعم التحالف العربي، لكنها عمليًا لم تخض حربًا حقيقية ضده، بل حوّلت المليارات من أموال الدعم والإسناد إلى باب واسع للإثراء الشخصي، والإقامات الفندقية، وشبكات الفساد، فيما تُركت الجبهات خاوية، والحوثي يتمدد، ويتسلّم السلاح، ويعزز نفوذه.
الأخطر من ذلك أن الوقائع الميدانية تؤكد أن جزءًا كبيرًا من أسلحة التحالف العربي لم يُستخدم في مواجهة الحوثي، بل جرى تسليمه أو التفريط به، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح المليشيا، في واحدة من أكبر عمليات الخيانة السياسية والعسكرية في تاريخ المنطقة.
في المقابل، كان الجنوب العربي هو الطرف الوحيد الذي قاتل بصدق، وحرر أرضه بدماء أبنائه، وفتح عاصمته عدن كمنطلق لمعركة مواجهة الحوثي، قبل أن تتحول هذه المدينة إلى ساحة مستهدفة من قِبل نفس القوى التي تتباكى اليوم على "الوحدة" و"الدولة".
إن تصريح مصطفى نعمان لا يفضحه وحده، بل يعرّي منظومة كاملة، ويؤكد أن المشكلة ليست في أشخاص، بل في عقل سياسي يمني يرى في الجنوب عدوًا أول، وفي الحوثي خصمًا يمكن التفاهم معه متى ما اقتضت المصلحة.
وهنا، يصبح من حق الجنوبيين، بل من واجبهم، أن يدركوا أن معركتهم لم تكن يومًا مع مشروع سياسي عابر، بل مع بنية عدائية متجذرة، لا تتورع عن التحالف مع الخراب، طالما أن الجنوب ليس هو المنتصر.