قراءة جيوسياسية غربية تكشف تحوّل الصراع: الجنوب لاعب إقليمي في مواجهة مشروع الحوثي    اصابة 4 مهاجرين افارقة اليوم بنيران العدو السعودي في صعدة    في ادانات رسمية وحزبية وعلمائية وقبلية وأكاديمية.. اليمن يتصدر المشهد الغاضب والمندد بالإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    وكيل أول العاصمة عدن محمد نصر شاذلي يعلن التأييد الكامل للمجلس الانتقالي الجنوبي وتفويض الرئيس الزبيدي (بيان)    تقرير روسي: "إسرائيل" وراء تحركات الانتقالي للسيطرة على البحر الأحمر    برشلونة يحقق فوزًا ثمينًا خارج أرضه على فياريال في الدوري الإسباني    اتحاد حضرموت يتصدر تجمع سيئون بعد تغلبه على 22 مايو في دوري الدرجة الثانية    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات موظفي القطاعين المدني والعسكري    الفلكي يمني : موجة صقيع تؤثر على اليمن خلال الأيام القادمة    تدشين البطولة المفتوحة للرماية للسيدات والناشئات بصنعاء    محافظ الحديدة يفتتح 19 مشروع مياه في مركز المحافظة ب 81.2 مليون ريال    السقطري يترأس اجتماعًا موسعًا لقيادات وزارة الزراعة والثروة السمكية ويشيد بدور القوات الجنوبية في تأمين المنافذ ومكافحة التهريب والإرهاب    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزي في وفاة التربوي القدير الأستاذ غازي عباس عبود    الكثيري يعقد اجتماعا مع قيادات مكتبي المبعوث الأممي في كل من العاصمة الأردنية عمّان والعاصمة عدن    ضبط متهمين في جريمتي تفجير قنبلة وقتل في عمليتين منفصلتين بماوية (اسماء)    محافظ عدن يوقّع اتفاقية بناء الدور الرابع بكلية طب الأسنان – جامعة عدن    البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة ويعيد التعامل مع أخرى    حصار جوي خانق.. اليمن يفقد 96% من حركته الجوية بفعل العدوان    أنابيب آبار تتحول إلى "صواريخ" في الضالع.. ونقطة أمنية تحجز عشرات الشاحنات    صنعاء تشيّع الصحفي عبدالقوي الأميري في موكب رسمي وشعبي    إنتاج قياسي وتاريخي لحقل "بوهاي" النفطي الصيني في عام 2025    المهرة.. مقتل امرأة وطفلين في انفجار قنبلة يدوية داخل منزل    تقرير أممي: ثلث الأسر اليمنية تعيش حرمانًا غذائيًا حادًا    مع ضغط النزوح من حضرموت.. دعوات رسمية إلى سرعة الاستجابة لاحتياجات النازحين بمأرب    اللجنة الوطنية للمرأة بصنعاء تكرّم باحثات "سيرة الزهراء" وتُدين الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    مأرب.. العرادة يجتمع بالحوثيين والقاعدة لإشعال الفوضى في شبوة وحضرموت    سياسي عُماني يرد على الراشد: الجنوب العربي ليس "عش انفصاليين" بل إرادة شعب ودولة مؤجلة    هيئة مستشفى ذمار تدشن مخيما مجانيا لعلاج أمراض العمود الفقري الأربعاء المقبل    هالاند يحطم رقم كرستيانو رونالدو    اليوم انطلاق كأس أمم أفريقيا    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    شرطة أمانة العاصمة تعلن ضبط 5 متهمين آخرين في حادثة قتل رجل وزوجته بشارع خولان    بمقطع فيديو مسرب له ولشقيقاته.. عبدالكريم الشيباني ووزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في ورطة..!    وفاة الصحفي الاميري بعد معاناة طويلة مع المرض    تحذيرات جوية من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    الحديدة: انطلاق مشروع المساعدات النقدية لأكثر من 60 ألف أسرة محتاجة    الجرح الذي يضيء    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    معلومات حول الجلطات في الشتاء وطرق الوقاية    عاجل: إعلان أمريكي مرتقب يضع الإخوان المسلمين على حافة التصنيف الإرهابي    البنجاك سيلات يستعرض الصعوبات التي تواجه الاتحاد    خبير في الطقس: برد شديد رطب وأمطار متفرقة على عدد من المحافظات    ميرسك تعبر البحر الأحمر لأول مرة منذ عامين وتدرس عودة تدريجية    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    "المحرّمي" يُعزِّي في وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    الأوبئة تتفشى في غزة مع منع دخول الأدوية والشتاء القارس    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    بين الاعتزاز والانسلاخ: نداءُ الهوية في زمن التيه    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    صباح المسيح الدجال:    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الأولى: الدين والسياسة
نشر في شبوه برس يوم 28 - 02 - 2014

لعل الدرس الأول الذي نرى استخلاصه أمرا طبيعيا، الآن وقد مرت سنوات ثلاث كاملة على حركة الانتفاض التي عرفها الشارع العربي في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، والمغرب (على نحو مختلف مثلما عرف بدايات فعل في مناطق أخرى من العالم العربي) هو أن الدين، في صلته بالسياسة، لم يعد يطرح في صورة قضية من بين قضايا أخرى يستدعي الوجود العربي المعاصر التفكير فيها، بل إنها - في واقع الحال - تمثل في الوعي العربي الإسلامي المعاصر بحسبانها القضية الأساس.
والقول إنها القضية الأساس قول يعني أنها تكتسب صفة القضية التي تجعل قضايا أخرى، ليست بالضرورة أقل أهمية، تدور في فلكها.
وأحسب أن الجنادرية في لقائها الأخير قد سارت في هذا الاتجاه وإن لم تكن تريد ذلك بالضرورة.
فما القضية أولا وما الوجه الإشكالي فيها ثانيا؟
في خطاب حركات «الإسلام السياسي» على تباينها فكرة محورية تقضي بأن الإسلام دين ودولة وأنه لا مجال في الدين الإسلامي للفصل بين الدين والسياسة فهما متضامنان متداخلان.
ووجه الاحتجاج هو أن الإسلام ليس دينا روحيا محضا كل همه الانشغال بالحياة الباطنية للمنتسبين إليه بل إن مجالات الفعل فيه تمتد لتشمل تدبير الشأن العام للمسلمين وتنظيم العلاقات بين الأفراد داخل المدينة الإسلامية، مثلما ينشغل بتقدير وتعيين طبيعة العلاقة الواجب إقامتها بين الجماعة الإسلامية وغيرها.
والحجة الأعظم التي يلتجئ إليها هي القول بأن الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم لم يكن نبيا مرسلا مكلفا بتبليغ رسالة روحية وكفى بل إنه كان أيضا رئيسا للدولة التي أسسها في المدينة، وهذا من جهة أولى.
وأما من جهة ثانية فإن الاحتجاج عند من يصنفون في دائرة «الإسلام السياسي» يأتي أيضا من اعتبار حكم الخلفاء الراشدين الأربعة قد كان حكم استمرار للحكومة النبوية وإنما الخليفة قد سمي خليفة لأنه ينوب عن الرسول عليه السلام في حفظ الإسلام من حيث إنه دين ودولة - وبالتالي فإن الخليفة (أو الإمام، نسبة إلى الإمامة العظمى كما يقول المتكلمون) يقوم بتحقيق استمرار الوظيفة النبوية التي تقوم في الجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية.
وعن هذا التقرير يصير زعماء «الإسلام السياسي» إلى استخلاص نتيجة مفادها أن إحقاق دولة الإسلام على الحقيقة ليس يمكن إلا بالعمل على إرجاع الأمور إلى نصابها وتقويم ما اعوج منها بالانحراف عن جادة الصواب وذلك بالدعوة إلى إقامة «دولة الخلافة الثانية» (نسبة إلى الخلافة الأولى، تلك التي تحققت بالفعل في حكم الخلفاء الراشدين الأربعة).
إذا كان من المعلوم أن هذه الفكرة التي حاولنا تلخيصها في أكبر قدر ممكن من الوضوح وفي اجتناب لإثارة عدد هائل من القضايا الكلامية التي تمتلئ بها كتب أصول الدين (ما القول في خلافة الخلفاء الأربعة حسب الترتيب الذي وردت فيه، ما القول في خلافة عثمان رضي الله عنه في الفترة الأخيرة من حكمه القصير، وما القول في الفتنة الكبرى...) فكرة واسعة الانتشار في صفوف زمر هائلة من أنصار «الإسلام السياسي»، فإن الأساسي يظل غائبا محتجبا لأسباب تتصل بالسياسة في الجانب القليل منها وترجع لعوامل سيكولوجية تجعل الأنصار أمام استيهام واستدعاء فكرة «دولة الخلافة».
ما يحدث بالفعل هو حصول خلط شديد في الأذهان بين ما كان من الأمور ذات اعتبارات دينية محضة (حفظ الدين على أصوله المستقرة، تمكين المسلمين من العبادة الصحيحة ومن أسبابها، رعاية من كان من غير أهل الملة وهو موجود في محيط الجماعة المسلمة...) وما كان من الأمور يرجع إلى التدبير وتصريف شؤون الحياة العامة في المدينة الإسلامية.
وهذه الأمور جميعها هي مما تقرر الشأن فيه عند رسولنا صلى الله عليه وسلم مما كان الفصل فيه واضحا بين ما كان من الأمور يتعلق بالدين (وهي ثابتة من جهة أولى، مطلقة من جهة المبادئ والكليات وتستدعي الاجتهاد من جهة الجزئيات مما لم يكن فيه تعارض صارخ مع نصوص قطعية الدلالة مع العلم أن هذه النصوص محدودة معلومة وهذا من جهة ثانية) وبين ما كان من شؤون العباد يتعلق بشؤون الدنيا وهذه أمور متبدلة بطبيعتها، تتغير بتغير العصور والأزمنة، وتتحول بتحول أنماط الوجود (فهي تخضع للتاريخ من جانب أول، وهي التجسيد الفعلي لصفة النسبية وغياب الإطلاق من جانب ثان).
نعم، يقرر الإسلام، من جهتي المبدأ والاعتقاد معا، إشرافا كليا للدين على الدنيا غير أن الشأن في التدبير (وفي لغتنا المعاصرة نقول: الإدارة والتسيير والتنظيم وتقسيم العمل، وبالتالي ما كان راجعا إلى الدولة وإلى التنظيم السياسي) يرجع إلى البشر والبشرية وبالتالي إلى السياسة والتاريخ.
تلك حقيقة أولية (كما يقول الفلاسفة) تم تقريرها عند فقهاء الإسلام من الذين اهتموا بقضايا السياسة والتشريع، وأمور أفاض القول فيها كل الذين أدركوا المغزى البعيد في القول المأثور حيثما كانت المصلحة فثم أمر الله.
كذلك سار الحال في الفكر السياسي في الإسلام في المرحلة المرجعية الأولى التي نتواضع على تسميتها بالعصر الذهبي، وكذلك كان الشأن في عصر النهضة.
في المرحلة المرجعية الأولى، ومن ممثليها نذكر أبا الحسن الماوردي الشافعي ومعاصره الحنبلي أبا يعلى الفراء، كل في كتابه الذي يحمل عنوان «الأحكام السلطانية».
في الكتابين معا لا نجد ذكرا للإمامة ومباحثها وأحكامها فقط، ولكننا نجد تشريعات مستفيضة لأحكام الوزارة، سواء كانت وزارة لها صلاحيات عريضة ومجال فعل يقارب مجال السلطة العليا أو كانت وزارة «تنفيذ» لها مجال معلوم محدد كما نجد أحكاما «سلطانية» (نسبة إلى السلطان الذي يعني في مصطلحنا اليوم السلطة)، وأحكاما تتعلق بالقضاء والمظالم وبالولايات المختلفة وباباً مستفيضاً يخص الحسبة وأحكامها أو ما يمكن القول فيه إنه إدارة شؤون المدينة الإسلامية.
أما فيما نصفه بالمرحلة المرجعية الثانية (= عصر النهضة) فقد كان الغالب فيها هو الأخذ بمبدأ المصلحة الذي يقضي بالاستفادة مما كان به تقدم الأمم التي قطعت في «التمدن» - كما كان يقال في تلك المرحلة - أشواطا بعيدة مما لا يتسع القول فيه.
ما أود أن أخلص إليه هو أن الإسلام، دينا وفكرا، يقوم في أساسه على التمييز والفصل بين ما كان متصلا بالدين مما لا يكون الاجتهاد فيه فهو من القطعيات، وما كان يتعلق بالدين مما يستدعي بطبيعته الاجتهاد والتنقيب طلبا للمصلحة، وما كان، أخيرا، راجعا إلى الأمور الدنيوية وعماده التوافق والتراضي والاستفادة من التاريخ ومن تجارب الأمم.
* سعيد بنسعيد العلوي
المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.