في الأزمة اليمنية الأخيرة مع الحوثيين ، الذين اتخذوا لحركتهم اسم (أنصار الله ) ، لوحظ أنهم ، يستخدمون تكتيكاً في التصعيد نقله لهم ( حزب الله ) اللبناني مستنداً على تجربته في خلق الأزمات اللبنانية المتكررة ونجاحه فرض أجندات معينة على نظام الحكم اللبناني .. أبتداءً من تبني مطالب شعبية وانتهاء بمراحل تصعيدية عبر الاعتصامات والتجمعات وتجميع الأسلحة في مواقع قريبة من جماعاته . بالإضافة إلى تكوين تحالفات مع أطراف تكون بعيدة عن توجهاته السياسية . وأبرزها انضمام قبائل وجماعات موالية لحزب المؤتمر الشعبي العام ، الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، إلى المسلحين المعتصمين في صنعاء وعلى مداخلها . إلا أن بعض التحليلات السياسية في اليمن ، وهي كثيرة وتكون أحياناً متناقضة ، أشارت إلى أنه ما كان للحوثيين أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من انتشار وتوسع لو لم يغض الرئيس عبد ربه منصور هادي النظر عن توسعهم مستشهدين بالمواجهة الإعلامية المتواضعة التي قابل الرئيس اليمني بها الاشتباكات بين الحوثيين والسلفيين في منطقة ( دماج) حتى وقوع مدينة ( عمران ) الإستراتيجية في يدهم والسقوط المأساوي للواء (310) وقائده العميد حميد القشيبي ، المعروف بقربه من اللواء علي محسن والتجمع اليمني للإصلاح ( الإخوان المسلمون ) . ويقولون إن سبب (تهاون) الرئيس هادي تجاه الحوثيين هو رغبته استخدامهم لتغيير خارطة التوازنات لإضعاف التجمع اليمني للإصلاح بشقيه القبلي ( أولاد الشيخ الأحمر) والعسكري ( اللواء علي محسن ) مما سيؤدي إلى تقوية مركز الرئيس هادي السياسي ، لأنه يطمح في استمرار نفوذه حتى بعد المرحلة الانتقالية الحالية . ولوحظ خلال صلاة عيد الفطر الأخير التقاء الرئيس هادي ، لأول مره منذ ثورة (2011) ، بالرئيس السابق علي عبد الله صالح والمستشار العسكري للرئيس الحالي علي محسن . ومن المسلم به أن الضربة الموجعة التي تلقاها اللواء علي محسن في عمران وانهيار سيطرة أولاد الأحمر في مناطقهم القبلية ، أضعفت الإخوان المسلمين بشكل كبير ، ولكنها أدت إلى تحسين فرص الرئيس السابق علي عبد الله صالح باعتباره لازال يشكل فصيلاً سياسياً وعسكرياً قوياً وهاماً . ما الذي يريده الحوثيون ؟ .. البعض يعتقد أنهم يريدون بسط نفوذهم في شمال غرب البلاد ليكونوا القوة المسيطرة على الإقليم الشمالي الغربي في صيغة الأقاليم الستة المطروحة للدولة الإتحادية المزمع إقامتها في اليمن . وهذا الإقليم ، متى ما قام حسب التوقعات الحالية ، سوف يتمتع بميناء على البحر الأحمر ، وحدود واسعة مع المملكة العربية السعودية ، والتمركز قريباً من العاصمة صنعاء ، فضلاً عن مؤشرات لاكتشافات نفطية في الجوف .. إلا أن المتحدث باسم الحوثيين ( جماعة أنصار الله ) في الحوار الوطني علي البخيتي قال تعليقاً على هذه التوقعات : « إن حضورنا أوسع بكثير من المحافظات الأربع « في شمال غرب اليمن . هناك ارتباط قوي للحوثيين مع (حزب الله ) اللبناني وبالتالي إيران ، وما يفكر فيه الحوثيون فإن الإيرانيين لن يكونوا بعيدين عنه . كما يتولى ( حزب الله ) حماية علي سالم البيض ، آخر رئيس لليمن الجنوبي ، وذلك في مسكنه بالضاحية الجنوبية في بيروت ، عندما يتواجد فيها ، وينسق البيض نشاطه في جنوب اليمن مع هذا الحزب وإيران التي تكررت زياراته لها . وهذه الوقائع تثير القلق من احتمال قيام إيران ، أو أحد أجهزتها ، بتحريك الشمال والجنوب في اليمن بحيث تتواصل القلاقل ويصعب الوصول إلى حل سياسي للوضع القائم . كما أنه يجعل احتمال قيام حرب سابعة بين الجيش اليمني والحوثيين واردة ، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق معهم للتهدئة وإيقاف التصعيد والتراجع إلى مواقعهم السابقة . وعلى كل حال تبدو الأمور في اليمن مرشحة للتفاعل مجدداً ، فكما أشارت إحدى الكاتبات اليمنيات ، « مرحلة ما بعد سقوط عمران بالتأكيد تختلف كلياً عن مرحلة ما قبل سقوطها «. * المدينة في السعودية