شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم.. رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    وزير الشباب والرياضة يبحث مع المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) تعزيز العلاقة بين الجانبين    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    الرواية الحوثية بشأن وفاة وإصابة 8 مغتربين في حادث انقلاب سيارة من منحدر على طريق صنعاء الحديدة    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    غارسيا يتحدث عن مستقبله    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيد الحضرمي ‘‘فضل بن علوي‘‘ حاكم ظفار الذي حاربته بريطانيا وسلطان عمان
نشر في شبوه برس يوم 28 - 08 - 2013

السيد الحبيب فضل بن علوي مولى الدويلة أمير ظفار.. وأكبر المحرضين ضد وجود بريطانيا في الهند وقد أسقط أو أغفل الدكتور سعيد بن عمر آل العمر السعودي الجنسية ورئيس جامعة الحدود الشمالية حاليا اسم عائلة صاحب السيرة السيد فضل بن علوي مولى الدويلة ربما لنقص المعلومات ولعدم اطلاعه على شجرة أنساب السادة العلويين في حضرموت .
" شبوة برس " يعيد نشر هذه الدراسة ويترك للقراء حرية التعقيب والتعليق عليها .
أنه ليس هناك من دراسة تاريخية مكتملة الشروط والأركان لعوامل كثيرة منها عدم اكتمال مصادر البحث من عدة جهات أو اعتماد الباحث على وثائق أحادية التوجه وفي الأخير تلعب العوامل الثقافية دورا مستترا في إبراز أو إغفال الكثير من الحقائق والمعلومات .
جانب مهم أغفله أو أهمله الباحث وهو علاقة المهرة وحضرموت بالصراع الدائر في ظفار فترة الدراسة نظرا للروابط الجغرافية والاجتماعية والثقافية والدينية من خلال الاربطة الحضرمية والروابط العائلية أكان للسيد فضل بن علوي أو لقبيلة الشنافر التي تعود في جدورها الى عمق وادي حضرموت .
هل المراد من ذلك نفي الصلة السياسية التاريخية والجغرافية بين حضرموت والمهرة - ظفار .
كلها أسئلة يجب طرحها !!
طبعا نحن لا نشكك في دراسة الدكتور آل عمر لسببين الأول لنقص "المعلومات لدينا" والسبب الثاني نطرح مثل هكذا تساؤل لأنه سيطرح علينا من قبل كثير من القراء والمهتمين بالتأريخ من أبناء جنوب الجزيرة العربية !!
وكانت دراسة الدكتور آل عمر تحت عنوان "إمارة السيد فضل بن علوي في ظفار بين الدعم العثماني والرفض العُماني البريطاني"
(1291 1296 ه/ 1874 1879 م)
الدكتور سعيد بن عمر آل عمر
جامعة الملك فيصل المملكة العربية السعودية
ولد فضل بن علوي بن محمد بن سهل سنة 1240 ه/ 1824 م في مليبار بالهند وتعلم فيها([1])، وأصبح له شأن هناك فكان من علماء » الموبلا «، وهم سلالة التجار العرب المتحمسون لدينهم الإسلامي([2]).
ويتصل نسبه بآل البيت، فقد ذيل الزركلي ([3]) اسم ذلك الأمير بالحسيني المليباري المكي، وكانت منطقة حضرموت موطن آبائه وأجداده ([4]).
يعتبر فضل بن علوي عند مسلمي الماليبار بالهند من الأولياء الصالحين يرشدهم ويدافع عن حقوقهم، وكان له نشاط سياسي كبير بين المسلمين ضد الاستعمار البريطاني.
وقد اعتبره البريطانيون من أهم المحرضين على الاضطرابات في الهند سنة 1269 ه/ 1852 م([5]).
وتعتقد السلطات البريطانية في الهند أنه أيضاً وراء مقتل المحقق البريطاني الذي كلف بمهمة التحقيق في تلك الاضطرابات([6]).
ولهذا السبب نفي من الهند وحظرت عليه العودة إليها تحت طائلة الاعتقال.
وأثناء نفيه الإجباري من مسقط رأسه ماليبار، أقام في وطنه الأصلي حضرموت.
لكن لم يطل به المقام هناك، حيث غادرها ليستقر في مكة المكرمة ومن ثم متنقلاً في أراضي الدولة العثمانية التي اكتسب في أرجائها شهرة لتقواه وصلاحه ([7]). وقد زار الآستانة في أيام السلطان العثماني عبد العزيز (1277 1293 ه/ 1860 1876 م)([8]).
وخلال إقامة السيد فضل بن علوي في مكة المكرمة توثقت صلته بأمرائها وعلمائها، مثل الشريف عبد الله بن محمد بن عون أمير مكة المكرمة والعلامة الشيخ أحمد زيني دحلان مفتي الديار المقدسة.
وقد تلقى عدد من طلبة العلم في الحجاز العلم على يديه([9]).
وفي سنة 1270 ه/ 1853 م، وأثناء إقامته في مكة المكرمة، صدر أمر من السلطات العثمانية يمنع السيد فضل من مغادرة أراضيها، وذلك فيما يبدو نزولاً عند رغبة البريطانيين([10]).
إلا أن ذلك لم يثنه عن دوره الإصلاحي وتلمس مشاكل الأقاليم الإسلامية الأخرى من خلال وفود الحجيج.
ففي سنة 1288 ه/ 1871 م زار عددٌ من أهل ظفار وأعيانها مكة المكرمة بقصد الحج والتقوا بالسيد فضل بن علوي وكان قد ذاع صيته واشتهر بالتقوى والصلاح في وقت كانت فيه ظفار تعاني من الاضطرابات القبلية والمشاكل الاجتماعية والتخلف في شتى نواحي الحياة.
ونظراً لشهرة ذلك الرجل ولكونه يرتبط بعلاقة وثيقة بمناطق جنوب الجزيرة العربية لتحدره من أصل حضرمي، فقد رأى أعيان ظفار وفي مقدمتهم زعماء آل كثير أن يعرضوا على السيد فضل حكم ظفار لما فيه من عراقة الأصل والنجابة والعلم والصلاح.
فلم يتردد فضل بن علوي في قبول العرض أملاً في تكوين دولة علوية في جنوب الجزيرة العربية تكون ظفار قاعدتها([11]).
وبعد التفاوض بين أعيان ظفار برئاسة أحد زعماء آل كثير والسيد فضل بن علوي، تم الاتفاق وتوقيع عقد البيعة على السمع والطاعة والحماية في 16 ذي الحجة سنة 1288 ه/ 27 فبراير 1872 م في مكة المكرمة([12]).
ونتساءل هنا عن أسباب تأخر سفر ابن علوي لتسلم مقاليد الحكم بعد أن تمت مبايعته حاكماً على ظفار، حيث لم يتم سفره إلا بعد أكثر من سنتين ونصف على توقيع عقد البيعة.
وللإجابة على هذا السؤال، نعتقد أن هذا يعود إلى تحديد إقامته الجبرية من قبل العثمانيين في الأراضي المقدسة، وكان عليه أن ينتظر حتى يأذنوا له، وقد رغبهم في جنوب الجزيرة العربية وزين لهم حكمه لظفار باسمهم ليحد من النفوذ البريطاني فيها، في الوقت الذي اتفق فيه السيد ابن علوي فيما يبدو مع مبايعيه من ممثلي ظفار على تهيئة الأوضاع في الإقليم لقدومه حتى تصل موافقة السلطات العثمانية.
وفعلاً، غادر مكة إلى ظفار ليدخلها في رمضان سنة 1291 ه/ أكتوبر 1874 م([13]).
وقد استفاد من مكانته الدينية في بناء تاريخ سياسي مجيد له ولأبنائه.
فمنذ وصوله إلى ظفار، بدأ بإيجاد شبكة من العلاقات والترتيبات السياسية والقبلية. وسرعان ما أصبح سيد الموقف دون منازع، متخذاً من مدينة صلالة مقراً لحكمه وعاصمة لملكه.
وقد أعد داراً له وجعل لمقره برجين للحراسة ومرافق عامة للعسكر والضيوف وحظيرة للخيل ونزلاً للسجناء([14])، وعين ابنه قاضياً يفصل في قضايا الأهالي. ويبدو أنه اعتمد في هذه المرحلة الأولى من نشاطه على اعتراف الحكومة العثمانية وتلمس عونها العسكري ودعمها المادي، حيث كان قدومه للمنطقة بناءً على دعوة الأهالي وبعد موافقتهم.
ولم يكن هذا السياسي المحنك والمصلح الدِّينيّ يجهل الروابط التي بدأت تتوثق بشكل كبير بين إقليم ظفار وعمان منذ حملة السيد سعيد بن سلطان على ظفار سنة 1245 ه/ 1829 م([15])، وما تبع ذلك من موالاة بعض رموز أهالي ظفار لسلطان عمان، بالرغم من أن السيد سعيد بن سلطان، سلطان عُمان في حينه، قد سحب قواته من ظفار لظروف سياسية داخلية، حيث واجه حركة حمود بن عزان بن قيس([16])، وأصبح الإقليم كله دون قوة ضاربة يمكن أن تمنع أي طامع سياسي بالاستقلال به، لكن السيد ابن علوي الذي كان يدرك ذلك تماماً كان متقوياً في مواجهة الأزمات بمركزه الديني بين الأهالي وما أشاعه بين الناس من أنه يحكم باسم العثمانيين، وهذا ما زعمه بنفسه عندما كتب للسيد تركي بن سعيد سلطان عُمان رسالة وصف فيها نفسه بأنه »حاكم ظفار باسم الباب العالي«.
وقد جاءت رسالته تلك بنتائج عكسية وحركت عليه سلطان عُمان الذي كان يعتبر منطقة ظفار جزءاً من بلاده.
فبادر بإبلاغ حكومة الهند البريطانية، وقامت هذه الحكومة بمساعدته برفع هذا الأمر إلى الحكومة البريطانية المركزية في لندن، موضحة وجهة نظرها من خطورة وجود عدو للحكومة البريطانية في مثل هذا الموقع، ومن خطورة امتداد النفوذ العثماني بأي شكل من الأشكال إلى أي موقع على الساحل الجنوبي للجزيرة العربية.
لذلك أصدرت الحكومة البريطانية تعليماتها إلى سفيرها بالقسطنطينية بالاحتجاج لدى الحكومة التركية على أعمال فضل بن علوي والمطالبة بشجب تصرفاته.
إلا أن ذلك السفير لم يتلق رداً على اتصاله الذي قام به في سنة 1294 ه/ 1876 م. ولهذا أعاد السفير الكرة مرة أخرى في سنة 1294 ه/ 1877 م([17]).
أما الأمير الظفاري فضل بن علوي، فقد نجح في مد نفوذ إمارته غرباً حتى شمل جزءاً من بلاد المهرة([18])، وكانت قبائل آل كثير تحمي ذلك الأمير وتحرسه وقد اتخذ منهم ومن الأشراف في المنطقة مستشارين له([19]).
وفي الوقت الذي ضمن فيه ولاء نحو 2000 مقاتل من آل كثير، كان لديه أيضاً حوالي 3500 مقاتل من قبيلة القرا الموالية له أيضاً منذ توليه الحكم، مما يدل على سعة سلطانه في ظفار([20]).
وقد انطلقت أفكاره الإصلاحية من خلال منبر المسجد الجامع بصلالة([24])، ولا سيما أن ابن علوي كان خطيباً مفوهاً وعالماً بأمور الشرع وأصول الفقه كما يتضح من خلال مؤلفاته العديدة([25]).
وقد أعطى فكره الإصلاحي بعداً سياسياً من خلال خبراته الواسعة في الهند ومن خلال رحلاته وتنقلاته بين البلدان الإسلامية.
إلا أن ابن علوي لم يوفق في تحقيق أهدافه التي كان ينوي تحقيقها في ظفار، ربما بسبب حماسه الديني وتسرعه في نهجه الإصلاحي.
فقد اصطدمت جهوده وأعماله في ظفار بالتقاليد الموروثة والعادات السائدة في المنطقة، فنفر منه الناس عندما طلب منهم دفع زكاة أموالهم، وخاصة ملاك الماشية والفلاحين، وواجه عمال الزكاة صعوبات في جبايتها، خاصة من سكان الجبال حيث فقد أحد جباة الزكاة حياته أثناء أدائه لواجبه([26]).
وليس هناك من شك بأن السيد ابن علوي قد حاول أن يجعل من مملكته الجديدة دولة نموذجية تدار على أسس حديثه، وكان يحصل رسوماً قدرها 5 % على الواردات والصادرات فيما كانت حكومته تتكون من ستين رجلاً يعمل أكثرهم في جمع الضرائب([27]).
وكان السيد ابن علوي يأمل في زيادة صادرات بلاده، عن طريق استخراج السوائل من أشجار المطاط وأشجار اللبان التي كانت تنمو في البراري في الأرضي الداخلية من ظفار.
ولاستصلاح تلك الثروة، بعث مبعوثاً إلى الهند لكي يستعين بذوي الخبرة في الهند لإحضارهم لمحاولة إنتاج المطاط واللبان في بلاده([28])، حيث كان ولا يزال اللبان بشكل خاص مصدراً مهماً لتجارة ظفار منذ أقدم العصور([29]). كما اتصل بشركة الملاحة الهندية البريطانية، طالباً منها أن تقوم إحدى سفنها بزيارة شهرية إلى صلالة عاصمة بلاده ظفار وعرض عليها ضمان شحن 200 طن من مختلف البضائع من صادرات بلاده بشكل شهري، لكن البريطانيين تجنبوا بعناية أي خطوة قد تمنح أي اعتراف بمركزه ونظامه السياسي في ظفار، إذ أن عمله في الهند لم يكن قد طواه النسيان([30]).
ومع ذلك، فإن تجارة ظفار قد وجدت قبولاً من اليمنيين والعمانيين على السواء، حيث كانت سفن عمانية وأخرى يمنية تمر بظفار لنقل تجارتها إلى الهند وإلى سواحل أفريقيا الشرقية([31]).
ولكن ظروف السيد ابن علوي الاقتصادية والسياسية وحكمه في ظفار لم تكن في المستوى الذي كان يطمح إليه سواء على صعيد الإصلاح الديني أو السياسي.
فمن ناحية، باءت محاولاته مع البريطانيين للحصول على شيء من الاعتراف بحكمه والتعاون الاقتصادي مع نظامه السياسي بالفشل. فعلى الرغم من أنه كان يدرك أن البريطانيين ينظرون إليه بعين غير ودية، فإن ذلك لم يمنعه من الدخول في مفاوضات مع المقيم البريطاني في عدن سنة 1294 ه/ 1877 م، على أمل الحصول على نوع من الاعتراف بحكمه وبنظامه السياسي، لكن دون جدوى ([32]).
ومن ناحية أخرى، أصيب إقليم ظفار بقحط شديد في صيف عام 1295 ه/ 1878 م، حيث فقد السكان أكثر ماشيتهم وارتفعت أسعار الحبوب والمعيشة بشكل عام([33])، وأصبحت هناك بوادر عصيان وثورة حتى من قبل الذين والوا ذلك الأمير وأخلصوا له عند قدومه، مما حَدَا بابن علوي إلى طلب المساعدة والإمدادات من مكة واليمن لكبح جماح الثورة عليه من قبل قبائل القرا بعد أن تمكن بمساعدة بني كثير من اعتقال خمسين منهم، حيث زج بهم رهائن في السجن([34]).
لكن هذه الاعتقالات أفقدته ولاء إحدى أهم القبائل في المنطقة، في الوقت الذي هاجر فيه ثلاثمائة من أهل ظفار إلى مسقط للعمل في خدمة السلطان العماني، حيث لم يستطيعوا تحمل حياة البؤس والفقر في ظل الجفاف الذي ضرب المنطقة([35]).
لذلك أخذ حكمه في الاضطراب والتفكك بسبب الوضع الاقتصادي المتردي والخلافات بين القبائل، حيث عمت الثورة بين الناس بقيادة قبائل القرا وبعض رموز ظفار القيادية وفي مقدمتهم الشيخ عوض بن عبد الله، وأرغموه على الفرار من البلاد في أول سنة 1296 ه/ 1879 م.
وعلى أثر طرد السيد فضل بن علوي من ظفار التي غادرها إلى المكلا في حضرموت ومنها إلى جدة، قام الشيخ عوض بن عبد الله بزيارة مسقط وأغرى سلطانها السيد تركي بن سعيد بأن يمد سلطاته لتشمل إقليم ظفار مرة أخرى([36]).
إلا أن أهل ظفار انقسموا إلى أحزاب ثلاثة: الأول يتزعمه عوض بن عبد الله ويودّ أن يعلن سلطان عمان سيطرته المباشرة على ظفار، والثاني يتزعمه عوده بن عزان ويودّ إعادة السيد فضل إلى كرسي إمارته في ظفار، والفريق الثالث يرغب في الاستقلال.
لكن السيد تركي حسم الأمر وأرسل حملة بحرية يقودها سليمان بن سويلم إلى ظفار سنة 1296 ه/ 1879 م. فأعلن أهل مرباط على الفور خضوعهم لممثل السلطان، وكان أول ما قام به سليمان لاسترضاء الأهالي إعلانه تخفيض نسبة جباية العوائد الجمركية من 5 % إلى 4 % ([37]).
وتوثقت علاقة ظفار بعمان أكثر في هذه المرحلة من تاريخها بعد أن انشغلت السلطات العمانية في مسقط بمشاكلها الداخلية عنها، فترة من الزمن بسبب خلافاتها مع عزان بن قيس([38]). وتوثقت هذه العلاقة بشكل أكبر عندما اتخذت حكومة الهند البريطانية قراراً في نهاية سنة 1296 ه/ 1879 م باعتبار إقليم ظفار ضمن مسؤولية الوكالة السياسية البريطانية في مسقط بدلاً من تبعيتها للوكالة البريطانية في عدن.
وبذلك ألغي النظام القديم الذي كان يقضي بتحويل كل أمور إقليم ظفار إلى المقيمية البريطانية في عدن([39]).
لكن قسوة الوالي العماني سليمان بن سويلم كانت سبباً في ما حدث من خلاف خطير بين هذا الولي العماني المعين على ظفار وبين كبير أنصار السلطان في ظفار الشيخ عوض بن عبد الله.
فقد كان سليمان يشك في أن عوض يعمل لمصلحته الشخصية ويسعى في تكوين نفوذ له في الإقليم معتمداً على قاعدته العريضة بين رجاله مع التشكيك في ولائه للسلطان.
لذلك اختلق الوالي حجة يتذرع بها لإرسال الشيخ عوض إلى مسقط، لكن الشيخ انتقم في مسقط لنفسه، فشكا للسلطان فساد واليه في ظفار، لكنه لم يجن ثمار شكواه لسلطان عمان على الوجه المنشود.
وبعد أن عاد ابن عبد الله إلى ظفار عبر الطريق الصحراوي، أفصح عن سخطه بإعلانه التمرد، ففاجأ قلعة صلالة واستولى عليها، ولم تكن القوة التي للسلطان في ظفار آنذاك تتجاوز الثلاثين رجلاً.
وحين وصلت أنباء التمرد إلى مسقط، غادرتها قوة عسكرية سنة 1298 ه/ 1880 م قوامها 180 رجلٍ يقودهم خميس بن سليمان البوسعيدي وسليمان بن سويلم. وكانت تعليمات السيد تركي لقادته تقضي بالانسحاب من ظفار كلية إذا تبينوا أن غالبية أهلها لا يرغبون في حكم السلطان؛ أما إذا كانت جماعة عوض بن عبد الله فقط هي التي تثير الاضطرابات، فعليهم توجيه ضربة قاصمة إليهم.
وكان السيد تركي بن سعيد يراقب بحذر التقدم التركي في جبهتين: الأولى في اليمن، والأخرى في الأحساء، وخاصة بعدما امتد النفوذ التركي من الأحساء إلى قطر([40]).
وفي الوقت الذي اختلف فيه الشيخ عوض مع السلطان العمانية وواليها في ظفار، اشتعلت ثورة ضده في الإقليم.
فأثناء غيابه عن قلعته، قام جماعة من أعدائه يتزعمهم أحد أنصار فضل بن علوي بمهاجمتها والاستيلاء عليها بعد أن أوقعوا بأنصار الشيخ عوض بعض الخسائر وأعادوا الولي القديم مكانه برضى الأهالي([41]).
فكان هذا دليلاً على أن العصيان في ظفار كان مقتصراً على الشيخ عوض بن عبد الله الشنفري (شيخ قبيلة الشنافر) ورفاقه وأن هناك ولاء للسلطان من قبل بقية سكان المنطقة.
وحين وصلت القوة العمانية إلى بلدة مرباط، هرب الشيخ عوض الشنفري أو »عوض الموت« كما كان يكنى إلى الجبال([42]).
وبدأت مفاوضات قادة الحملة مع الأعيان.
وتلقى الشيخ عوض المتحصن في الجبال وعداً بتأمينه على حياته إذا هو سلم نفسه في مسقط خلال فترة زمنية محددة؛ وعادت بعدها الحملة إلى مسقط، لكن معظم رجالها ظلوا في حامية ظفار للحفاظ على الأمن والاستقرار، فساد الهدوء في ظفار بعد ذلك وأصبحت العوائد تجبى كالمعتاد دون أي متاعب([43]).
ونتساءل هنا عن السبب الذي جعل عوض يثور على السلطان العماني ويقاوم الحاميات العمانية والوالي العماني في ظفار بعد أن كان هو الذي تبنى دعوة السلطان العماني ليمد سلطانه مرة أخرى إلى ظفار.
ولعل الإجابة تكمن في تضارب المصالح الشخصية.
ففي حين كان عوض بن عبد الله يأمل فيما يبدو أن ينصَّب على ظفار بناءً على ما وعده به السلطان العماني تركي بن سعيد إذا هو وقف بحزم وقاد العصيان والثورة في ظفار ضد فضل بن علوي([44])، نجد السلطان تركي بن سعيد لم ينفذ ما وعد به هذا الزعيم القبلي، ربما لعدم ثقته في الشيخ عوض وربما لأن الشيخ عوض ذاته كان غير محبوب أو مقبول من كافة أهالي ظفار، وخاصة محبي ومؤيدي السيد فضل بن علوي الذي أدّى دوراً كبيراً في طرده من ظفار.
لذلك نكث السلطان تركي بوعده وكلف موثوقه سليمان بن سويلم بدلاً منه.
وفي مطلع سنة 1301 ه/ 1883 م، حدث تمرد جديد في ظفار وحوصر واليها سليمان بن سويلم في قلعته.
فأرسلت له قوة مكونة من 70 رجلاً، لكن رفع الحصار قبل وصول هذه القوة ولم تمكث طويلاً في ظفار ورجعت إلى مسقط، على الرغم من تكرر التمرد في الإقليم في السنة نفسها.
ويعود هذا فيما يبدو إلى عدم حنكة الوالي العماني في إدارة الإقليم وقلة خبرته في التعامل مع خلافات القبائل.
وفي سنة 1303 ه/ 1885 م، انفجر تمرد آخر فجأة في ظفار أثناء غياب الوالي سليمان بن سويلم، ووجد نائبه علي بن سليمان ومساعده نفسيهما محاصرين في القلعة ومعهما حامية لا يزيد عدد أفرادها على 40 رجلاً.
ولكن بعد وساطة عشيرة بني عمر، استطاع علي بن سليمان الانسحاب من القلعة والتراجع إلى مرباط دون أن يمسه أحد بسوء، ومنها أبحر إلى مسقط العاصمة لتدبر الأمر مع القيادة العمانية([45]).
كانت هذه الأحداث المحلية تجري في ظفار في الوقت الذي كان فيه السيد فضل بن علوي يحاول استعادة حكمه هناك.
ولكن عندما فشل في محاولاته الذاتية، استعان بشريف مكة الذي نصح الباب العالي بتأييد السيد فضل ومساندته، لأن ضم إقليم ظفار إلى عمان في رأي شريف مكة سيؤدي إلى آثار جانبية سيئة في الجزيرة العربية.
وما أن وصل ابن علوي إلى الاستانة حتى استحوذ على اهتمام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
وبالرغم من اعتراضات وزراء السلطان عبد الحميد ومستشاريه، فإنه قرر تدعيم السيد ابن علوي معنوياً في بادئ الأمر كي يستعيد ظفار، في خطوة كان السلطان العثماني يريد منها فيما يبدو الحد من النفوذ البريطاني إذا ما ضمن ولاء الزعامات المحلية في أطراف الجزيرة العربية، حيث أنعم السلطان على الأمير الظفاري فضل بلقب وزير([46]).
ومن هنا يمكن القول إن الدولة العثمانية قد دخلت وجهاً لوجه في صراع مع البريطانيين على السيطرة والنفوذ في ظفار، وقد رأت بريطانيا في احتضان العثمانيين للسيد فضل بن علوي وكذلك نشاطهم العسكري في اليمن والأحساء خطة هدفها الالتفاف حول جناحي الوجود البريطاني على امتداد السواحل الشرقية والجنوبية للجزيرة العربية ابتداء بالبحرين وانتهاء بعدن.
ولهذا وقف البريطانيون بكل قواهم مع السلطان العماني([47]).
وكان السيد ابن علوي أثناء إقامته في القسطنطينية قد كتب رسالة للسيد تركي بن سعيد في منتصف سنة 1301 ه/ 1883 م تقريباً يشير فيها إلى أن هناك علاقة صداقة قد نشأت بينه وبين الحكومة البريطانية ونصحه بالتخلي عن ظفار.
وتبعت رسالته تلك رسالة أخرى من شريف مكة ينصح فيها السيد تركي بالتخلي عن مطالبته بظفار من أجل السيد فضل بن علوي، لكن السلطان العماني الذي كان يعتمد على مساعدة البريطانيين وتأييدهم له رفض مشورة صاحب مكة وأكد في رده الشريف أن إقليم ظفار كان لأسلافه من سلاطين عمان؛ أما السيد بن علوي، فليست له جذور وراثية في الإقليم([48]).
وفي سنة 1302 ه/ 1884 م تلقت حكومة بومباي من خلال القنصل التركي العام هناك رسالة من السيد بن علوي شكا فيها من أعمال سلطان عمان في ظفار.
ولكن حكومة بومباي لم تعر الأمر اهتماماً، في الوقت الذي لم ييأس فيه السيد ابن علوي من تكرار محاولاته.
ففي سنة 1304 ه/ 1886 م ركز جهوده كلها على استعادة الإقليم، لكن التدخل البريطاني أفسد محاولاته.
فحين عادت إحدى سفن الحجاج من الحجاز وكانت ترفع العلم البريطاني إلى عدن تبين أنه كان على ظهرها محمد بن السيد فضل ومعه 16 رجلاً من أنصاره إلى جانب حوالي مائة جندي من جنود شريف مكة، وكانوا جميعاً يحملون كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.
فصادرت السلطان البريطانية في عدن تلك الأسلحة بناء على قوانين حظر الأسلحة، ونزل محمد الذي كان هدفه بلاشك النزول في ظفار إلى البر([49]).
وبعد ذلك بقليل، تردد أن وكيلاً لمحمد بن فضل هذا قد استطاع أن ينقل إلى صلالة بظفار علماً تركياً ووثيقة ولاية من تركيا على الإقليم مع مبلغ من العملات النقدية التركية وبعض الأسلحة والذخائر وكانت جميعها مخبأة في بيت رجل من الكثيريين الذين عرفوا بولائهم للسيد فضل منذ البيعة الأولى له في مكة المكرمة، لكن لم يتبع ذلك أي نشاط ملموس وانتهت هذه الفترة من الصراع بإنذار موجه من الوالي التركي في البصرة للسيد تركي بن سعيد بشأن ظفار في منتصف سنة 1304 ه/ 1886 م تقريباً([50]).
غير أن السلطان العماني أهمل ذلك الإنذار ولم يعره أي اهتمام، في الوقت الذي احتج فيه السيد فضل العلوي على ما حدث في عدن لكل من المقيم البريطاني هناك ولنائب الملكة في الهند أيضاً.
إلا أن ذلك الاحتجاج لم يجن منه السيد فضل أي رد إيجابي، في وقت تضاءلت فيه سيطرة السلطان العماني خلال سنة 1886 م على ظفار باستثناء مرباط.
وبقي الوضع غير مستقر في الإقليم حتى نهاية ذلك العام عندما عين سلطان عمان محمد بن سليمان والياً على ظفار، وكانت معه حامية تضم 70 جندياً. ويبدو أن الوالي الجديد نجح في إعادة سيطرة السلطان على جميع أنحاء ظفار. لكن هذا الوالي لم يبق في الولاية لأكثر من سنة واحدة، حيث قرر السيد تركي إرسال سليمان بن سويلم مرة أخرى إلى ظفر، وفي تلك الأثناء كان الظفاريون يحاصرون ممثل السلطان، وقد أعلنوا عزمهم على مقاومة عودة سليمان بن سويلم إليهم بالقوة([51])، ويبدو أن السيد تركي قرر أن الأمور بحاجة إلى مزيد من الحزم والقوة، خاصة وأنه تمكن من إنهاء مشاكله الداخلية في مختلف أقاليم عمان وبالذات إقليم جعلان الذي انتهى عصيان قبائله بالولاء التام لحكومة السيد تركي في مسقط([52]).
فبادر بإرسال ابنيه فيصل وفهد وعدد كبير من وجهاء عمان على رأس 200 محارب ومعهم مدفع كبير إلى ظفار. ونجحت الحملة في إعادة سليمان بن سويلم إلى الولاية؛ كما ألقي القبض على خمسة من الشيوخ المعارضين الذين كانوا على اتصال بالسيد فضل بن علوي، وحملوا على سفينة متوجهة إلى مسقط([53]).
وبعد هذه الأحداث مباشرة، توفي السلطان العماني تركي بن سعيد وخلفه ابنه فيصل سنة 1305 ه/ 1888 م([54])، وانقضت السنوات السبع الأولى من حكم السلطان الجديد فيصل بن تركي والأوضاع هادئة في ظفار، لكنه أرسل في سنة 1309 ه/ 1891 م قوة قوامها 100 جندي لتعزيز الحامية العمانية في الإقليم.
وفي الوقت الذي لم يكن اليأس قد داخل السيد فضل في إمكان استعادة ظفار وكان ما يزال مقيماً في القسطنطينية، مُنِحَ أبناؤه الأربعة ألقاباً عثمانية، وهم سهل باشا وحسان باشا ومحمد بك وأحمد بك وكانوا جميعهم يشغلون وظائف عامة في الحكومة التركية، فتدعم موقفه في الدوائر الرسمية العثمانية، فيما كانت التبرعات تصله من الهند لدعم موقفه السياسي والمالي، لكنها كانت في تناقص دائم([55]).
وفي سنة 1312 ه/ 1894 م، تقرب السيد فضل بن علوي من السفير البريطاني في القسطنطينية وطلب الإذن له بالعودة إلى ظفار مع أبنائه.
وعرض في مقابل ذلك أن يكفل حرية التجارة بين ظفار وباقي المستعمرات البريطانية في الهند ووكالاتها التجارية والسياسية في سواحل الجزيرة العربية الجنوبية والشرقية، وأن يلتزم بالقضاء على تجارة الرقيق ويساهم فيه، لكن مقترحاته لم تلق القبول لدى البريطانيين ([56]).
وفي ربيع 1312 ه/ سنة 1895 م، كان سهل باشا ابن السيد فضل يعيش في قصر القبة بالقاهرة ضيفاً على الخديوي عباس الثاني في مصر.
وأثناء إقامته هناك، دخل في مفاوضات مع القنصل البريطاني العام في القاهرة مستهدفاً عون بريطانيا لاستعادة ظفار.
غير أن محاولاته لم تنجح.
وبعدها غادر القاهرة عائداً إلى القسطنطينية، فيما اتخذت السلطات البريطانية الحيطة لمراقبته في القاهرة وجدة وعدن، ونصحت السلطان العماني بتعزيز حامياته في ظفار وتزويدها بالرجال والسلاح، خاصة بعد أن أصبح السيد فضل بن علوي يحظى بعطف العثمانيين([57])، وبعد أن أصبح لأبنائه نشاط سياسي وعسكري ملموس في اليمن وحضرموت.
وقد تبين هذا النشاط للبريطانيين من خلال متابعتهم الدقيقة لنشاط فضل بن علوي ومؤيديه العثمانيين([58]).
وفي تلك الأثناء، بدأ تمرد خطير يعتبر أعنف تمرد على السلطان في ظفار بهجوم مفاجئ وقع سنة 1313 ه/ 1895 م وقتل في ذلك الهجوم نائب الوالي وأحد أبناء الوالي نفسه سليمان بن سويلم مع أحد عشر من رجال الحامية، وانسحبت بقية الحامية إلى مرباط.
والسبب المباشر لذلك التمرد هو الزج بأحد رجال بني كثير في السجن.
وكان الكثيريون المتحصنون في الجبال هم الذين تولوا زمام المبادرة في هذا التمرد، وسرعان ما انضم إليهم بعض الأهالي والتزم البعض الآخر بالحياد. ولم يوفق الوالي العماني في إدارة الأزمة وحلها([59])، وتباطأت بريطانيا في تقديم المساعدة للسلطان في إخماد عصيان ظفار بسبب ترحيب السلطان بافتتاح قنصلية فرنسية في مسقط واتصاله بالروس([60]).
ولهذا اعتمد السلطان العماني على إمكاناته الذاتية، فأرسل السلطان فيصل نجدة عسكرية مكونة من 250 جندياً، لكن هذه الحملة لم تستطع أن تستعيد زمام الأمور بالرغم من وجود قاعدة لعملياتها في مرباط ([61]).
ولعل السبب يعود لوجود أنصار لفضل بن علوي وللدولة العثمانية في الإقليم مستغلين سخط الأهالي من تصرفات الوالي العماني في ظفار، خاصة بعدما وردت تقارير تفيد أن هناك شيئاً من التأييد والحضور لأنصار ابن علوي([62]).
وقد استخدم المتمردون أعلاماً وصفت بأنها تركية.
ولهذا بادر الوكيل السياسي البريطاني في مسقط بعد تلك الأنباء بالتوجه مسرعاً إلى ظفار لبحث الموقف في أوائل منتصف عام 1314 ه/ 1896 م، كما فوضه سلطان عمان بالتحدث باسمه مع رجال القبائل، ووجد الوكيل السياسي علم السلطان مرفوعاً على قرية حافة الساحلية([63]). إلا أن حامية السلطان هناك كانت محاصرة بالفعل، كذلك كان العلم العثماني يرفرف فوق صلالة، وإن لم يستطع أن يضع يده على دليل يثبت وجود مبعوثين عن ابن علوي في المدينة، والتقى الوكيل السياسي بزعماء التمرد، ومن أشهرهم سالم بن حمد المرهوني وعلي ابن كثيري، لكنهم رفضوا العروض التي عرضها عليهم الوكيل البريطاني باسم السلطان، مثل نسيان الماضي ونقل سليمان بن سويلم وتعيين حاكم بديل وتحديد العوائد حسب القوانين، وكذلك التعويض عما حصل من أضرار([64]).
عند ذلك وأمام هذا الرفض، رجع الوكيل السياسي البريطاني إلى مسقط ونوقشت مسألة تقديم العون للسلطان من قبل حكومة الهند البريطانية وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في ظفار ، وصدرت التعليمات من قبل حكومة الهند البريطانية بضرورة تعزيز أعمال القوات العمانية في البر بنيران البحرية البريطانية عند الحاجة، وأبلغ السلطان بهذا العرض([65]).
وكان البريطانيون في سباق مع الزمن حتى لا يكون في ظفار أي نفوذ عثماني. وفي منتصف عام 1315 ه/ مطلع عام 1897 م، طلب السلطان دعم السلطات البريطانية الذي عرضوه عليه.
وكان هدف البريطانيين من ذلك العون أن لا يضطر السلطان فيصل إلى طلب المساعدة والعون من الفرنسيين([66]) في ظل تزايد الوجود الفرنسي في عمان ودخولهم في منافسة شديدة مع الأنجليز، حيث منحت فرنسا أعلاماً فرنسية لسفن بعض العمانيين، خاصة سفن أهل صور التي أصبحت تحمل الأعلام الفرنسية والتي أعطتها هذه الأعلام الحصانة ضد تفتيش السفن الأنجليزية لها([67]).
لذلك تحرك إلى ظفار المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي ومعه الوكيل السياسي في مسقط والسيد محمد الشقيق الأكبر للسلطان فيصل مع قوة مكونة من 70 فرداً على ظهر سفينتين بريطانيتين. وعند وصول الحملة إلى سواحل ظفار، وجدوا العلم العثماني مرفوعاً بالفعل فوق ساريتين، والتقى الوكيل السياسي بشيوخ المتمردين على الساحل، وعرض عليهم نسيان الماضي مع عدم زيادة الضرائب.
لكن الشيوخ أصروا على عدم رغبتهم في وجود وال عماني لديهم أو أن يكون اختيار الوالي برضاهم. وربما عاد السبب من وجهة نظرهم إلى تعسف هذا الوالي وسوء إدارته.
وأثناء المفاوضات، أشاروا إلى أنهم تحت الحماية العثمانية، مما يدل على أن من بينهم من يؤيد السيد ابن علوي والعثمانيين.
وعند ذلك، كتب لهم المقيم البريطاني السياسي في الخليج العربي يطلب إعلان استسلامهم خلال يومين بشروط تتضمن استجابة لبعض مطالبهم.
وبعد تدبر الموقف فيما بينهم، وفي ظل عدم وجود الدعم السريع من العثمانيين أو من الذي يمثلهم في المنطقة في الوقت المناسب، بادروا إلى نزع العلم العثماني وتسليمه لإحدى السفن البريطانية.
وانتهت تلك الأزمة بسلام، وغادر سليمان بن سويلم والي ظفار العماني إلى ولايته بعد أن سحب الشيوخ معارضتهم لعودته([68]).
وفي حقيقة الأمر، لم يكن السيد ابن علوي هو المحرض على هذا التمرد، لكنه حاول استغلاله لمصلحته، وقد يكون ساهم بطريقة أو بأخرى في استمرار العصيان من خلال أنصاره ومؤيديه، في الوقت الذي جدد فيه عرضه أن يعقد مع البريطانيين اتفاقية لحماية حقوقهم مقابل استقلال ظفار.
وقد قدم هذا العرض للسفير البريطاني في إستانبول. ورداً على ذلك العرض، أبلغ السيد ابن علوي بأنه لا حق له في السير إلى ظفار، وأن السلطات البريطانية لن تعترف بأي مندوب عنه يرسله إلى هناك([69]).
فكان هذا دعماً واضحاً للسلطان العماني ورفضاً قاطعاً لحكم السيد ابن علوي ونفوذه في ظفار. فقطع البريطانيون على العثمانيين، في الوقت نفسه، الطريق للوصول إلى هذه المواقع الاستراتيجية في جنوب الجزيرة العربية.
وبعد وصول سليمان بن سويلم وتوليه إدارة الإقليم بوقت قصير، بدأت أحداث السخط والتمرد من جديد. وفي الوقت نفسه تقريباً، قام أهل قرية الحافة الساحلية بهجوم مباغت على أهل صلالة وقتلوا واحداً منهم في نزاع بين الأهالي. وحين وصلت هذه الأنباء إلى السلطان، كتب يستدعي الوالي سليمان بن سويلم من ظفار وأرسل بدلاً عنه الوالي الجديد سيف بن يعرب ليخلفه والياً عليها، وجيء بسالم بن حمد المرهوني، زعيم التمرد، إلى مسقط وألقي به في السجن لعلاقته بالتمرد في ظفار.
ولقي ابن عمه عمرو بن عبد الله المصير نفسه، لكن تم إطلاق سراح السجينين بتدخل ودي من قبل الوكيل السياسي البريطاني في عمان، وذلك لقرب احتفال السلطان فيصل بن تركي بزواجه من شقيقة أحد أعيان عمان([70]).
وفي بداية 1317 ه/ 1899 م، نشأت أزمة جديدة بإقليم ظفار عندما تكرر اعتراض البدو طريق إمداد إحدى الحاميات العمانية بقلعة داخل الإقليم.
فأعد الوالي العماني كميناً لهؤلاء البدو، ونجحت خطته، وقتل تسعة منهم، فهب بدو الإقليم كله معلنين التمرد.
لكن أهل الإقليم من الحاضرة قاموا بمعاونة الحكومة على أبناء البادية، وخمد التمرد من تلقاء نفسه([71])، حيث كان فيما يبدو نتيجة لقلة هيبة السلطات في ظفار بسبب الخلاف المستمر بين أعيان ظفار ووالي الإقليم سليمان بن سويلم بالذات([72]). ولم تتوافر أية دلائل تشير إلى أن لابن علوي أو للعثمانيين أي دور في ذلك التمرد([73]).
وبوفاة السيد فضل بن علوي في سنة 1318 ه/ 1900 م في العاصمة العثمانية القسطنطينية([74])، انتهت هذه الأحداث التي كان يثيرها فضل أو مؤيدوه أملاً في استعادة عرشه في ظفار، وانتظم عقد هذا الإقليم بعد ذلك مع بقية الأقاليم العمانية في ظل حكم السلاطين العمانيين من آل سعيد.
المراجع
جامعة السلطان قابوس، دليل أعلام عمان، مكتبة لبنان، 1991.
وندل، فيلبس، تاريخ عمان، ترجمة محمد أمين عبد الله، ط 3، 1409 ه/ 1989 م.
الزِّرِكْلِيّ، خير الدين، الأعلام، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت، ج 5، 1980.
لوريمر، ج. ج، دليل الخليج، ترجمة وطباعة الديوان الأميري بقطر، ج 2، 1975.
مديحة أحمد درويش، سلطنة عمان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، دار الشروق، جدة، 1982.
المعشني، سعيد بن مسعود بن محمد، الآثار التاريخية في ظفار، مطابع ظفار الوطنية، 1997.
السالمي، نور الدين عبد الله بن حمد، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مكتبة الاستقامة، د. ت، ج 2.
العثيمين، عبد الله بن صالح، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط 2، الرياض، ج 1، 1409 ه/ 1989 م.
® الوثائق والمخطوطات
البحر الرواس، عبد المنعم بن عبد الله، ضنية الأخبار في علماء ظفار، (مخطوط)، جزء منه غير مرقم وقام الباحث بترقيمه. حصل عليه الباحث من أحد المهتمين بتاريخ ظفار.
وثيقة البيعة من قبل أعيان ظفار للسيد فضل بن علوي (صورة منها محفوظة لدى الباحث أهديت له من قبل أحد المهتمين بتاريخ ظفار).
® المقالات
عبد القوي فهمي محمد، »مشكلة الأعلام الفرنسية في عمان«، إقليم الخليج على مر عصور التاريخ، منشورات اتحاد المؤرخين العرب، القاهرة، 1417 ه/ 1996 م.
Saeed A. Al-Amer, «The Rebellions of the People of Jalan Region against the Authority of the Musqat Government during the Nineteenth Century»,
بحث منشور في مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد 85، جامعة الكويت، الكويت، ربيع 1997.
® المصادر الأجنبية
J. B. Kelly, Britain and the Persian Gulf 1795-1880, London, 1968.
S. B. Miles, The Countries and Tribes of the Persian Gulf, London, 1960.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) خير الدين الزركلي، الأعلام، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت، ج 5، 1980، ص. 150.
([2]) فيلبس وندل، تاريخ عمان، ترجمة محمد أمين عبد الله، ط 3، 1409 ه/ 1989 م، ص. 92.
([3]) الزركلي، المصدر السابق.
([4]) عبد المنعم بن عبد الله البحر الرواس، مخطوط ضنية الأخبار في علماء ظفار، ص. 2، جزء من هذا المخطوط غير مرقم وقام الباحث بترقيمه، أهدي للباحث من أحد المهتمين بتاريخ ظفار؛ انظر كذلك: J. B. Kelly, Britain and the Persian Gulf 1795-1880, London, 1968, p. 773.
([5]) Ibid.
([6]) فيلبس، تاريخ عمان، ص. 93.
([7]) ج. ج لوريمر، دليل الخليج، ترجمة وطباعة الديوان الأميري بقطر، ج 2، 1975، ص. 900؛ كذلك عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، صص. 2 4.
([8]) خير الدين الزركلي، المصدر السابق، ج 5، ص. 150.
([9]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، صص, 2 3.
([10]) لوريمر، المصدر السابق، ص. 898.
([11]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، ص. 5.
([12]) وثيقة عقد البيعة حصل الباحث على صورة منها من أحد المهتمين بتاريخ ظفار (محفوظة لدى الباحث)؛ وانظر صورة عنها في ملحق هذا البحث.
([13]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، ص. 6.
([14]) المصدر نفسه، صص. 6 7.
([15]) S. B. Miles, The Countries and Tribes of the Persian Gulf, London, 1960,
p. 514 .
([16]) مديحة أحمد درويش، سلطنة عمان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، دار الشروق، جدة، 1982، ص. 95؛ كذلك انظر: نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مكتبة الاستقامة، دون تاريخ، ج 2، صص. 214 218.
([17]) ج. ج. لوريمر، المصدر السابق، ص. 901.
([18]) المرجع نفسه.
([19]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر نفسه، ص. 7.
([20]) وندل فليبس، المرجع نفسه، ص. 93.
([21]) عن مبادئ الدعوة السلفية في نجد، انظر: عبد الله بن صالح العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط 2، 1409 ه/ 1989 م، ج 1، ص. 69.
([22]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، ص. 8.
([23]) وندل فليبس، المصدر السابق، ص. 93.
([24]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر نفسه، ص. 9.
([25]) من مؤلفاته: " إيضاح الأسرار العلوية ومنهاج السادة العلوية ط" و" تحفة الأخبار عن ركوب العار ط" و"عدة الأمراء العظام ط"؛ (انظر خير الدين الزركلي، المصدر السابق، ج 5، ص. 150).
([26]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، ص. 9.
([27]) فيلبس، المرجع السابق، ص. 93.
([28]) المرجع نفسه.
([29]) عبد المنعم البحر الرواس، المرجع السابق، ص. 10؛ كذلك انظر سعيد بن مسعود بن محمد المعشني، الأثار التاريخية في ظفار، صص. 18 19، مطابع ظفار الوطنية، 1997.
([30]) فيلبس، المصدر السابق، ص. 94.
([31]) عبد المنعم البحر الرواس، المصدر السابق، ص. 12.
([32]) فليبس، المرجع السابق.
([33]) J. B. Kelly, op, cit., p. 774؛ كذلك فيلس، المرجع نفسه.
([34]) المرجع نفسه.
([35]) المرجع نفسه، صص. 93 94؛ كذلك: J. B. Kelly, op, cit., p. 774.
([36])J. B. Kelly, op, cit., p. 775 ؛ كذلك: لوريمر، المرجع السابق، ص. 902.
([37]) ج. ج لوريمر، المرجع السابق، ص. 902.
([38]) المرجع نفسه، صص. 903 904؛ Saeed A. Al-Amer, The Rebellions of the People of Jalan Region against the Authority of the Musqat Government during the Nineteenth Century بحث منشور في مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد 85، جامعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.