ظهر في حادثة الهجرة النبوية دقة التخطيط ودقة الأخذ بالأسباب من بدايتها وحتى نهايتها يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي في حياة رسول الله كان قائما وان التخطيط جزا من السنة النبوية كما انه جزا من التكليف اللاهي في كل ما طولب به المسلم وان الذين يميلون إلى العفوية بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور مضيعة للوقت مخطئون ويجنون على أنفسهم وعلى المسلمين الكثير من الويلات لاحظ . فعندما حان وقت الهجرة للنبي وشرع في التنفيذ نلاحظ الأتي : وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت ،رغم ما كان يكتنفها من صعاب وعقبات وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروسا دراسة وافية ،فمثلاً: مجيء لرسول إلى بيت أبي بكر في وقت شديد الحر – الوقت الذي لا يخرج فيه احد – بل انه من عادته انه لم يكن يأتي فيه ،والسبب انه اختار هذا الوقت حتى لا يراه احد. إخفاءه عليه الصلاة والسلام شخصيته عندما جاء إلى بيت أبي بكر الصديق ملثما ،لان التلثم يقلل من إمكانية التعرف على معالم الوجه الملثم. أمر الرسول أبا بكر أن يُخرِجْ من عنده ،ولما تكلم لم يبين إلا الأمر بالهجرة من غير تحديد الاتجاه. كان الخروج من بيت أبي بكر ليلاً من الباب الخلفي. بلغ الاحتياط مداه باتخاذ طريق غير مألوفة للقوم ،والاستعانة في ذلك بخبير يعرف مسالك البادية ومسارب الصحراء ،ولو كان ذلك الخبير مشركاً ما دام على خلق ورزانة ،وفيه دليل على ان النبي كان لا يحجم عن الاستعانة بالخبرات مهما يكن مصدرها. انتقاء شخصيات عاقلة تقوم بالمعاونة في شؤون الهجرة ،والملاحظ ان هذه الشخصيات كلها ترتبط برباط القرابة ،او رباط العمل الواحد مما يجعل من هؤلاء الأفراد وحدة متعاونة على تحقيق الهدف الكبير. وضع كل فرد من أفراد هذه الأسرة في عمله المناسب ،الذي يجيد القيام به على أكمل وجه ليكون اقدر على أدائه والنهوض بتبعاته. نوم علي بن أبي طالب مكان النبي فكرة ناجحة ،ضللت القوم وخدعتهم وصرفتهم عن الرسول حتى خرج في جنح الليل تحرسه عناية الله وهم نائمون ،وقد ضلت أبصارهم معلقة بعد اليقظة من نومهم بفراش الرسول فما كانوا يشكون في انه ما يزال نائماً مسجى في بردته في حين ان النائم هو علي بن أبي طالب ولي الرسول . كما ظهر التخطيط أيضاً في تدبير احتياجات الرحلة : علي ينام في فراش الرسول يخدع القوم ويسلم الودائع ويلق بالرسول. عبدالله بن أبي بكر صاحب المخابرات وكاشف تحركات العدو. أسماء بنت أبي بكر المكلفة بالتموين من مكة إلى الغار . عامر بن فهيرة الراعي البسيط الذي قدم اللحم واللبن إلى صاحبي الغار وبدد أثار المسيرة التاريخية بأغنامه ،كان هذا الراعي شريكا مع أسماء في الإمداد والتموين. عبدالله بن أريقط ،الدليل الأمين والخبير البصير بالصحراء ،ينتظر في يقظة إشارة البدء من الرسول ليأخذ الركب طريقه من الغار إلى يثرب.