قبل عشرين عاماً خلت كانت إنكلترا لا تعرف إلا صوتاً واحداً في المدرجات ولوناً واحداً على منصات التتويج، فلا صوت علا في سبعينات وثمانينات وأوائل التسعينات عن صوت جماهير "الكوب"، ولم يكن في إنكلتراً فريق بوحشية ليفربول في التهام الألقاب. إرث رائع وسيطرة مطلقة في ثلاثين سنينه الماضية كان ليفربول يصول ويجول في كرة القدم الأوروبية والإنكليزية خاصة، فسيطر وفاز وتوج بكل شيء في سماء الساحرة المستديرة، وكان نجوم ذلك العهد يتوقون إلى ارتداء القميص الأحمر الخاص بالنادي العريق، فتجمعت في تشكيلته توليفة خاصة وفريدة من المواهب البريطانية والعالمية، وقاد سفينته الثائرة أبرز نجوم التدريب في التاج البريطاني. مع وصول المدرب الأسطوري للنادي بيل شانكلي إلى القيادة الفنية للفريق تغيرت العقلية داخل البيت الأحمر، فصار الفوز عقيدة والتتويج سنة التزم بها الفريق لأكثر من نصف قرن من تاريخه الطويل. بيل شانكلي كان له الفضل في أن يصبح ليفربول اسماً مرعباً تهابه أندية إنكلترا، فالرجل المثير للجدل جعل من النادي رقماً صعباً، وكانت السيطرة على المسابقات الإنكليزية نتيجة حتمية لسياسة السيد شانكلي. يقول شانكلي للاعبيه دائماً: "أن تكون أولاً فأنت أول، وأن تكون ثانياً فأنت لا شيء"، هذا التطرف في لهجة شانكلي بخصوص لعبة السيادة في إنكلترا انسحب على لاعبيه فانفجروا في وجه كل من اعترض طريقهم نحو الألقاب فظل ليفربول سيداً لإنكلترا لمواسم عديدة مع شانكلي العظيم، قبل أن تأتي حقبة الرجل الأكثر نجاحاً في تاريخ أعظم أندية بلاد كرة القدم، إنها حقبة روبرت بايزلي الذي تناديه جماهير "الكوب" باسم "بوب". بوب بايزلي تمكن من إكمال مسيرة معلمه بيل شانكلي وساهم في ترصيع خزينة ليفربول ب 6 ألقاب دوري و3 ألقاب في رابطة الأبطال الأوروبية ولقب في كأس الاتحاد الأوروبي و3 ألقاب رابطة إنكليزية ولقب سوبر أوروبي و5 ألقاب في كأس الدرع الخيرية، كل هذه الانجازات حصل عليها بايزلي في 9 سنوات على رأس الإدارة الفنية لليفربول من 1974 إلى 1983. آخر عهد "ليفر" مع المجد في الدوري الإنكليزي كان مع المدرب الاسكتلندي أسطورة النادي كيني دالغليش، إذ توج الفريق بآخر لقب عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ انتقل كرسي الزعامة في إنكلترا لمانشستر يونايتد بقيادة المدرب الأسطورة سير أليكس فيرغسون الذي تعهد بإنهاء سيطرة ليفربول على الساحة الكروية في إنكلترا ونجح في ذلك، إذ غابت شمس الدوري عن ليفربول منذ 1990 وبقي الغروب مستمراً إلى يومنا هذا رغم بعض النجاحات التي حققها الفريق بحصوله على كأس إنكلترا وكأس الرابطة الإنكليزية وكأس الاتحاد الأوروبي ودوري أبطال أوروبا. ترميم البيت الأحمر مع تسلم الرئيس الجديد للنادي، الأميركي توماس ورنر في عام 2010، بدأ المخرج والكاتب السنيمائي الشهير في كتابة سيناريو جديد للفريق وجهز لإخراج فلم جديد بعنوان "ليفربول يتذكر أنه سيدهم"، وكانت أولى خطواته التعاقد مع كيني دالغليش لتدريب ليفربول للمرة الثانية في تاريخ الأسطورة الحية، وحال تسلمه قيادة الفريق بدأ كيني في عملية ترميم الهيكل المنهك لسيد إنكلترا، فأبرم العديد من الصفقات الجديدة أبرزها الأوروغوياني لويس سواريز وغيره من اللاعبين الذي أعادوا شيئاً من البريق والهيبة للنادي، فكان تتويجهم بكأس الرابطة الإنكليزية عام 2012 على حساب كارديف سيتي ثمرة لجهود دالغليش، لكن الأمور لم تسر بالشكل المطلوب على مستوى الدوري فانتهت علاقة دالغليش بليفربول واستقدم النادي المدرب الإيرلندي براندن رودجرز صاحب الصمعة الطيبة في البريمييرليغ بعد نجاحاته مع سوانسي سيتي. الموسم الأول لرودجرز كان تحت مستوى التوقعات فحل ليفربول في المركز السابع في واحد من أسوأ المواسم في تاريخ النادي، لكن الإدارة ثمنت عمل رودجرز وأبقت على الرجل. في الموسم الثاني قام رودجرز ببعض التعاقدات الجديدة فجاء ستوريدج في الشتاء والحارس البلجيكي سيمون منيوليه وأطلق العنان لابن الاكاديمية رحيم ستيرلينغ مع بعض التعاقدات الأخرى التي أعادت من الشخصية والهيبة المفقودة للنادي العريق، وغيّر رودجرز الطريقة البالية التي يلعب بها ليفربول، فتميز الفريق عن غيره من الفرق البريطانية بتمريراته القصيرة واعتماده على خليط من المهارات الفردية واللعب الجماعي والاندفاع البدني، وبدأت صارية السفينة الغارقة تتجلى ببطء من أعماق البريمييرليغ. موسم مميز حتى الآن إلى حدود المرحلة الخامسة والعشرين من الدوري الإنكليزي الممتاز يحتل ليفربول المركز الرابع برصيد 50 نقطة ب 15 انتصار و5 تعادلات و5 هزائم، وفي مقارنة مع الموسم الماضي نجد أن النادي قام بخطوة عملاقة وملفتة، إذ اكتفى الفريق ب 16 انتصار في 38 مرحلة من الموسم الماضي وتكبد 9 هزائم وتعادل في 13 مباراة، تباين في الأرقام بين الموسمين يجعلنا نجزم أن هذا الموسم مختلف في البيت الأحمر عن بقيت مواسمهم في البريمييرليغ. ومع النتائج التي سجلها النادي حتى الآن يتحول الشك في قدرة "الريدز" على تقديم موسم ناجح إلى يقين بأنهم قريبين من استعادة المجد أكثر من أي موسم في ال 24 عاماً الماضية. "الكينغ" سواريز بذات القميص رقم 7 وبذات الروح والمهارات، أعاد لويس سواريز جماهير "الكوب" إلى ذكريات جميلة مع الأسطورة التاريخية لليفربول كيني دالغليش الملقب ب"الملك كيني"، إذ تمكن "دراكولا" من كسر القيود التي فرضتها السنين على ملعب أنفيلد وأعاد البسمة إلى المتيمين بعشق القميص الأحمر، و شاهد من لم يعاصر داغليش ما كان يقوم به طيلة سنواته في أنفيلد، مع اختلاف السيناريو الذي كتبه ورنر بالتعاقد مع بطل جديد هو لويس سواريز، فحامل القميص رقم 7 بات الرقم واحد في تشكيلة براندن رودجرز، وقاد الفريق لأن يكون ثاني أقوى هجوم في الدوري الممتاز ب63 هدفاً حتى اللحظة كان نصيب "دراكولا" منها 23 هدفاً. هذه الأرقام الرائعة للمهاجم الأوروغوياني جاءت مدعومة بمجموعة من المواهب الصاعدة كستوريدج الذراع الأيمن لسواريز ورحيم ستيرلينغ الشاب المندفع بروح القميص الأحمر، والموهوب كوتينيو الذي منح الفريق لمسة برازيلية نادراً ما وجدت في تشكيلة ليفربول على مر التاريخ، وصيحات الجماهير المتطرفة في حبها للريدز، إضافة إلى القائد الملهم ستيفن جيرارد. إلى حدود المرحلة الخامسة والعشرين مازال ليفربول منافساً قوياً للتتويج بلقب الدوري وهو حلم تنتظره جماهير النادي في كامل أنحاء العالم، لكن مركزاً مؤهلاً إلى دوري أبطال أوروبا وعودة إلى صف الأربعة الكبار في أقوى دوري كرة قدم في العالم لن يكون سيئاً لليفربول الغائب عن المسابقة الأوروبية منذ 2010، والأكيد أن عودة النادي للمشاركة في دوري الأبطال ستعطيه دفعة معنوية كبيرة ليقدم تضحيات أكبر من أجل الفوز بالدوري، إضافة إلى أنها تدعم موقفه في سوق الانتقالات.