تسود حالة من القلق العام في الوسط الثقافي والشعبي اليمني، جراء اصدار منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، تهديدها الثاني لليمن بشطب مدينة صنعاء القديمة من قائمة التراث العالمي التي كانت قد أدرجت فيها عام 1986م، وإعطائها مهلة شهرين قبل اتخاذ المنظمة لهذا القرار، الذي يأتي بعد أيام قلائل من إصدارها تحذير للحكومة اليمنية بشطب مدينة زبيد من القائمة العالمية. وفي تصريحات للوكالة، عبر العشرات من الشعراء والمثقفين اليمنيين، عن مخاوف كبيرة تجتاحهم إزاء هذا التطور الخطير والذي ستكون له انعكاسات كبيرة على التراث الثقافي اليمني بصفة عامة. ففي أول تعليق لها على هذا التطور الخطير، وصفت الشاعرة هدى ابلان نائب وزير الثقافة، تهديد اليونسكو بأنه مساس بكل عمل ثقافي وتاريخي حظيت به صنعاء القديمة على مدار 30 عاماً. مؤكدة بأن وزارة الثقافة بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية ستعمل جاهدة لعمل معالجات سريعة تحد من المخالفات المعمارية في مدينة التراث صنعاء. أما مدير عام اللجنة الوطنية اليمنية لليونسكو، الدكتور أحمد المعمري، فقد وصف الوضع ب" الخطير" مشيراً بأن واقع صنعاء القديمة على قائمة التراث العالمي أصبح حرجاً للغاية. نتيجة قيام العديد من السكان بعمل إحلالا للبنايات القديمة ببناء حديث من الإسمنت والحديد. دعوات لوقف"العبث"! أمين العاصمة صنعاء عبد القادر علي هلال أكد من جانبه، على أهمية حصر مخالفات البناء والتشوهات والعبث في شبكة الكهرباء والمياه ومخالفات الأسواق الشعبية التي تتعرض لها صنعاء القديمة .. مشددا على ضرورة إيقاف أي عبث بالمدينة والوقوف بمسؤولية تجاه المباني غير المرخصة والحفاظ على الفن المعماري الخاص بها. وقال هلال للوكالة، نولي الحفاظ على التراث المعماري لمدينة صنعاء أهمية كبيرة، فنحن أمام مسؤولية تاريخية تجاه صنعاء القديمة المدينة التاريخية وايلائها الاهتمام الذي تستحقه لمكانتها السياحية التي تحظى باهتمام دولي كبير . مؤكدا بأن هناك إجراءات وعقوبات صارمة تجاه كل من يعمل في تشويه التراث المعماري للمدينة. فيما عزا رئيس الهيئة اليمنية العامة للحفاظ على المدن التاريخية ناجي ثوابة، مخالفات البناء في المدينة القديمة التي كانت أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي عام 1986 إلى الوضع الاقتصادي الصعب لسكانها الذين يضطرون إلى توسعة منازلهم الأثرية بشكل عشوائي بسبب صعوبة الانتقال إلى مسكن آخر. كما أرجع تدني مستوى الصيانة الفنية للمنازل إلى شح الإمكانيات المادية للهيئة الحكومية للحفاظ على المدن التاريخية، قائلاً: «إن وزارة المالية اعتذرت عن منح الهيئة دعماً مالياً لصيانة مواقع صنعاء القديمة المهددة بسبب موسم الأمطار المقبل»، لافتاً إلى أنه سيتم تغطية المنازل المهددة بسقوط الأمطار بأغطية بلاستيكية». واتهم ثوابة «يونسكو» بالتقصير في دعم السلطات اليمنية مالياً بموجب الاتفاقية المبرمة بينها وبين الحكومة. صنعاء القديمة ويقصد بها المدينة المسورة وكان لها سبعة أبواب لم يبق منها إلا باب اليمن وهي أحدى تلك المدن القديمة المأهولة باستمرار من القرن الخامس ق.م على الأقل ويتواجد بها 103 مساجد وستة آلاف منزل وإحدى عشر حمام عمومي وكل هذه المباني بنيت قبل القرن الحادي عشر الميلادي، في القرن الأول للميلاد.وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة صنعو وهي مشتقة من " مصنعة " وتعني حصن في العربية الجنوبية القديمة . فقد كانت المدينة القديمة لا تمثل سوى مساحة صغيرة من قاع صنعاء الفسيح الذي يمتد من جبل نقم شرقاً إلى جبل عيبان غرباً، وربما يكون الحصن التاريخي الموجود فوق سفح جبل نقم في الطرف الشرقي من مدينة صنعاء القديمة يمثل النواة الأولى للمدينة، وقد عرف فيما بعد باسم " قصر غمدان " ومما تجدر الإشارة إليه أن المواقع المحيطة بصنعاء مثل (نقم حده عيبان عصر) قد بدأ ذكرها في النقوش المكتشفة حتى الآن من نفس الفترة التاريخية (القرن الأول)، ثم تطورت المدينة وأصبح لها سور دائري وفي وسطها موضع " القليس " قبل الإسلام ومع مجي الإسلام استجاب باذان عامل الفرس على اليمن مع أهل اليمن لدعوة رسول الله محمد سنة ( 627 ميلادية )، ودخلوا في الدين الإسلامي فعينه رسول الله ( ص ) والياً على صنعاء, وكانت المدينة القديمة مقر الوالي فبني الجامع الكبير في السنة ( 6ه/627م ) فاكتسبت ملامح جديدة فقد دخلها عدد من أصحاب رسول الله ( ص )، وظلت محافظة على أهميتها وأصبحت مركزاً دينياً وتنويرياً فزاد اتساعها في العهود الإسلامية المتعاقبة، بعد أن كانت صنعاء القديمة تقع في الجانب الشرقي من وادي السايلة كمدينة مسورة بها حصن يقع في الطرف الشرقي من المدينة على منطقة مرتفعة تحتها تقع الأسواق والجامع الكبير ، ومن الفترات التي توسعت فيها مدينة صنعاء عهود كل من دولة بني حاتم ( القرن 6ه / 11م ) والدولة الأيوبية ( القرن 7ه / 12م)، وينسب تجديد سورها إلى السلطان " طغتكين بن أيوب "، فأصبحت تضم المباني الهامة من الوجهة التاريخية ذات الطابع الجمالي والعمراني الفريد وفي العهد العثماني الأول بني في شرقها جامع البكيرية وحمام الميدان على الطراز العثماني وفي جهة الغرب امتدت إلى مجرى السايلة ومد سورها إلى باب السبح ، كما أنشئ حي النهرين في غربي المدينة وأقيم على طرفه الجنوبي مقر الحاكم عرف ومازال ب " بستان السلطان " وكان موضعه قبل ذلك مقابر لعظماء همدان. مباني في صنعاء القديمةتتميز مدينة صنعاء القديمة بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري. صمدت صنعاء قروناً طويلة في وجه الحروب والحصار والكوارث، وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري مستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية، وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها المعماري في حالته التقليدية ومتطلبات الحياة العصرية ولأن مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث، فقد صدرت قرارات عديدة تهدف إلى حمايتها من الانهيار . وكان منها القرار الصادر في عام 1984 بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها، وكان من أهم مهامها العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها, ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة, ثم إلى هيئة عامة للحفاظ على المدن التاريخية تبنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها، فقد أتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلجراد عام 1980 قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول ، وكان من أهداف الحملة، حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السايلة وغيرها، إضافة إلى تنظيم عدد كبير من الندوات العلمية قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين والتي انتهت بالخروج بتوصيات تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة . وكالة أنباء الشعر