العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    إنتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ورداً على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع: القوات المسلحة تستهدف يافا وعسقلان وميناء حيفا بثلاث طائرات مسيرة    غزة.. ومواجهة مشاريع التآمر الغربي (3-3)    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    ألغام في طريق الكرامة    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    مكتب الصناعة بشبوة يغلق ثلاث شركات كبرى ويؤكد لا أحد فوق القانون "وثيقة"    أبين.. مقتل شاب بانفجار عبوة ناسفة في لودر    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    أبو عبيدة: مستعدون للتعامل مع الصليب الأحمر لإدخال الطعام للأسرى    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    عدن.. البنك المركزي يوقف ويسحب تراخيص منشآت وشركات صرافة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    المعتقل السابق مانع سليمان يكشف عن تعذيب وانتهاكات جسيمة تعرض لها في سجون مأرب    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    اجتماع للجنتي الدفاع والأمن والخدمات مع ممثلي الجانب الحكومي    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    العسكرية الثانية بالمكلا تؤكد دعمها للحقوق المشروعة وتتوعد المخربين    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد أن جن جنونها.. حركة "فتح" تُعلن الحرب على الجزيرة وتتهم أمير قطر بتسريب الوثائق
نشر في شهارة نت يوم 25 - 01 - 2011

أثارت الوثائق التي بثتها قناة الجزيرة والتي تستمر في عرضها الى أجل غير مسمى عبر برنامجها المسائي حصاد اليوم.. إستهجان السلطة الفلسطينية التي إعتبرت نشر تلك الوثائق بمثابة محاولة اغتيال سياسي للرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية.
وحذرت حركة التحرير الفلسطينية "فتح" من الحملة التي دشنتها قناة الجزيرة ببرنامجها الهادف -بحسب قولها- إلى تشويه وعي الجمهور الفلسطيني والعربي.
ونقلت الحركة في بيان لها عن رئيس طاقم المفاوضات حول مابثته قناة الجزيرة من وثائق تؤكد تورط القيادة الفلسطينية في تقديم تنازلات غير مشروعة للكيان الاسرائيلي قوله: "بأن الوثائق والخرائط مزيفة وليست أصلية".
البيان الذي ربط قيام الجزيرة بنشر الوثائق في هذا الوقت مع وصف رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو للرئيس أبو مازن بأنه أخطر زعيم على إسرائيل إعتبرته حركة فتح بمثابة حملة تستهدف النيل من عباس. ورافق البيان الصادر مساء اليوم عن حركة فتح تعميم تنظيمي صادر عن مفوضية الإعلام والثقافة في حركة فتح جاء فيه:
"بتعليمات من الأخ الرئيس القائد العام يمنع منعا باتا التعاطي مع قناة الجزيرة القطرية ابتداء من فخامة الرئيس حتى اصغر عضو او صديق لحركة فتح سواء بتسريب خبر او إعطائها أي خبر او تقديم أي حديث صحفي او أي نوع من العلاقة وكل من يخالف سيضع نفسه عرضه للمعاقبة والمراجعة التنظيمية ويسري هذا القرار ابتداء من هذه الساعة وتلك اللحظة ويتم مقاطعة تلك القناة وعناصرها العاملين سواء بالوطن او خارجه .
وستقوم الرقابة الحركية وحماية العضوية بمتابعة هذا التعميم ومحاسبة كل من يخالف تلك التعليمات التنظيميه وعلى هذا تم التعميم".
البيان والتعميم الذي تلقت "شهارة نت" نسخة منه جاء عقب قيام أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه بعقد مؤتمر صحفي في رام الله إتهم فيه قطر بالوقوف وراء ما سماها الحملة التي تقودها قناة الجزيرة ضد السلطة الفلسطينية لتشويه صورتها أمام الرأي العام، ودعا إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقق من صحة الوثائق التي عرضتها الجزيرة.
وقال عبد ربه تعليقا على الوثائق السرية التي شرعت الجزيرة في نشرها أمس الأحد وتستمر في نشرها مساء اليوم، إن قناة الجزيرة لا يمكنها أن تشن مثل هذه الحملة لتشويه سمعة السلطة الفلسطينية دون ضوء أخضر من القيادة السياسية في قطر والتي طالبها بالكشف عن دور القاعدة الأميركية بقطر في التجسس على الدول المجاورة وعلى الشعوب العربية، وطالب عبدربه في حديثه الموجه لامير قطر أن يكشف أيضا علاقة قطر مع إسرائيل ودورها في دعم ما سماها قوى طائفية وبعضها يلعب دورا في تقسيم بلده والإساءة إلى الروح الوطنية فيه.
وأكد أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية كانت أكثر المفاوضات شفافية من بين الأعمال السياسية التي جرت في المنطقة في التاريخ المعاصر، مشيرا إلى أنه لم تحدث أي واقعة صغيرة أو كبيرة خلال المفاوضات إلا وتم التحدث عنها أمام الرأي العام، ولافتا بهذا الصدد إلى أن سير المفاوضات في كامب ديفد كان مكشوفا للجميع ويخضع للنقاش العلني
وشدد عبد ربه على أنه لن يناقش صحة أو عدم صحة الوثائق التي نشرتها الجزيرة، بل يدعو مؤسسات الأبحاث الفلسطينية المستقلة إلى المبادرة بتشكيل لجنة لدراسة هذه الوثائق وتدقيقها وإعلان النتائج أمام الرأي العام.
وقال إن على اللجنة المشكلة أن تدرس مدى ما أوغلت فيه الجزيرة من اقتطاع مواقف خارج سياقها وخارج زمنها، وأخذ أقوال رويت على سبيل السخرية أو على سبيل التحدي واعتبارها مواقف رسمية فلسطينية، فضلا عن اقتطاع مواقف إسرائيلية ونسبتها إلى الجانب الفلسطيني.
كما دعا اللجنة المشكلة إلى دراسة ما إذا كانت الجزيرة قدمت الوثائق بشكل مهني أم لعبت دورا سياسيا بناء على موقف مسبق لتشويه الموقف الوطني الفلسطيني، لافتا إلى أن الحملة التي أطلقتها الجزيرة جرى إعدادها بشكل متكتم وسري وغير مهني منذ نحو شهرين، دون أن تتصل بالسلطة لمنحها الفرصة لبيان رأيها في القضية.
الوثائق التي نشرتها الجزيرة وإن كانت بحسب قول عبد ربه قد سبق نشرها عدة مرات في الصحافة المحلية وقدمت لأطراف ووزعت في اجتماعات عربية إلا انها ادت الى قيام المسئولين في السلطة الفلسطينية بإتخاذ موقف من قناة الجزيرة تمثل في رفضهم المشاركة في برنامج الجزيرة لهذا المساء الذي يستعرض الوثائق الخاصة باللاجئين الفلسطينيين.
وعلى عكس ما جاء به ياسر عبد ربه فقد أكد المستشار الخاص للرئيس الراحل ياسر عرفات بسام أبو شريف صحة ما نشرته قناة الجزيرة القطرية من وثائق تدين المفاوضين الفلسطينيين وتتهمهم بالتفريط بالقدس، مشيرًا إلى أنها "جزء من مجموعة أكبر تتضمنه وثائق إسرائيلية وأميركية ثم تبادلها للإيقاع بالمفاوضات الفلسطينية".
وأضاف أبو شريف في بيان له "لقد آن الأوان للاعتراض الحي والنشط للتخاذل والرضوخ، إذ إنَّ العالم الذي يؤيد حقوق شعبنا يقف الآن دون حراك بسبب هدوء الشارع الفلسطيني".
وطالب بالتحقيق "مع كُلّ الذين خانوا العهد والشعب وحقوق الشعب الفلسطيني وسمحوا لأنفسهم بالتفاوض على اقتسام القدس القديمة مع المحتلين بضم القدس الشرقية وضواحيها للاحتلال الإسرائيلي" حسب قوله.
وشدد على ضرورة محاكمة هؤلاء لانتحالهم صفة تمثيل الشعب الفلسطيني وهم لا يمثلونه، وكذلك بتهمة التعامل مع الاحتلال ضد المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني، على حد تقديره ووصفه.
ودعا أبو شريف الشعب الفلسطيني للتعبير عن رفضه لما اقترفه هؤلاء من "جرائم سياسية وما غرقوا فيه من فساد يصل إلى حد خدمة أجهزة الولايات المتحدة التي تحركها المخابرات الإسرائيلية" كما قال.
وتابع "أن اللحظات التي نمر بها هي لحظات فاصلة وعلينا أن نهب دفاعا عن القدس وأرض فلسطين، علينا أن ندافع عن أنفسنا وأرضنا وتراثنا ومقدساتنا لأن هذا هو الدفاع الحقيقي عن السَّلام.
الوثائق التي تواصل قناة الجزيرة بثها لليوم الثاني على التوالي حملت في طياتها الكثير من الفضائح التي تدين السلطة الفلسطينية بقيادة "عباس" ومنها ما يتعلق بتنازلات في القدس الشرقية استعدت السلطة الوطنية الفلسطينية لتقديمها. وتظهر الوثائق أن مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية لم يعبروا فقط عن استعدادهم للموافقة على بقاء المستوطنات التي أقامتها إسرائيل حول القدس باستثناء مستوطنة جبل أبو غنيم (هار حوما)، بل عبروا أيضا عن استعدادهم للتخلي عن أجزاء من الأحياء العربية في القدس الشرقية
والأسوأ من هذا هو المرونة التي عبر عنها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات فيما يتعلق بالسيادة على الحرم الشريف. فقد وصف أحمد قريع التنازلات الفلسطينية بخصوص المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية بقوله إن "هذه أول مرة في تاريخ المفاوضات نقدم مثل هذه الاقتراحات، وهو ما رفضنا تقديمه في محادثات كامب ديفد".
الجدير ذكره أن الجانب الإسرائيلي رفض -أثناء مفاوضات عام 2008- العودة إلى النقطة التي انتهت إليها محادثات السلام عام 2000. فقد قال رئيس الفريق الإسرائيلي عودي ديكل -أثناء لقاء مع خبير الخرائط في منظمة التحرير الفلسطينية الدكتور سميح العبد، في 29 مايو/أيار 2008- "لأن أمورا حدثت خلال السنوات (الماضية)، فإننا لم نعد نقف عند نقطة البداية نفسها. لقد بدأتم حرب إرهاب ضدنا، وقمنا نحن بخلق حقائق على الأرض. هذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم، وعليه فلا نستطيع العودة إلى كامب ديفد لأن الظروف قد تغيرت منذئذ".
والمرة الأولى التي ناقش فيها الطرفان القدس الشرقية المحتلة -تحديدا وضع الأماكن المقدسة- كانت في كامب ديفد عام 2000. ويعتبر القانون الدولي القدس والحرم الشريف أماكن محتلة بطريقة غير قانونية (في حرب عام 1967). وفي تلك الفترة حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك والرئيس الفلسطيني مناقشة الموضوع أثناء قمة كامب ديفد. وبحسب عدد من المشاركين في تلك القمة المثيرة للجدل فإن فشلها القاسي جاء بسبب الفشل في التوصل لاتفاق على وضع مدينة القدس والأماكن المقدسة فيها.
في تلك القمة قامت خطة كلينتون على اعتبار "المناطق العربية للفلسطينيين، والمناطق اليهودية للإسرائيليين". لكن الاقتراحات فيما يتعلق بالحرم الشريف كانت -بشكل كبير- مثيرة للجدل. وفي ملمح آخر بدا من الخطة الأميركية أنها كانت تحاول تحضير الأجواء لقيام جيوب فلسطينية منفصلة عن بعضها البعض. وعلى خلاف الفلسطينيين، فإن الإسرائيليين كانوا متمسكين ببقاء المناطق مترابطة، مع أن خطة كلينتون دعت لدرجة قصوى من التواصل الجغرافي. لكن ما تم فهمه -بشكل عملي- هو أن ذلك خاص بإسرائيل وحدها.
وعليه فعندما عرف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالعواقب الخطيرة لنتائج القمة هذه، رفض العرض ودافع عن موقف منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم استعدادها لتقديم تنازلات تتعلق بالسيادة على الحرم الشريف. وبسبب ذلك وجّه الأميركيون والإسرائيليون انتقادات حادة له، وفي المقابل حصل على دعم شعبي واسع له في فلسطين والعالم الإسلامي.
وخلافا لموقف عرفات، وبعد عشرة أعوام، تظهر الوثائق/الأوراق الفلسطينية أن قيادة منظمة التحرير الآن باتت في وضع ضعيف وممزق، لدرجة أنها مستعدة للمس بالخطوط الحمر التي أقسم عرفات على عدم تجاوزها. فعلى الأقل، أظهر واحد من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة -وهو صائب عريقات- هذا الاستعداد، ولا يعرف ما إن كان عريقات قد قام بهذه الخطوة من أجل الحصول على دعم الإدارة الأميركية، أم فقط من أجل كسر الجمود في المحادثات الذي سببته الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، لكن ما هو واضح فعلا هو أن التلاعب بوضعية الحرم الشريف القانونية أمر خطير وغير مسبوق.
وعلى الرغم من المخاطر الواضحة التي تنتج عن هذا التلاعب، فقد قام الدكتور عريقات بتقديم اقتراح "إبداعي" في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2009 في العاصمة الأميركية واشنطن، إذ قال لكل من ديفد هيل، نائب المبعوث الخاص للشرق الأوسط، والمستشار القانوني لوزارة الخارجية جوناثان شوارتز، إنه "حتى المدينة القديمة يمكن التفاهم حولها باستثناء الحرم الشريف، أو ما يطلقون عليه جبل الهيكل، ففي هذه الأمور فإنك تحتاج إلى مواقف أشخاص مبدعين مثلي".
وعندما سأله شوارتز عما إن كان النقاش سيتم حول القدس مع الحدود أم بلا حدود، أجاب عريقات "لقد حُلّت، لدينا صيغة ومعايير كلينتون التي تحدثت عن سيادة فلسطينية على القدس القديمة باستثناء الحي اليهودي وجزء من الحي الأرمني، والحرم يترك للنقاش، فهناك طرق إبداعية يمكن اللجوء إليها، مثل إنشاء لجنة أو جهاز، أو التعهد بعدم القيام بحفريات".
والذي يبدو واضحا من هذا الحوار أنه في الوقت الذي رفض فيه عرفات معايير كلينتون، فإن الفريق الفلسطيني الذي يقوده عريقات مستعد للقبول بها. وإضافة لهذا فإن عريقات يسلم بأن الحي اليهودي وجزءا من الحي الأرمني هما تحت السيادة الإسرائيلية. وبتصرف كهذا، فإن عريقات يعمل على نقل حدود الهدنة (الخط الأخضر) البعيدة الآن عن الحرم الشريف وخارج البلدة القديمة، لتصبح بالضبط على أسوار الحرم الشريف.
وإذا قلنا هذا، فيجب التذكير بأنه عندما قامت إسرائيل بمصادرة الحي اليهودي في 18 أبريل/نيسان 1968 فإنه كان يتكون من 595 بيتا، منها 105 بيوت يملكها يهود. ومما يثير الخوف أكثر هو أن عريقات باقتراحه "إنشاء لجنة أو هيئة" لإدارة الحرم، فقد أظهر مرونة غير منضبطة حول الحرم الشريف نفسه، مما يعني أن الحرم الشريف لم يعد خطا أحمر.
ولكي يوضح طبيعة عرض السلطة الفلسطينية، فإن عريقات قال لواحد من فريق السناتور الأميركي ميتشل في 15 يناير/كانون الثاني إن "ما تحتويه تلك الأوراق يمنحهم أكبر أورشليم في التاريخ اليهودي"، وكان عريقات يعرف منذ البداية الطبيعة الحساسة للحرم الشريف وما يمثله للعرب والمسلمين حول العالم، عندما أكد لديفد ويلش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بعد لقاء أنابوليس في 2 ديسمبر/كانون الأول 2008 أن "القدس هي الحرم الشريف" عند السعوديين.
ويبدو واضحا في الأوراق الفلسطينية أنه حتى السيدة رايس (وزيرة الخارجية السابقة) كانت تعرف الطبيعة الحساسة للحرم الشريف، حيث أخبرت المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين في لقاء معهم في 29 يوليو/تموز عام 2008 أنه فيما يتعلق بالحرم الشريف فإن "أبناء أبنائكم لن يتوصلوا لاتفاق" حوله، وعليه طالبت الطرفين بالإبقاء عليه كما هو "بدون حل".
ومع ذلك يبدو المفاوض الفلسطيني منفصلا -بشكل كامل- عن شعبه، وكذا عن القطاعات الواسعة من العرب والمسلمين عندما فاتح الأميركيين بهذا "الاقتراح الإبداعي" حول المدينة القديمة والحرم الشريف. ويبدو واضحا أنه منخرط في المفاوضات لدرجة أنه لم يعد يلتفت لتأثير تعليقاته بين العرب والمسلمين وأبناء شعبه.
ولأن اقتراحات عريقات تبدو صبيانية للإسرائيليين، فقد لاحظ دانيال سيدمان في مقال كتبه قبل فترة أن "أي محاولة لفهم المبادرة العربية بدون كونها تعني سيادة كاملة فلسطينية أو عربية على الحرم الشريف، ليست سوى تمرين في خداع النفس".
وفي الوقت الذي تظهر فيه الأوراق الفلسطينية ملامح هامة حول المرونة التي أبداها كبير المفاوضين فيما يتعلق بالحرم الشريف، فإنها – ولأول مرة أيضا- تؤكد ميل القيادة في السلطة الوطنية للتخلي عن أجزاء كبيرة من القدس الشرقية بما فيها المستوطنات باستثناء جبل أبو غنيم (هار حوما).
ففي لقاء ثلاثي أمريكي/إسرائيلي/فلسطيني في 15 يونيو/ حزيران 2008 (حضره كل من: رايس، وتسيبي ليفني، وأحمد قريع، وصائب عريقات)، قدم السيد قريع لمستمعيه نتائج لقاء سابق عقد مع الإسرائيليين في 4 مايو/أيار 2008، حيث جاء فيه "نقترح (الفلسطينيون) قيام الإسرائيليين بضم كل المستوطنات في القدس باستثناء جبل أبو غنيم (هار حوما)، مضيفا أن "هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي نقدم فيها مقترحا كهذا، مع أننا رفضناه في كامب ديفد".
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه المستوطنات غير القانونية أقيمت على أراض يملكها الفلسطينيون وسرقت منهم، فالأمر يبدو مدهشا إلى حد كبير. فالأوراق الفلسطينية تظهر أيضا أنه عندما قامت لجنة قانونية مشتركة فلسطينية/إسرائيلية -في لقاء عقد في 22 سبتمبر/أيلول 2008- ببحث موضوع ملكية الأراضي الخاصة بالفلسطينيين بعد أن يتم تبادل الأراضي، فقد فشل الطرفان في التوصل إلى نتيجة واضحة.
وعلقت ليفني، وبأسلوب واضح، على مقترح قريع قائلة إنه "عندما قررنا الضم، فقد وضحنا للفلسطينيين أننا لن نقوم بتعويضهم عنها بأراض تعتبر الآن جزءا من إسرائيل". ويفهم من كلامها أن الإسرائيليين ليس لديهم استعداد حتى للتفكير في فكرة تبادل أراض في القدس الشرقية، لأن المدينة كما يعتقدون إسرائيلية.
وبناء عليه، ففي الوقت الذي أبدى فيه الفلسطينيون كرما زائدا عن الحد، أبدى الإسرائيليون حرصا على انتزاع أكبر كم من التنازلات مقابل لا شيء. وكما يبدو فالموقف الإسرائيلي بشأن القدس لم يتقدم ولو بوصة واحدة أثناء المفاوضات. وكما يشير محضر لقاء رسمي عقد في 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2007 جاء فيه أن "إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي –وأحب أن أؤكد معنى "مواطنيها" وهم الشعب اليهودي- وأن القدس عاصمة موحدة وغير مقسمة لإسرائيل والشعب اليهودي منذ 3007 أعوام...".
وإذا أردنا التعرف على تفاصيل التنازلات الفلسطينية فعلينا أن نقرأ محضر لقاء 4 مايو/أيار 2008. إذ تظهر بنود المحضر المفاوضين الفلسطينيين وهم يسلمون بوجود المستوطنات (غير الشرعية) في القدس الشرقية، بما فيها رامات شلومو وبيسغات زئيف والتلة الفرنسية ونيفي ياكوف وغيلو. وتظهر الخريطة المفصلة التي قدمها الفريق الفلسطيني أنه في الوقت الذي لم يوافقوا فيه على السياج الاستيطاني الكبير حول "القدس الكبرى" (معاليه أدوميم وغوش عتسيون)، فإنهم عرضوا التسليم ببقاء عدد لا يستهان به من المستوطنات التي أقيمت في محيط البلدة القديمة.
وتقدم الأوراق الفلسطينية أيضا مجموعة من التنازلات المثيرة. فالخريطة التي قدمها المفاوضون الفلسطينيون تظهر أن إسرائيل قامت بضم 15.1 كيلومترا مربعا من المدينة تقع في الجزء الشمالي منها، ويحتلها 136 ألف مستوطن. ولم يتلق الفلسطينيون أي شيء مقابل هذا التنازل. ونفس الاتجاه يظهر بوضوح في الجزء الجنوبي. فقد قدمت منظمة التحرير تنازلات عن 6.68 كيلومترات مربعة يحتلها 41.500 مستوطن. وعليه يبلغ مجموع ما تنازلت عنه منظمة التحرير في القدس، 22 كيلومترا مربعا، ومع التنازل فقد سلمت منظمة التحرير بشرعية احتلال 177.500 مستوطن لها.
وحسب لعبة التناسب فيما يتعلق بمقترح لتبادل الأراضي، فإنه يميل بنسبة 1 إلى 50 لصالح إسرائيل، وهو المقترح الذي رفضته ليفني. فقد أشار عريقات نفسه إلى ذلك بقوله "هذه هي المرة الأولى في التاريخ الفلسطيني/الإسرائيلي التي يتم فيها تقديم اقتراح رسمي كهذا، وما نقوم بعمله لا أحد فعله لنا، لا الأميركيون ولا الأوروبيون".
ومع أن إسرائيل لم تكن بحاجة إلى تبرير سياسة توسيع الاستيطان الكولونيالي في القدس، فإن أداء المفاوضين الفلسطينيين المتهور أدى لإثارة شهية الإسرائيليين. فاليوم يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "الجميع –بمن فيهم الفلسطينيون- فهموا أن أحياء مثل غيلو ورامات شلومو ستبقى جزءا من إسرائيل في اتفاقيات الحل النهائي، وهذا ينطبق على مختلف الخطط (الاستيطانية) التي أعدت على مدى السنوات الماضية".
وفي محاولة لفهم هذا السلوك المتهور، يبدو أنه يكمن في الوعود التي قدمت للمفاوضين الفلسطينيين وآمال ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية بتأمين دولة فلسطينية. من هنا واصلوا تحديد المناطق التي سيتنازلون عنها في القدس الشرقية.
وبالعودة للأوراق الفلسطينية مرة أخرى، فإنها تظهر أن مفاوضي المنظمة لم يكونوا منضبطين خلال عملية التفاوض، كما أن التنازلات التي قدموها في الرابع من مايو/أيار 2008 لم تكن خاتمة المطاف.
إذ بعد كل ذلك أظهر السيد قريع استعدادا لتقديم تنازلات أخرى حول تبادل الأراضي في المناطق الساخنة بالقدس الشرقية، مثل منطقة الشيخ جراح، وذلك بعد لقاء تم في 30 يونيو/حزيران 2008 "فيما يتعلق بتبادل الأراضي في منطقة الشيخ جراح على أن أجد منطقة مساوية لها". وعلينا هنا أن نؤكد أن منطقة الشيخ جراح هي حي سكاني يقع في شمال المدينة القديمة شرقي القدس المحتلة. ويعيش فيها 2800 مواطن فلسطيني وفيها عدد من المعالم الفلسطينية الهامة، مثل "بيت الشرق"، وفندق "أميركان كولوني"، والمسرح الوطني الفلسطيني، وفندق شبرد الذي قام الإسرائيليون بهدمه في 9 يناير/كانون الثاني 2011 من أجل بناء مستوطنة.
وبسبب الموقع الإستراتيجي للشيخ جراح، فقد قام المستوطنون -خلال الأعوام الماضية- بجهود حثيثة من أجل السيطرة على الأرض والبيوت فيه، كجزء من محاولات بناء مستوطنات. وخسر 60 فلسطينيا بيوتهم بسبب هذه الجهود فيما يواجه 500 منهم مخاطر الترحيل من بيوتهم، وبالتالي مواجهة مصير التشريد في المستقبل القريب القادم.
إن قراءتنا للأوراق الفلسطينية تظهر اعترافا بالوضع القائم على الأرض من ناحية تغيير طبيعة المكان والسكان الناجمة عن الجهود الإسرائيلية في الضم والطرد. مع العلم بأن سياسة الأمر الواقع قد تؤدي إلى عملية تهجير جماعي ونقل لأراضي القدس إلى الإسرائيليين ومستوطناتهم الاستعمارية مقابل لا شيء.
واللافت أن الإسرائيليين قد تمسكوا برفض مناقشة الموضوع أو حتى قبول شكوى فلسطينية، "لماذا تواصلون ذكر القدس في كل لقاء، أليس هناك تفاهم بين القادة حول هذا الموضوع؟". وقد قالت ليفني لصحيفة "جيروزاليم بوست" إن حبلها السري نبع من معبد الهيكل مع أنها لم تولد في القدس.
وقالت إن "كل ممثل لكل حكومة إسرائيلية يمثل المصالح الإسرائيلية للوطن، عليه العمل على الحفاظ على هذه الأماكن التي تعتبر -من زاوية تاريخية ووطنية ودينية- مهمة لنا، قد أكون ولدت في تل أبيب، لكن حبلي السري ينبع من معبد الهيكل".
وفي المقابل تظهر الأوراق الفلسطينية مدى التناقض بين التصريحات العامة والخاصة للمفاوضين الفلسطينيين، كما تظهر هذه المواقف جرأة غير مسبوقة على التلاعب بالوضع القانوني للقدس، وكذلك المقدسات تحت لافتة الحلول الإبداعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.