هل قناة الجزيرة تجاوزت كل الخطوط الحمراء بما نشرته من وثائق المفاوضات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني؟ برأيي ان ما نشر لم يكن مفاجئا للمتابع والمراقب للشأن الفلسطيني، حيث الجميع يدرك حجم وخطورة المفاوضات التي تقوم بها القيادة الفلسطينية امام التعنت الاسرائيلي الرافض بالمطلق للحق الفلسطيني، وهذا ليس خافيا على احد، منذ عشرين عاما من المفاوضات والشروط الصهيونية الأمريكية مفروضة على الطرف الفلسطيني، والتي أدت إلى تقديم التنازلات المتتالية بما يتوافق والرؤية والشروط الصهيونية دون أي مقابل على الأرض، فشامير الذي رفض مشاركة حنان عشراوي بان تكون بالوفد الفلسطيني الأردني لان زوجها مقدسي، ورفض دخوله إلى قاعة الافتتاح بمؤتمر مدريد إلا بعد أن يخلع عريقات الكوفية الفلسطينية كانت هي بداية الشروط الصهيونية التي فرضتها على المفاوض الفلسطيني. شعبنا الفلسطيني بإجماله يدرك أن القيادة الفلسطينية تنازلت رسميا عن 78% من الأرض الفلسطينية، ولكن الواقع أن القيادة الفلسطينية اعترفت بدولة "إسرائيل" الغير معرفة حدودها مع التزامات أمنية وإلغاء البنود الأساسية بالميثاق الوطني والاكتفاء ب م. ت. ف كممثل للفلسطينيين دون التأكيد على شرعيتها ووحدانيتها، وترك قضايا القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات لمفاوضات المرحلة النهائية باتفاق اوسلو، وما لحقها من تنازلات بطابا وشرم الشيخ وغيرها، مقابل عودة عشرات بل مئات من القيادات والكوادر الفلسطينية إلى الضفة والقطاع ضمن الشروط الصهيونية، ولكن الذي كان غير واضحا الكيفية وخطاب المفاوض الفلسطيني أثناء المفاوضات بالغرف المغلقة؟ فالمعروف ان المفاوض الفلسطيني له خطابين، احدهما موجه للجمهور الفلسطيني الذي كان يدعي فيه بالتمسك بالثوابت، والأخر الموجه للغرب بجهوزيتها للموافقة على الرؤية الغربية لحل الصراع الدائر بالمنطقة، والموقف الغربي طبعا موجها ومرشدا من الحركة الصهيونية وايديولوجيتها ومشروعها المرتبط أصلا بالمصالح الغربية بالمنطقة العربية لتمارس ضغطا على الطرف الفلسطيني، ورغم ان الجانب الفلسطيني نفذ كل ما بخارطة الطريق، إلا أن شارون رفضها بطريقة علنية عندما اجري عليها 14 تعديلا لانها لا تلبي الحد الادني من الرؤية الصهيونية للوصول إلى السلام وهي غير ملزمة للكيان، اما الجانب الفلسطيني فاعتبرها ملزمة وعمل على تنفيذ بنودها وما زال يعلن التزامه بالخارطة. ما كشفته الجزيرة بالحقيقة هو ليس التنازل الفلسطيني لان هذا معروف وواضح للجميع، فهي كشفت حجم استعداد الجانب الفلسطيني لتقديم التنازلات وإدارة المفاوضات داخل الغرف المغلقة، حيث الوثائق المنشورة جاءت لتؤكد حجم تعنت المفاوض الصهيوني، وان ما يلوح به المفاوض الفلسطيني من تنازل فأن القيادة الصهيونية تنتهز هذا الموقف للاستفادة منه دون اي اتفاق موقع، فالاجراءات التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني بالقدس، سواء بسلوان او حي الشيخ جراح او بناء المزيد من الوحدات السكنية بالمستوطنات المحيطة بالقدس وما يجري بالحرم الشريف، هي تنازلات غير رسمية اقدم عليها المفاوض الفلسطيني خلال جولات التفاوض، وهذا ما اكدت عليه الوثائق والتي اكدت السلطة صحتها بانها سرقت من دائرة شؤون المفاوضات برام الله، نعم لم يتم التوقيع على هذه التنازلات من اجل التوصل الى سلام لان الكيان الصهيوني لا يرى بهذه التنازلات التي قدمها المفاوض الفلسطيني هي نهاية المطاف وانتهاء الجولة، فالكيان الصهيوني يرى بالمفاوضات كحلبة الملاكمة بين اثنين احدهما متمكن لا تصيبه اللكمات وهو الكيان الصهيوني، والأخر وهو الملاكم الضعيف والمبتدأ الذي بلكماته لا يصيب ولا يؤذي الملاكم المحترف حيث يراهن القوي على إنهاك قواه تدريجيا حتى يقع لوحده على ارض الحلبة. المفاوض الفلسطيني والقيادة الفلسطينية والرئيس ابو مازن هم بالأساس ضعفاء والكيان الصهيوني يدرك ذلك جيدا، فالكيان الصهيوني غير فريقه التفاوضي اكثر من 8 مرات على مدار عشرين عاما، وهو يدير المفاوضات بطريقه ذكية ويجيد اللعبة، ومع كل حكومة جديدة فالمفاوض الصهيوني يرفض العودة الى النقطة التي انتهت عليها المفاوضات مع الحكومة السابقة، والتي تكون استفزازية لمزيد من التنازل من الجانب الفلسطيني، وهكذا يتركه متخبطا بمواقفه وأدائه التفاوضي، فالوثائق تؤكد ان الطرف الصهيوني لم يبدي اي استعداد لتنازلات عن الضفة او القطاع كأراضي فلسطينية، وان أقصى ما طرحه الكيان هي الحدود المؤقتة، وكلنا يدرك ان الجانب الفلسطيني لا يطلب حتى علنا على إزالة المستوطنات وإنما إيقاف البناء بها، وهذا الموقف الا يعني ان المستوطنات باقية؟ ان ما يطرح من أسئلة من الجانب الفلسطيني ردا على ما تنشره الجزيرة بان الوفد المفاوض الفلسطيني قدم تنازلات كبيرة، لماذا إذا إسرائيل لا توافق على التوقيع على اتفاق سلام؟ فالجواب يخرج يوميا من جانب قادة هذا الكيان وهو: بناء المزيد من الوحدات السكنية بالمستوطنات، الاستمرار ببناء الجدار، مصادرة الاراضي، التطهير العرقي بالقدس وهدم البيوت، وشق الطرقات وحملات الاعتقال اليومية وغيرها من الاجراءات اليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال واخيرا كان واضح من خلال موقفه على الحدود المؤقتة للدولة الفلسطينية التي لها معاني خطيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، فهل المفاوض الفلسطيني يدرك لماذا قادة الكيان لم يوقعوا امام كل هذه التنازلات؟ قناة الجزيرة لم تكن محرضا على هذه القيادة او هذا الفريق الفلسطيني من خلال كشف هذه الأوراق، وإنما كانت وسيلة إعلامية تقوم بدورها الإعلامي، أما لماذا نشرتها بالمرحلة الحالية التي تستعد بها القيادة الفلسطينية بالتوجه إلى مجلس الأمن لإدانة الكيان الصهيوني باستمراره بناء المستوطنات؟ القيادة الفلسطينية خسرت الكثير من قاعدة التاييد الجماهيري، وهناك قطاعات واسعة من الجماهير الفلسطينية بين رافضة وغير مهتمة بخطوات القيادة الفلسطينية التفاوضية، فما الذي يرهب القيادة الفلسطينية من ما تنشره قناة الجزيرة؟ ولمواجهة هذه الحملة الإعلامية ضدها من قبل الجزيرة يفرض على هذه القيادة ان توفر قناعان عند أوسع قطاعات الشعب الفلسطيني لتكسب تأييدها ودعمها، وهذا يفرض عليها مراجعة سياستها التفاوضية مع هذا الكيان، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية على أسس وطنية راسخة وثابته، وتعزيز الوحدة الفلسطينية وإطلاع الشعب الفلسطيني وقواه على كل تفاصيل المفاوضات وليس حجبها، فبكل تأكيد فان القيادة الفلسطينية ستفرض احترامها على كل خصومها مهما كانوا لان الجماهير تلتف حول سياستها الحكيمة. لقد صدق ياسر عبد ربه عندما قال اننا اعترفنا "بإسرائيل" وهي لم تعترف بدولتنا وانما اعترفت بالمنظمة، وهذا يفرض على القيادة الفلسطينية والفريق المفاوض وكبيرهم، الوقوف امام الشعب الفلسطيني ويعددوا الانجازات التي حصلوا عليها من جولات المفاوضات والتنازلات التي قدموها للكيان الصهيوني، بالتأكيد سيكون ذلك مؤلما أكثر من ما تنشره الجزيرة من وثائق، لان النتيجة ستكون صاعقة على المواطن الفلسطيني العادي، وهنا لا بد من مطالبة القيادة وفريقها المفاوض ان تكشف محاضر اللقاءات وجولات التفاوض التي أوصلت إلى اوسلو لنرى إذا كانت اتفاق اوسلو رغبة فلسطينية او مطلبا صهيونيا. ويبقى سؤالا أخيرا موجها لقناة الجزيرة وان تجيب عليه بكل صراحة: أين دور محمد دحلان بالتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ضمن هذه الوثائق؟