في الزمانات كان ارتداء الطفل للبزّة العسكرية في المناسبات إعجابا بوظيفة رجل الأمن الذي يحمي البلاد مثل والده أو قريبه جزءا من مشاهد حقبة مضت ورحلت معها الكثير من «رمزيّات» الطفولة وحياة النشأة الأولى، لتأتي حقب من الذعر المجاني والموت بلا سبب والرعب والإرهاب الذي لم يُبقِ أحدا، وكانت شريحة «الأطفال» أحد أبرز ضحاياه، وبات من الطبيعي والمستساغ أن تتصدر صورة طفل وادع ينوء بحمل «كلاشنيكوفه» ويصبح مثل هذا المشهد المقزّز سباق وسائل الإعلام على صياغة خبر فريد ومثير عن أصغر شهيد أو ضحية للتطرف الذي لم يعد يستثني أحدا. تقارير المنظمات الدولية تؤكد وجود الآلاف من الضحايا الأطفال الذين يتم استخدامهم في النزاعات المسلحة في مناطق التوتر حول العالم، معظمهم ضحايا لعائلاتهم وكثير منهم تم اختطافه أو ضربه أو تغريره وحتى شراؤه لاستغلاله لاحقا في عمليات انتحارية لا ناقة له فيها ولا جمل، سوى أنه وقود لأزمات أكبر منهم يتقدمها الأمن والبلد المنقسم، وليس آخرها الفاقة والفقر اللذين يدفعان أطفال الرصاص إلى خيار مربع العنف. في اليمن مثلاً، إذا كانت الحالة السورية هي الأكثر سوءا، فإن أغلب الدول التي تشهد عدم استقرار واضطرابات مسلحة تعاني من ظاهرة تجنيد الأطفال، وأخيرا، كشف تقرير دولي عن تفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن منذ فشل الوصول إلى صيغة سياسية توافقية ووقوع البلاد في فخ الاضطرابات. في الحالة اليمنية يتفاقم الوضع، لأن فئة الأطفال هي الفئة المحببة لدى كل القوى السياسية التي تملك ميليشيات مسلحة، والتي تسعى إلى استقطابهم وشرائهم، سواء من قوى ثورية تحاول تكثير سواد حضورها على الأرض أو ميليشيات تنتمي إلى النظام السابق، إضافة إلى تقاسم الحصّة الأكبر بين الحوثيين و«القاعدة» والقبائل التي لا تتوانى في استغلال أطفالها ومراهقيها لإحداث توازن على الأرض. جماعة الحوثي «أنصار الله» بدأت حملات التجنيد مبكرا في صعدة والمناطق التي تخضع لسيطرتهم، وهو ما رصدته تقارير حقوقية كثيرة، وفي المقابل، نشطت «القاعدة» وجماعة أنصار الشريعة إلى فتح معسكرات تجنيد في أبينجنوباليمن، وعادة ما تستغل المساجد والمناشط الدينية لاستقطاب المراهقين. وبحسب تقرير منظمة «سياج»، وهي منظمة يمنية غير ربحية لحماية الطفولة قامت بعمل دراسة ميدانية انتهت فيها إلى أن «تجنيد الأطفال في صفوف الحوثيين يصل إلى ما نسبته 50 في المائة مقابل 40 في المائة لمجندين أطفال يقاتلون في صفوف القبائل والجيش والجماعات الدينية المسلحة». ومن هنا يجدر بالمنظمات الدولية إعادة النظر في الحالة اليمنية، وذلك عبر إلزام كل القوى السياسية لفك ارتباط الأطفال المجندين، والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع المدني، والعمل على إيجاد تدابير عملية من قبل الحكومة من شأنها أن تعمل على تسريح، وإعادة تأهيل وإدماج الأطفال المجندين.
* عن تقرير من مركز الرابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية ( طفولة مهدرة ومحاربون صغار يجندون للعمليات الانتحارية أبناء الرصاص.. الإرهاب وتجنيد الأطفال )