الدفاع الروسية: خسائر كبيرة لحقت بصفوف الجيش الأوكراني على مختلف المحاور    برنامج أممي: الحوثي يشترط دخول المساعدات الإنسانية لليمن "حصرا" عبر مسقط    فليك ولابورتا يرفضان عرض تشيلسي    الإفراج عن 26 صيادًا يمنيا احتُجزوا في الصومال    الكرة الذهبية.. صلاح يتعرض للعنصرية بسبب جنسيته    الظهور الفج للقادة العسكريين والتصريحات الخارجة عن العرف    المجلس الانتقالي أمام لحظة الاختبار الأكبر    الكلمة مسؤولية وطنية وأخلاقية في زمن عاصف أنهارت فيه القيم    الداعري ينتقد الأوضاع المعيشية بسخرية لاذعة: "لا رواتب.. ولا كباش عيد!"    فرنسا تؤكد ..لن نبيع أسلحة لإسرائيل    قتل الأقليات السورية مستمر والجولاني يفشل في لجم القتلة المتطرفين    مقتل وإصابة 6 أشخاص من أسرة وأحدة في مارب    اعتراف أمريكي .. حاملة الطائرات "ترومان" تخضع لعملية إصلاح كبرى    مفاجأة.. إقالة مدرب توتنهام بعد 16 يوماً من إنجازه التاريخي    مفاجأة من الماضي.. الذكاء الاصطناعي يعيد تأريخ مخطوطات البحر الميت    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    منظمات المجتمع المدني تستجيب لنداء "الشؤون الاجتماعية" وتوزع آلاف الأضاحي على الأُسر الأشد فقراً    المرتضى يدعو الطرف الأخر إلى إجراء عملية تبادل شامل لجميع الاسرى بمناسبة عيد الاضحى    شرطة ذمار تكشف مصير السجناء الذين فروا من سور الاصلاحية المركزية    شبوة.. مقتل شاب في أول أيام العيد خلال اشتباكات داخل مصلّى    عقب اقتحام معسكر بمأرب.. قتلى وجرحى في اشتباكات بين قوات الأمن ومسلحين قبليين    التشبث بالعيد كلعبة طفل ونافذة نور    خطيب العيد في سيئون يؤكد أهمية توحيد الصف الوطني لإنهاء معاناة المواطنين والتصدي لمشروع الحوثي    إب.. وفاة ثلاثة شبان من اسرة واحدة اختناقا داخل بئر مياه    ليفربول امام فرصة ذهبية للتعاقد مع اوسيمين    إسرائيل تتوعد الحوثيين وتوسع بنك أهدافها باليمن    بيدري يكشف خطة دي لا فوينتي    أبناء مديرية جبل الشرق بمحافظة ذمار يسيّرون قافلة عيدية للمرابطين في الجبهات    أنتم أمة تنام ولكن لا تموت!!    محصلة ضحايا المدنيين المجوعين في غزة:110 شهداء و 583 مصابا و9 مفقودين    تشيزني يحسم مستقبله مع برشلونة    مصرع 5 جنود إسرائيليين وإصابة 2 بكمين للمقاومة بخان يونس    من عدن إلى حضرموت.. سواحل الجنوب بانتظار الطوفان!    كم تبلغ عمولة وزير النفط الشماسي من 100 مليون دولار تنازل عنها لشركة OMV    دراسة تحذر: العمل لساعات طويلة يغير بنية الدماغ    في ليلة تألق ألفاريز وعودة ميسي.. الأرجنتين تعزز صدارتها لتصفيات المونديال    النفط يتجه لمكاسب أسبوعية..والدولار الأمريكي يتراجع أمام العملات العالمية    تزامنا مع العيد.. أزمة غاز منزلي تخنق المواطنين في عدن    حملة نظافة لرفع البسطات والمظاهرة العشوائية بالتزامن مع عيد الأضحى    لأول مرة في تاريخ اليمن صلاة العيد تتحول الى مظاهرة    الإسعافات الأولية في حالات الإغماء    مفاجأة علمية.. مادة في البول تكشف أسرارا مخبأة في أنسجة أدمغة عمرها 200 عام    مؤامرة مهزومة لكسر فرحة عدن بالعيد    الوطن في وجدان الشرفاء فقط!!    التحديات والاستراتيجيات في ترجمة الشعر العربي إلى الإنجليزية: دراسة تحليلية لترجمة قصيدة الشاعر أحمد مطر، "الرئيس المؤتمن"    الفريق السامعي يهنئ أدباء اليمن وكتابها وصحفييها وفنانيها بعيد الاضحى    ميسي يتوج بجائزة الافضل في الدوري الاميركي لشهر ايار    خواطر مسافر.. بنوك الطعام في كندا    يوم عرفة والقيم الانسانية    عيد الأضحى تضحية وعطاء    عدن تتنفس السموم.. تقرير استقصائي يكشف كارثة صحية وراء حملات "الرش الضبابي"    إني أفتقدك يا وطني..؟!    نص الدرس السادس لقائد الثورة من سلسلة دروس القصص القرآني    عدن تستقبل عيد الأضحى بأزمة غاز    مرصد إعلامي: مايو الأكثر قمعاً على الصحفيين اليمنيين خلال العام 2025    هلال الإمارات يبدأ توزيع كسوة العيد على الأيتام في شبوة    شركة طبية سعودية تتنصل من التزاماتها للحجاج اليمنيين    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يواصل جهوده التوعوية بأضرار التدخين في حضرموت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوبرا الفقاعات المالية وانفجاراتها
نشر في يافع نيوز يوم 18 - 06 - 2013

«جشاعة الأسواق الماليّة هاويةٌ بلا قاع، تخنقُ إنسانَ اليوم وتُدمِّره: تختلقُ الأزمات المالية التي تطيح بحياة مليارات بسطاء الأرض الذين يدفعون ثمنها، لِتخْرُج هي من هذه الأزمات بمئات مليارات الدولارات من الأرباح الإضافية.»
لم تتوقّف هذه العبارة من الطنين في أذني وأنا في مقهى هادئ في مدينة لوكسمبورج، لجأتُ إليه بعد محاضرةٍ في مؤتمرٍ علميٍّ جعلتني أحبس أنفاسي، ضمن محورِ أحد هذه العلوم الجديدة التي ترعبني كثيراً: «علم الفقاعات المالية وانفجاراتها».
أحبّ الفقاعات الصابونيّة، نقاء شفافيتها، أرخبيل ألوانِ الطيف التي ترقص عليها، انفجاراتها الصامتة… أما الفقاعات القاتلة التي تطيح بحياة فقراء الأرض، وانفجاراتها الكونية، فذلك حديثٌ آخر!…
الصحف اليوم في لوكسمبورج مهووسةٌ بالضغوط الأوربية على بلدها لِكشف حسابات بنوك مواطني الدول الأوربية المخفيّة هناك، وممارسةِ الشفافية المالية، لاسيما بعد فضيحةٍ تهزّ فرنسا حالياً: وجود حساب بنكيٍّ شخصيٍّ خارجها، ب 600 ألف يورو، لِوزير ميزانية الدولة (كاهوزاك، جرّاح سابق ومالك مستشفى جراحة)، الذي تم إثرها إقالته بشكلٍ مهين من كلِّ مهامه السياسية والبرلمانية وعضوية الحزب الاشتراكي، قبل مقاضاته…
استهلَّ المحاضرُ الأمريكي مدخلَ محاضرته لِيُذكِّر بأزمة 2007 التي بدأت بمكيدة قروض إسكان قُدِّمت لملايين البسطاء في أمريكا لِشراء منازل لم تتوقّف أسعارُها عن التضخم الفقاعي، مثل أرباح تسديد هذه القروض التي كانت تزداد من عام لعام…
بعد سنواتٍ قلائل، حدث ما استشرفتهُ الرياضيات وتعامت عنه السياسة: عجزَ الناس عن تسديد قروضهم، فأرادوا بيع المنازل. لم يوجد من يستطيع شراءها. انخفض سعرُها فجأة بشكلٍ درامي لِيفقد البسطاءُ كلَّ شيء، لِتزداد العقوبات المالية عليهم، ولِتطمَّ الأزمة المالية، كنارٍ في الهشيم، كلَّ الكرة الأرضية التي وحّدَها دين اليوم: العولمة…
ذكّر المحاضر بعد ذلك بأزمة «جنون أزهار التوليب» التي انطلقت في هولندا في القرن السابع عشر. ما أشبه الليلة بالبارحة!… تذكّرتُ مرض «جنون البقر» الذي كان سببه أيضاً البحث الجشع عن الربح السريع.
أعشقُ مع كل ذلك بلاغةَ ابن آدم الذي يُوزِّع جنونَه على الحيوانات والنباتات والحجارة!…
«يتسلَّفون من البنوك للمضاربة المالية ولشراء الوهم. تسقط أسعار الأسهم فجأة ويتجندل الوهم… تنهار حياتهم»، قال المحاضر بِهدوءٍ أصمَّ آذاني، في ختام مدخلٍ لمحاضرتهِ، دام دقيقتين…
ها أنذا في المقهى الهادئ الذي هربتُ إليه أشرب قهوةً مُرّةً. ربيعُ لوكسمبورج يستيقظ أخيراً بعد شتاءٍ أوروبيٍّ طويلٍ كاد أن لا ينتهي. تصل إلى مسمعي أغانٍ فولكلورية عذبة لفرقةٍ موسيقية في رصيف المقهى.
استدعيتُ روحَ كارل ماركس (من «مقهى الكوكبة» في السماء السابعة والسبعين) لِيشاركني القهوة، أمامي في الطاولة.
على يسار مقهانا بنكٌ استثماري. على يمينه بنكٌ تجاري. أمامنا بنك قروض إسكان. وخلفنا شركة تأمين مالي…
لا تنقص إلا طائرات «درون» بلا طيار تُحلِّق فوق رؤوسنا ليكتمل جمال المشهد. لسوء حظّنا: لا تنقضّ هذه الطائرات الأنيقة جدّاً إلا على رؤوس الفقراء، في عوالم بعيدة عن لوكسمبورج، كاليمن التي لم يسمع عنها كثيراً صديقي كارل ماركس…
كيف أشرح لصديقي كارل أننا نحتسي القهوة الآن في مدينةٍ تُسمّى ببلاغة اليوم: «جنة مالية» للبنوك والأغنياء الذين يُهرِّبون إليها الأموال لئلا يدفعوا ضرائبها في بلدانهم، ولِكبارِ قادة الشركات المالية بعد تقاعدهم أو إعفائهم من العمل، ومنحِهم بهذه المناسبات علاوات خيالية يُطلق عليها هذا المصطلح الجديد: «مظلّات هوائية ذهبيّة» (وصل مجموعها لِنصف مليار دولار لرئيس بنك لوهمان براذرز الأمريكي الذي تم تسريحه بعد انفجار أزمة 2007).
بين عولس، بطل الأوديسيا، وهو يصل بسفينته إلى جزيرة الآلهة كاليبسو، وبين هؤلاء الذين يصلون إلى مُدُنٍ مثل لوكسمبورج بمظلات ذهبية، ما يفصل الجنَّة عن البُلّاعة!…
أأحتاجُ شرح ذلك لِصديقي كارل، الذي تنبّأَ قبل قرن ونصف بمستقبل الرأسمالية وكشفَ دور سلطة المال على حياة الإنسان؟ من يعرف أكثر منه كيف يتحوَّل الاقتصادُ الحقيقي، اقتصادُ الانتاج والبضاعات، أسيراً للاقتصادِ الافتراضي، اقتصادِ البورصة والأسهم المالية، اقتصادِ تداول الريح وقبضات الهواء؟
آلاف مليارات الدولارات تطير في فضاء هذا الاقتصاد الهوائي كل لحظة، من طرف الأرض لطرفها، بلمحة بصر، لا تعرف حدوداً أو حواجز… بنوك الدنيا تتحدّثُ نفس اللغة، تستخدم نفس صيغات البيانات والبرامج الكمبيوترية: يكتب موظف البنك في لندن سطراً من برنامج الكمبيوتر قبل مغادرته المكتب في المساء، لِيواصله زميله بعد دقائق فقط، في طوكيو التي تستيقظ من النوم!…
كل بشر الأرض، السلفيّ أو العلماني، الانتحاريّ أو رجل الأعمال، يُوقِّع حوالتَه البنكيّة ويُسجِّلُ عليها تاريخ اليوم مستخدماً، أراد أم أبى، نفسَ التقويم السنوي الميلادي («الجريجوري» المسيحي) الذي يستخدمه الغرب، والذي يبدأ بيناير وينتهي بديسمبر.
من أدرى من صديقي كارل بأن البنوك والأسواق المالية تُوجِّه وتقود العالم. اضطراباتُها تُرعِد فرائصَه. هي لطماتٌ متعمَّدةٌ لِتدجينه… من أدرى منه بأن القرارَ السياسي أسيرُ سلطة المال في كل مكان، وبأن أسواق وول ستريت تقود عالَم اليوم من وراء الكواليس؟…
هربتُ إلى المقهى بعد أن وصل المحاضر إلى بيت قصيد محاضرته: استخدم النمذجة الرياضية الصماء وكشف بنظرياته ومعادلاته ورسوماته البيانيّة البُنيةَ الأخطبوطيّة والوجهَ السفّاح والسيرورة الفتّاكة لما اسماها: «قروض الزبالات المُسمَّمة»، مثل تلك التي فَجَّرت أزمة 2007، والتي نعتها تارةً ب «مصنع الديون والفقر والأوجاع» وتارةً بِ «حوض الدم». أو كما قال: القروض التي «تمشي فوق جثث»…
بين البلاغة المالية والعسكرية علاقةٌ وثيقةٌ دائمة: من يدخل سراديب بنك غربيٍّ يجد نفسه كما لو كان في ثكنةٍ عسكرية. لأسماء فِرَق الموظفين فيه بلاغة الجيوش: هناك «مكتب الجبهة» (أي: فريق العاملين المرتبطين بالسوق مباشرة). هناك «الكومندوز»، «الكاميكاز» المتخصِّصون بعمليات فدائية مالية للإطاحة بهذا السوق المالي، أو لإفقار هذا البلد أو ذاك…
يكفي لإدراك ذلك رؤية جيوش رجال المال المرابضين في البورصات بأعينهم الملتصقة على شاشاتها، بهواتفهم الجوّالة المحمومة، وأصابعهم التي تلهث على لوحات مفاتيح كمبيوتراتهم!…
أوّل درس يتعلمه هؤلاء المقاتلون الكومندوز: «الوقت من ذهب»، «السرعة سلطة». من يسبق الآخر بِنَانو ثانية يكسب السوق!…
اختتمَ المحاضرُ محاضرتَه بِنهايةٍ «فلسفية»، على غرار مدخلها. قال: بالطبع، ما كان لهذا التفشّي السريع المباشر للأزمات المالية أن يعمَّ اليوم الكرة الأرضية خلال ثوان لولا «وادي السيلكون» بكاليفورنيا (حيث أهمّ مختبرات ومصانع الكمبيوتر في العالَم).
أضاف: «وادي السيلكون رمالٌ وأدمغة». (يقصد: الرمال التي يُصنع منها السيلكون الذي يُستخدم في صناعة ترانزيستورات الكمبيوتر، والأدمغة التي تُشغِّلها). «ونحن في أمريكا لدينا الرمال والأدمغة!»…
جَرَحَني، سامحه الله! ذكَّرني بأغنيةٍ عنصريّةٍ فرنسيّة في السبعينات من القرن المنصرمه لميشيل ساردو، تقول عن العرب: «لديهم البترول ولدينا الأفكار!»…
لعلّ المحاضر قد ردّد بجملته الصماء هذه أصداء تلك الأغنية، وكأنه يقول: لديهم «الأرباع الخالية» و«الصحاري الكبرى»، لا تنقصهم إلا الأدمغة!…



انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.