أمريكا تفاجئ العالم بتشديد القيود على دخول اليمنيين إلى أراضي خشية عمليات انتقامية    اليمن تعلن استهداف مطار اللد ردا على العدوان على غزة وضاحية بيروت    تصفيات اسيا: العراق يسقط امام كوريا الجنوبية مانحاً الاردن بطاقة التأهل المباشر لمونديال 2026    ميسي يتوج بجائزة الافضل في الدوري الاميركي لشهر ايار    الكثيري: قواتنا الجنوبية تسطر ملاحم البطولة والفداء بميادين الشرف    وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان يهنئان قائد الثورة بعيد الأضحى المبارك    ترامب يصادق على قرار يمنع دخول اليمنيين إلى أمريكا    خواطر مسافر.. بنوك الطعام في كندا    لافتة.. ولا كرفتة!!    السيد القائد يدعو لوقفات تضامنية مع فلسطين غدا    نادي وحدة صنعاء ينعى لاعبه السابق أحمد البيضاني    منتخب اليمن يصل عدن ويستعد لخوض المواجهة المرتقبة أمام لبنان    حجاج بيت الله ينفرون من عرفات إلى مزدلفة    قوافل عيدية من السلطة المحلية بذمار دعمًا للمرابطين في الجبهات    مؤسسة حيدرة تُدّشن كسوة العيد للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة    الشيخ الرزامي يهنئ القيادة الثورية والسياسية بعيد الأضحى    أنصار الله: الفيتو الأمريكي يشرعن جرائم الصهاينة والتصعيد العسكري لقواتنا قادم    الفضة تتجاوز 35 دولاراً للأونصة لأول مرة منذ أكثر من عقد    رونالدو يحطم العقدة الألمانية ويقود البرتغال إلى نهائي دوري الأمم    لماذا لم يستخدمها ضد الحوثي: طائرات مسيّرة تركية ضد قبائل مأرب    يوم عرفة والقيم الانسانية    عيد الأضحى تضحية وعطاء    المحضار.. لبيك اللهم هم لبيك ودعاي وجهته اليك    اليمن وقع عقد مع شركة أميركية لبناء 5 محطات نووية لإنتاج الكهرباء.. أين ذهب    مُفتي سلطنة عُمان: رئيس أمريكا طلب من مسقط أن تتوسط له لدى الحوثيين    عدن تتنفس السموم.. تقرير استقصائي يكشف كارثة صحية وراء حملات "الرش الضبابي"    إني أفتقدك يا وطني..؟!    البيض يقدم رؤية لإنهاء الأزمة والحرب وإعادة بناء اليمن    لجنة نقابية: نقل النفط من العقلة إلى عدن مخالف عبث ومخالف للتوجيهات    نص الدرس السادس لقائد الثورة من سلسلة دروس القصص القرآني    لجنة لتسهيل الإجراءات الجمركية لشاحنات المستوردين عبر خط عدن - الضالع- صنعاء    ارتفاع قياسي لأسعار الأضاحي بعدن يطفئ فرحة العيد    أزمة خانقة في الغاز والبترول في عدن عشية عيد الأضحى المبارك    النفط يتراجع والذهب مستقر    حين يغضب الشعب لا تسألوا لماذا؟    الهلال السعودي يعلن عن تعاقده مع المدرب الايطالي إنزاغي    الشماسي يعمل لصالح هائل والعليمي ويعفي شركة OMV من 100 مليون دولار ضرائب    المقالح: رفض الحوار والمصالحة والشراكة بعد فشل الحل العسكري يمثل هزيمة وخيانة    اللجنة الأمنية: عناصر مدعومة من الحوثيين نفذت أعمالاً تخريبية وسنتعامل معها بحزم    عدن تستقبل عيد الأضحى بأزمة غاز    39 منظمة في عدن تناشد مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة للتدخل لوقف تدهور الأوضاع    مودريتش يقترب من الانتقال إلى الدوري الإيطالي    مرصد إعلامي: مايو الأكثر قمعاً على الصحفيين اليمنيين خلال العام 2025    تربية تعز تقر حرمان طالبة عامين دراسيين بسبب اعتدائها ووالدتها على إحدى المعلمات    شركة طبية سعودية تتنصل من التزاماتها للحجاج اليمنيين    هلال الإمارات يبدأ توزيع كسوة العيد على الأيتام في شبوة    العثور على سوار ذهبي للفايكنغ في إحدى الجزر التاريخية بالبحر الإيرلندي    ريال مدريد يتصدر تصنيف اليويفا.. وبرشلونة في المركز العاشر    كيفية استعادة صحة الأمعاء بعد تناول مضادات الحيوية    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يواصل جهوده التوعوية بأضرار التدخين في حضرموت    عيد مدجّج!!    وفاة الفنانة سميحة أيوب عن عمر يناهز 93 عامًا    العثور على جمجمة ستيجوصور عمرها 150 مليون عام    إلى هديل المجد وأغنية الضوء    الأوقاف تعلن اكتمال تفويج الحجاج اليمنيين إلى الأراضي المقدسة    وزير الصحة لمناقشة التدخلات لمواجهة الإسهالات المائية الحادة    مرض الفشل الكلوي (7)    حين يتحول الشاعر الى لغة واللغة الى كون متخيل في البومات آدم الثاني ل"علوان الجيلاني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوبرا الفقاعات المالية وانفجاراتها
نشر في عدن الغد يوم 19 - 06 - 2013

‘جشاعة الأسواق الماليّة هاويةٌ بلا قاع، تخنقُ إنسانَ اليوم وتُدمِّره: تختلقُ الأزمات المالية التي تطيح بحياة مليارات بسطاء الأرض الذين يدفعون ثمنها، لِتخْرُج هي من هذه الأزمات بمئات مليارات الدولارات من الأرباح الإضافية'.
لم تتوقّف هذه العبارة من الطنين في أذني وأنا في مقهى هادئ في مدينة لوكسمبورغ، لجأتُ إليه بعد محاضرةٍ في مؤتمرٍ علميٍّ جعلتني أحبس أنفاسي، ضمن محورِ أحد هذه العلوم الجديدة التي ترعبني كثيراً: ‘علم الفقاعات المالية وانفجاراتها'.

أحبّ الفقاعات الصابونيّة، نقاء شفافيتها، أرخبيل ألوانِ الطيف التي ترقص عليها، انفجاراتها الصامتة… أما الفقاعات القاتلة التي تطيح بحياة فقراء الأرض، وانفجاراتها الكونية، فذلك حديثٌ آخر!…
الصحف اليوم في لوكسمبورغ مهووسةٌ بالضغوط الأوربية على بلدها لِكشف حسابات بنوك مواطني الدول الأوربية المخفيّة هناك، وممارسةِ الشفافية المالية، لاسيما بعد فضيحةٍ تهزّ فرنسا حالياً: وجود حساب بنكيٍّ شخصيٍّ خارجها، ب 600 ألف يورو، لِوزير ميزانية الدولة (كاهوزاك، جرّاح سابق ومالك مستشفى جراحة)، الذي تم إثرها إقالته بشكلٍ مهين من كلِّ مهامه السياسية والبرلمانية وعضوية الحزب الاشتراكي، قبل مقاضاته…
استهلَّ المحاضرُ الأمريكي مدخلَ محاضرته لِيُذكِّر بأزمة 2007 التي بدأت بمكيدة قروض إسكان قُدِّمت لملايين البسطاء في أمريكا لِشراء منازل لم تتوقّف أسعارُها عن التضخم الفقاعي، مثل أرباح تسديد هذه القروض التي كانت تزداد من عام لعام…

بعد سنواتٍ قلائل، حدث ما استشرفتهُ الرياضيات وتعامت عنه السياسة: عجزَ الناس عن تسديد قروضهم، فأرادوا بيع المنازل. لم يوجد من يستطيع شراءها. انخفض سعرُها فجأة بشكلٍ درامي لِيفقد البسطاءُ كلَّ شيء، لِتزداد العقوبات المالية عليهم، ولِتطمَّ الأزمة المالية، كنارٍ في الهشيم، كلَّ الكرة الأرضية التي وحّدَها دين اليوم: العولمة… ذكّر المحاضر بعد ذلك بأزمة ‘جنون أزهار التوليب' التي انطلقت في هولندا في القرن السابع عشر. ما أشبه الليلة بالبارحة!… تذكّرتُ مرض ‘جنون البقر' الذي كان سببه أيضاً البحث الجشع عن الربح السريع. أعشقُ مع كل ذلك بلاغةَ ابن آدم الذي يُوزِّع جنونَه على الحيوانات والنباتات والحجارة!…

‘يتسلَّفون من البنوك للمضاربة المالية ولشراء الوهم. تسقط أسعار الأسهم فجأة ويتجندل الوهم… تنهار حياتهم'، قال المحاضر بِهدوءٍ أصمَّ آذاني، في ختام مدخلٍ لمحاضرتهِ، دام دقيقتين… ها أنذا في المقهى الهادئ الذي هربتُ إليه أشرب قهوةً مُرّةً. ربيعُ لوكسمبورغ يستيقظ أخيراً بعد شتاءٍ أوروبيٍّ طويلٍ كاد أن لا ينتهي. تصل إلى مسمعي أغانٍ فولكلورية عذبة لفرقةٍ موسيقية في رصيف المقهى. استدعيتُ روحَ كارل ماركس (من ‘مقهى الكوكبة' في السماء السابعة والسبعين) لِيشاركني القهوة، أمامي في الطاولة.على يسار مقهانا بنكٌ استثماري. على يمينه بنكٌ تجاري. أمامنا بنك قروض إسكان. وخلفنا شركة تأمين مالي…لا تنقص إلا طائرات ‘درون' بلا طيار تُحلِّق فوق رؤوسنا ليكتمل جمال المشهد. لسوء حظّنا: لا تنقضّ هذه الطائرات الأنيقة جدّاً إلا على رؤوس الفقراء، في عوالم بعيدة عن لوكسمبورغ، كاليمن التي لم يسمع عنها كثيراً صديقي كارل ماركس…

كيف أشرح لصديقي كارل أننا نحتسي القهوة الآن في مدينةٍ تُسمّى ببلاغة اليوم: ‘جنة مالية' للبنوك والأغنياء الذين يُهرِّبون إليها الأموال لئلا يدفعوا ضرائبها في بلدانهم، ولِكبارِ قادة الشركات المالية بعد تقاعدهم أو إعفائهم من العمل، ومنحِهم بهذه المناسبات علاوات خيالية يُطلق عليها هذا المصطلح الجديد: ‘مظلّات هوائية ذهبيّة' (وصل مجموعها لِنصف مليار دولار لرئيس بنك لومان براذرز الأمريكي الذي تم تسريحه بعد انفجار أزمة 2007).
بين عولس، بطل الأوديسيا، وهو يصل بسفينته إلى جزيرة الآلهة كاليبسو، وبين هؤلاء الذين يصلون إلى مُدُنٍ مثل لوكسمبورغ بمظلات ذهبية، ما يفصل الجنَّة عن البُلاعة!…
أأحتاجُ شرح ذلك لِصديقي كارل، الذي تنبّأَ قبل قرن ونصف بمستقبل الرأسمالية وكشفَ دور سلطة المال على حياة الإنسان؟ من يعرف أكثر منه كيف يتحوَّل الاقتصادُ الحقيقي، اقتصادُ الانتاج والبضاعات، أسيراً للاقتصادِ الافتراضي، اقتصادِ البورصة والأسهم المالية، اقتصادِ تداول الريح وقبضات الهواء؟

آلاف مليارات الدولارات تطير في فضاء هذا الاقتصاد الهوائي كل لحظة، من طرف الأرض لطرفها، بلمحة بصر، لا تعرف حدوداً أو حواجز… بنوك الدنيا تتحدّثُ نفس اللغة، تستخدم نفس صيغات البيانات والبرامج الكمبيوترية: يكتب موظف البنك في لندن سطراً من برنامج الكمبيوتر قبل مغادرته المكتب في المساء، لِيواصله زميله بعد دقائق فقط، في طوكيو التي تستيقظ من النوم!…
كل بشر الأرض، السلفيّ أو العلماني، الانتحاريّ أو رجل الأعمال، يُوقِّع حوالتَه البنكيّة ويُسجِّلُ عليها تاريخ اليوم مستخدماً، أراد أم أبى، نفسَ التقويم السنوي الميلادي (‘الجريجوري' المسيحي) الذي يستخدمه الغرب، والذي يبدأ بيناير وينتهي بديسمبر.
من أدرى من صديقي كارل بأن البنوك والأسواق المالية تُوجِّه وتقود العالم. اضطراباتُها تُرعِد فرائصَه. هي لطماتٌ متعمَّدةٌ لِتدجينه… من أدرى منه بأن القرارَ السياسي أسيرُ سلطة المال في كل مكان، وبأن أسواق وول ستريت تقود عالَم اليوم من وراء الكواليس؟…
هربتُ إلى المقهى بعد أن وصل المحاضر إلى بيت قصيد محاضرته: استخدم النمذجة الرياضية الصماء وكشف بنظرياته ومعادلاته ورسوماته البيانيّة البُنيةَ الأخطبوطيّة والوجهَ السفّاح والسيرورة الفتّاكة لما اسماها: ‘قروض الزبالات المُسمَّمة'، مثل تلك التي فَجَّرت أزمة 2007، والتي نعتها تارةً ب ‘مصنع الديون والفقر والأوجاع′ وتارةً بِ ‘حوض الدم'. أو كما قال: القروض التي ‘تمشي فوق جثث'…
بين البلاغة المالية والعسكرية علاقةٌ وثيقةٌ دائمة: من يدخل سراديب بنك غربيٍّ يجد نفسه كما لو كان في ثكنةٍ عسكرية. لأسماء فِرَق الموظفين فيه بلاغة الجيوش: هناك ‘مكتب الجبهة' (أي: فريق العاملين المرتبطين بالسوق مباشرة) هناك ‘الكومندوز′، ‘الكاميكاز′ المتخصِّصون بعمليات فدائية مالية للإطاحة بهذا السوق المالي، أو لإفقار هذا البلد أو ذاك…
يكفي لإدراك ذلك رؤية جيوش رجال المال المرابطين في البورصات بأعينهم الملتصقة على شاشاتها، بهواتفهم الجوّالة المحمومة، وأصابعهم التي تلهث على لوحات مفاتيح كمبيوتراتهم!…
أوّل درس يتعلمه هؤلاء المقاتلون الكومندوز: ‘الوقت من ذهب'، ‘السرعة سلطة'. من يسبق الآخر بِنَانو ثانية يكسب السوق!…
اختتمَ المحاضرُ محاضرتَه بِنهايةٍ ‘فلسفية'، على غرار مدخلها. قال: بالطبع، ما كان لهذا التفشّي السريع المباشر للأزمات المالية أن يعمَّ اليوم الكرة الأرضية خلال ثوان لولا ‘وادي السيلكون' بكاليفورنيا (حيث أهمّ مختبرات ومصانع الكمبيوتر في العالَم).
أضاف: ‘وادي السيلكون رمالٌ وأدمغة'. (يقصد: الرمال التي يُصنع منها السيلكون الذي يُستخدم في صناعة ترانزيستورات الكمبيوتر، والأدمغة التي تُشغِّلها). ‘ونحن في أمريكا لدينا الرمال والأدمغة!'…
أجَرَحَني، سامحه الله! ذكَّرني بأغنيةٍ عنصريّةٍ فرنسيّة في السبعينات من القرن المنصرمه لميشيل ساردو، تقول عن العرب: ‘لديهم البترول ولدينا الأفكار!'…
لعلّ المحاضر قد ردّد بجملته الصماء هذه أصداء تلك الأغنية، وكأنه يقول: لديهم ‘الأرباع الخالية' و'الصحارى الكبرى'، لا تنقصهم إلا الأدمغة!…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.