بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    صدام وشيك في رأس العارة بين العمالقة ودرع الوطن اليمنية الموالية لولي الأمر رشاد العليمي    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دلالات الدعوة الى اخلاء صنعاء من المعسكرات
نشر في أنصار الثورة يوم 20 - 10 - 2011

تبدو العاصمة صنعاء –بالنسبة لخبراء الشأن العسكري- أشبه بمدينة عسكرية تكتيكية أكثر من كونها عاصمة سياسية لدولة من دول العالم الثالث.
الحضور العسكري في صنعاء –منذ ما قبل الثورة السلمية- يكتسب طابعاً استثنائياً لدرجة يبدو فيها مضارعاً إلى حد ما للحضور المدني الكثيف.
في صنعاء، تحتشد المعسكرات والألوية والمواقع العسكرية على نحو مخيف يوحي بأن ثمة حرباً عالمية توشك على الاندلاع.
في الواقع، ليس للثورة السلمية المجيدة ناقة ولا بعير في التسبب بهذا الاحتشاد العسكري المهول، فالخارطة العسكرية لصنعاء ما قبل الثورة السلمية، هي الخارطة ذاتها في واقع الثورة، مع تعديل بسيط يتمثل في تعزيز محدود للقوات الموجودة وانتشار عسكري ملحوظ واستحداث لمليشيات شعبية أضحت تعرف بمسمى «البلاطجة».
عند مراجعة الخارطة العسكرية لصنعاء، يستحضر المرء أجواء الحرب العالمية الثانية، ويشعر كما لو أن هذه العاصمة ذات الارتفاع الشاهق عن مستوى سطح البحر تواجه غزواً عسكرياً وشيكاً من قوى عظمى!
بخلاف عواصم اخرى، لا تكتفي المعسكرات والألوية والمواقع العسكرية بالتمركز في الأطراف لتأمين محيط صنعاء الجغرافي فحسب، إذ انها تتمركز في العمق والقلب أيضاً، ليبدو المشهد كما لو أنها محض قاعدة عسكرية تكتيكية اكثر من كونها عاصمة سياسية لدولة نامية.

بيان الجيش المؤيد للثورة
لحظة مطالعتي للبيان الصادر عن الجيش المؤيد للثورة السلمية المجيدة مساء السبت الآنف، استوقفتني إحدى عباراته ملياً.
لقد دعا جيش الثورة الى إخلاء العاصمة صنعاء من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي والفرقة الأولى مدرع حرصاً على سلامة المواطنين، مقترحاً في البيان ذاته تمركز هذه القوات على بعد 200 كيلو متر عن العاصمة صنعاء.
مثلت الدعوة الآنفة –بالنسبة لي- حافزاً لمراجعة المعلومات المتوفرة عن التواجد العسكري الكثيف الذي يطوق العاصمة ويتغلغل في أعماقها. تبدو مفردة الدهشة اكثر النعوت قدرة على توصيف واقع ما بعد تلك المراجعة السريعة.
في الخارطة العسكرية، تبدو العاصمة صنعاء كما لو انها جزء رئيسي من الميراث الحربي لحلف وارسو العسكري!
فالمعسكرات والقواعد الحربية والألوية تنتشر في أرجائها طولاً وعرضاً، وتحاصرها من الاتجاهات الاصلية والفرعية.
لاضير هنا من تكرار مصطلح «المدينة العسكرية» بوصفه أكثر النعوت قدرة على توضيح الواقع العسكري للعاصمة صنعاء.

انحراف الحرس عن مهمته
لم يكن التواجد العسكري في العاصمة ملحوظاً او محسوساً –بالنسبة لكثير من قاطنيها- سوى عقب الشروع في استحداث معسكرات وألوية ووحدات عسكرية جديدة وتحديداً منذ ان قرر صالح تحويل البلاد الى مملكة عائلية.
خلال الحقبة الممتدة من 1997م وحتى 2004 ظل التواجد العسكري يتجه بخطى منتظمة نحو تحقيق فرضية التضاعف الكمي والنوعي. فالحرس الجمهوري المعني بحماية الرئيس وتأمين القصور والمنشآات الرئاسية، لم يعد مجرد قوات نوعية تتوزع على ثلاثة الوية عسكرية كما كان قبل وصول الوريث أحمد صالح الى قيادته خلافاً للقانون، لقد انحرف عن تأديه مهمته الرئيسية المنصوص عليها في قرار الانشاء ك «قوات حراسة نوعية» وتحول مع التقادم الزمني الى جيش موازٍ للجيش اليمني هذا إن لم يكن يتجاوزه عدةً وعتاداً وأفراداً.
عقب هذا التمدد الكمي والنوعي، لم تعد رئاسة الحرس الجمهوري هي الاخرى مجرد قيادة عسكرية في دائرة القوات البرية بوزارة الدفاع ورئاسة هيئة الاركان العامة، إذ تحولت الى رئاسة موازية تماماً لرئاسة اركان الجيش، ليبدو الحرس الجمهوري كما لو انه جيش جديد متكامل البنيان يضم اكثر من 27 لواءً عسكرياً.

مدينة المعسكرات والجيوش
كان واضحاً ان الحرس الجمهوري لن يقف عند حد تعديل ميزان القوة فحسب، إذ سيحاول مجاوزة هذا الميزان الى مرحلة الغلبة والاستحواذ والهيمنة.
في الواقع، لم يكن صالح يتغيا تأمين العاصمة والتغلب على هواجس الانقلاب العسكري التي ظلت تراوده وتطارده كظله.
لقد كان يؤسس لإمبراطورية عائلية توريثية، وهي غاية دفعته لتحويل الحرس الجمهوري الى جيش موازٍ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
يمكن القول هنا ان تطلعات الحكم العائلي الوراثي كانت سبباً مباشراً في مضاعفة التواجد العسكري في العاصمة، حيث تم استحداث معسكرات وألوية وقواعد عسكرية وجوية بصورة حولت العاصمة صنعاء الى مدينة للمعسكرات والجيوش!

بين المعسكرات والعتاد الحربي
يصعب الحديث عن التواجد العسكري في العاصمة دون التعريج على ذكر ابرز المعلومات المتاحة عنه.
الاكتفاء بسرد المواقع والمعسكرات لا يبدو محققاً لغاية الإحاطة بمجمل زوايا الفكرة الاصلية للمقال (إخراج المعسكرات من صنعاء) فالعتاد العسكري يُجسد نقطة ايضاح تكميلية يصعب تجاوزها، وهو ما يجعل مرورنا على تلك المعسكرات مصحوباً بما تيسر من المعلومات عن عتادها وقدراتها التسليحية.
لدواعي التفريق بين القوات الصالحية المُستحدثة من جهة والجيش التقليدي الوطني من جهة اخرى سنحاول سرد تلك المعلومات في سياقين، الاول: ويتضمن معسكرات وعتاد القوات الصالحية المستحدثة، والثاني: ويتضمن قوات الجيش التقليدي.

معسكرات وعتاد الحرس العائلي
في رئاسة الجمهورية يرابط لواءان عسكريان للحرسين الخاص والجمهوري، ويتوزع عتادهما ما بين الدبابات بأنواعها والعربات والمصفحات بالاضافة الى مخزون من الكاتيوشا والمدفعية.
وفي معسكر السواد الذي يعد احدى مواقع القيادة المركزية للحرس توجد ثلاثة ألوية مدرعة بالاضافة الى صواريخ بأنواعها وكاتيوشا ومدفعية ودبابات. وبما ان معسكر الصباحة يعد هو القيادة المركزية للحرس ويحتوي على مكتب الوريث احمد، فإنه قطعاً يضم ما لا يقل عن لواءين عسكريين وعتاد تسليحي يتوزع ما بين الصواريخ الاستراتيجية والمدرعات والمدافع بأنواعها.
في ضبوة هنالك معسكر كان تابعاً للحرس يضم لواءً عسكرياً مزوداً بالكاتيوشا والمدفعية. وبمحاذاة معسكر بيت عذران التابع للحرس يوجد معسكر آخر للقوات الخاصة يضم مختلف انواع الاسلحة ويتفرد بامتلاك مخزون من صواريخ لو.
أما في مدرسة الحرس الجمهوري فتتمركز هنالك كتائب مسلحة تتدرع بدبابات وعربات وانواع من اسلحة المدفعية والهاون.
وفي معسكر التأمين الفني والصيانة القريب من معسكر الفرقة الاولى مدرع هنالك كتائب للحرس الجمهوري وعربات ورشاشات ثقيلة.
وفي السلسلة الجبلية المطلة على حدة وفج عطان تتمركز قوة مدربة على استخدام الكاتيوشا والمدفعية، وهو الأمر ذاته بالنسبة لجبل نقم الذي تتمركز فيه قوة تابعة للحرس مدربة على استخدام المدفعية والكاتيوشا.
هنالك تشكيلات اخرى للحرس الجمهوري جرى استحداثها تحت مسمى «فرقة مشاة جبلي» تتوزع على المعسكرات المشار اليها آنفاً.
قاعدة الديلمي هي واحدة من القواعد الجوية التابعة لسلاح الطيران والقوات الجوية وتضم سرباً من الطائرات الحربية المقاتلة بالاضافة الى كتائب عسكرية على هيئة حماية وتامين.
معسكر الامن المركزي الذي يتوسط منقة حدة يحتوي على ما يوازي قوام لواء عسكري بالاضافة الى قوات مكافحة الارهاب المدربة اميركياً، ويضم عتاداً حربياً يتوزع ما بين العربات المدرعة والمدفعية والرشاشات الثقيلة. هنالك أيضاً معسكر الحفا في شارع خولان ويحوي مخازن للأسلحة وعدد من الكتائب.

مواقع الجيش الوطني
بالنسبة لقوات الجيش التقليدي الوطني، فهي لم تعد تتمركز سوى في اماكن محدودة وذلك رغم تواجدها الضارب خارج العاصمة وفي المحافظات.
اللواء الرابع مدرع الذي يعد احد الألوية القتالية التابعة هيكلياً للفرقة الأولى مدرع ويضم عتاداً عسكرياً يتوزع ما بين المدرعات والمدفعية والكاتيوشا، ويتولى هذا اللواء حالياً حماية وزارة الدفاع ومبنى القيادة العليا للقوات المسلحة في التحرير ومعظم مؤسسات الدولة بالاضافة الى مبنيي الاذاعة والتلفزيون، ورغم تبعيته الهيكلية للفرقة إلا ان قائد اللواء الجنرال محمد خليل يحاول الاحتفاظ بالحياد رغم انحيازه العملي لصالح.
معسكر الفرقة الاولى مدرع يضم عدداً من الألوية القتالية، ويحوي عتاداً عسكرياً ما بين مدرعات ودبابات وراجمات صواريخ وكاتيوشا ومدفعية بالاضافة الى معدات للدفاع الجوي ومضادات للطيران ورشاشات وقذائف هاون، ويعتبر هذا المعسكر الممتد من منطقة سواد حنش وحتى جولة عمران بمثابة القيادة المركزية لألوية الفرقة الاولى مدرع المنتشرة في انحاء الجمهورية.
هنالك ايضاً كتائب تابعة للفرقة في التبة المطلة على شارع الخمسين بالاضافة الى كتائب اخرى تحمي ساحة التغيير. ويبدو واضحاً هنا ان التواجد العسكري الكثيف للفرقة هو خارج العاصمة صنعاء، وهو ما يعني ادراكاً لمهمة الجيش الحقيقية المتمثلة في حماية البلاد وحدودها من اي عدوان خارجي.
ما سبق ليس كل شيء، فهنالك معسكر للشرطة العسكرية يتمركز في شارع مأرب، ورغم انه يعد من مكونات الجيش التقليدي إلا انه خضع لاستهداف منهجي خلال حقب زمنية توج هذا الاستهداف بالاستحواذ عليه عملياً من قبل الحرس الجمهوري.
هنالك ايضاً معسكر لقوات النجدة الموالية للعائلة الحاكمة في منطقة الحصبة، وقد سقط هذا المعسكر في يد المسلحين القبليين الموالين للشيخ صادق الاحمر خلال معارك الحصبة.

التآمر على الجيش التقليدي
بفزاعة الغرب، استطاع صالح ان يبني حرسه الرئاسي ويحوله الى جيش جديد دون معارضة حقيقية من قادة الجيش التقليدي الذين كانوا يملكون –في مرحلة ما- القدرة على اثنائه دون تحويل الحرس الرئاسي الى جيش متكامل البنيان والعتاد.
ورغم ان حرباً باردة ظلت تدور بين قادة الجيش التقليدي وصالح، إلا ان هذا الأخير لجأ الى انماط شتى من التحايل لتمرير مشروعه العائلي الوراثي.
فعقب اغتيال اللواء الركن محمد اسماعيل القاضي قائد المنطقة العسكرية الشرقية سابقاً، استطاع صالح ان يستولي على معسكر الصباحة ويضمه الى مواقع الحرس الجمهوري، وخلال يوميات حرب صعدة سعى صالح لاستغلال الحرب بهدف بسط نفوذ الحرس وتوسيعه وتعزيز انتشاره سواء في صنعاء او في عموم المحافظات وذلك في اطار مخطط التآمر على الجيش التقليدي الوطني.
هنا لعله من المفيد العودة الى مقال سابق بعنوان: هل سيلاقي الجنرال علي محسن مصير المشير عبدالحكيم عامر؟ حيث سبق ان بينت في المقال المشار إليه جانباً هاماً من الخطوات التي اعتمدها صالح للاستيلاء على الجيش التقليدي وتوسيع قواعد ونفوذ الحرس الرئاسي، وهي خطوات عززتها وثائق ويكيليكس فيما بعد.

قائد غير شرعي ولا يحظى بالاحترام
رغم ان معظم معسكرات الحرس الفائت عرضها تصنف كقوات تابعة لصالح ونجله، إلا ان الجزم بوجود ارتباطات ولائية للنجل والأب صعب للغاية.
في قطاعات واسعة من الحرس لا يحظى نجل صالح بأي شعبية حقيقية، وتشير مصادر متطابقة الى ان تعاطف بعض قطاعات الحرس مع الثورة السلمية يتعاظم تدريجياً وهو ما يجعل خوض هذه القطاعات لأي معارك حقيقية دفاعاً عن العائلة أمراً مستبعداً.
عدا عن هذا، فقيادات الجيش الثوري تحظى باحترام واسع في اوساط الحرس الجمهوري، وينظر عدد من ضباط الحرس الى احمد بوصفه توريثياً حالماً جرى فرض قيادته بالقوة خلافاً للقانون.
إذ يشترط قانون الخدمة العسكرية في القوات المسلحة والأمن تعيين الضباط الأعلى رتبة للمواقع القيادية العليا، وبما ان احمد لحظة التعيين كان يحمل رتبة عقيد فانه يعد قائداً غير شرعي للحرس الجمهوري لاسيما في ظل وجود ضباط كبار يحملون رتباً عسكرية اعلى اثناء صدور قرار التعيين.
ورغم ان القانون رقم 67 لسنة 1991م بشأن الخدمة في القوات المسلحة احتوى على مادة تسمح بتعيين ضباط ذوي رتب دنيا في مناصب عليا، كنص المادة 15 مثلاً، الا ان القانون ربط ذلك بغياب الرتبة الأعلى، وبما ان الحرس كان يضم ضباطاً برتب عليا فإن تعيين احمد كقائد للحرس الجمهوري يعتبر خرقاً قانونياً فاضحاً.
يستدل كثيرون على رفض شخصية احمد بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها في أحد معسكرات الحرس، ويعتبر هؤلاء ان تلك المحاولة تجسد تأكيداً على امكانية فقدان احمد لزمام السيطرة (الظاهرية) في أول اختبار حقيقي لولاءات الحرس الجمهوري.

الاختبارات العملية ستنهي الولاء الظاهري
في الخارطة العسكرية المرفقة، يتضح بجلاء حجم ما تعانيه العاصمة صنعاء من هذا التواجد العسكري المهول. ورغم ان الخارطة لا تُظهر سوى جانب من الواقع العسكري إلا انها تبدو كافية لتبيين تلك المعاناة.
فالمعسكرات إياها وتحديداً تلك التابعة لقوات الحرس الصالحي لم تكتفِ بتطويق العاصمة وحصارها وتحويلها الى ما يشبه القاعدة العسكرية، إذ تسببت ايضاً في التهام مساحات جغرافية هامة كان يمكن تخصيصها لمشاريع التنمية والاستثمار.
لم يكتف النظام الصالحي بكل تلك المعسكرات والجيوش في محاولة يائسة لحماية مُلك باطل وزائل، إذ عمد ايضاً الى استحداث معسكرات للبلاطجة في مواقع واجزاء هامة من صنعاء وهو ما تسبب في تضييق الخناق على العاصمة.
يظن صالح ان هذه المعسكرات ستحمي مشروعه العائلي الوراثي، غير ان ثمة معطيات شتى تشير الى ان ظنه هذا سرعان ما سيتحول الى إثم بائن، فالقوات والمعسكرات حتى وإن أبدت ولاء ظاهرياً إلا انها يصعب ان تقاتل الشعب من اجل فرد او عائلة.
حتى اللحظة لم تواجه تلك القوات اختبارات حقيقية، ولعل في الاتجاة الصالحي نحو خيار البلاطجة ما يؤكد إدراكه للنتائج الافتراضية لأي اختبارات كهذه.

وماذا بعد؟
بما ان فكرة الجيش لم توجد سوى للدفاع عن الأوطان ضد أي عدوان خارجي، فإن الوجود العسكري الكبير لا يبدو مبرراً على الإطلاق.
هنا تتجلى دلالات دعوة الجيش المؤيد للثورة السلمية إلى إخلاء العاصمة صنعاء من جميع القوات العسكرية وتوزيعها على بعد 200 كيلو متر عن محيط العاصمة.
دعوة كهذه بقدر ما تؤكد حرص الجيش الثوري على العاصمة وقاطنيها، فإنها بالقدر ذاته تجسد إحساساً بالمسؤولية الوطنية.
هنا يتعين ان تتحول هذه الدعوة الى هدف ضمن خطة اعادة هيكلة القوات المسلحة المرجح تنفيذها عقب صدور القرار المرتقب لمجلس الامن الدولي.
وبما ان النظام العائلي سيرفض خطوة كهذه رفضاً قاطعاًن باعتبارها تتعارض مع مشروعة الوراثي ومخططاته الرامية الى شن الحرب وتفجير الموقف عسكرياً، فلا بد من النظر الى هذه الدعوة باعتبارها جزءاً من رؤية العالم لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة وتنفيذ المبادرة الخليجية تحت غطاء الشرعية الدولية والقرار المنتظر لمجلس الامن.
هنا بوسع مجلس الأمن إجراء تعديل بسيط لفقرته الثامنة من مشروع قراره بهدف استيعاب دعوة الجيش المؤيد للثورة، بحيث تضاف عبارة تدعو الى نقل وإخراج جميع المعسكرات من صنعاء ابتداءً بقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وانتهاءً بقوات الفرقة، كما ورد في بيان الجيش المؤيد للثورة... وكفى.

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.