ما حدث في جنوب اليمن، من ما يسمى ب'أنصار الشريعة'، هو إفراز منطقي لمسلسل تنظيم القاعدة، فلئن خَفَتَ بريق التنظيم بعد اندلاع ثورات الربيع ثم مقتل الشيخ أسامة بن لادن؛ فلم تخبُ فكرة التغيير بالسلاح؛ فخططوا لإعادة أنموذج 'الإمارة الإسلامية' التي اضمحلت وسقطت تجربتها في العراق، وظنّ الأغمار لقلة علمهم وضآلة تجربتهم؛ أن انحراف الثورة الشعبية في صنعاء عن طريقها الصحيح، والاحتقان الشعبي في الجنوب، يمكن أن يحقق لهم ما كانوا يحلمون به وتشرئب أعانقهم إليه، من السيطرة على مساحات من الأرض تمكنهم من الإنطلاق نحو لتحرير بلاد الإسلام من الطغيان. أنصار الشريعة هم في الأصل مجموعة من الشباب الطيب الغيور على أمته، المتحمس لنصرة قضاياها وتحكيم الشريعة الإسلامية، ولكنهم اتخدوا ببعض المنشورات والمحاضرات والخطب التي ملأت فراغ عقولهم وحياتهم، فألهبت حماسهم وأشعلت بارود الإرادة الشبابية في نفوسهم؛ بأن يقيموا دولة الإسلام الصغيرة؛ فتوافد عليهم أتباع تنظيم القاعدة من كل مكان 'فوافق شن طبقة'، غرّهم بعض مفتي القاعدة بأنهم نواة 'جيش عدن أبين'، الذي تنطلق جحافله لتحرر الأقصى الشريف، وتعيد الخلافة الإسلامية إلى عهدها القديم كما في بعض الأحاديث النبوية التي يسوقونها ويوهمون الناس أن هذا أوان زمانها، فهم كعامة الناس عندما تضيق بهم الحياة وتتكالب عليهم المصائب والأحداث فيقول قائلهم: 'قد حان وقت يوم القيامة'. ومن المضحكات أن هؤلاء الشباب، لا يعلم جلّهم، أن من بين من يقودهم مجرد مجموعة من جواسيس النظام السابق فالاختراق في صفوف الجماعات سنة حركية متوارثة، فعن طريقهم وبواسطتهم قدمت لهم التسهيلات والدعم اللوجستي والعتاد الحربي ومكّنوا في فترة وجيزة من البسط على عدة مناطق في الجنوب، تركها الجيش اليمني وألوية الحرس الجمهوري التي تتبع مباشرة أسرة الرئيس السابق، فقال قائل من تنظيم القاعدة: 'مالنا ولهم ما يهمنا هو الوصول إلى هدفنا وإن هذا الدين لينصر بالرجل الفاجر'. ظن الشباب أنهم عندما يحكمون بعض المناطق بشرع الله، بحسب فتاوى مشايخ القاعدة، ويبسط فيها الأمن والاستقرار - كما يزعمون- سيكونون بذلك قد حققوا مكسباً رائعاً يدون في سجلات إنجازاتهم بينما حجم المعاناة التي خلّفوها لأهل هذه المناطق شنيعة، أعظم من إنجازاتهم الموهومة، فالذين شردوا وجاعوا بلغوا الآلاف، وحدثت لهم أحداث ومشاهد لم تكن تخطر ببال أحدهم؛ من ضياع كرامتهم وانتهاك أعراضهم، بل وفقدان مساكنهم وأعز أحبابهم، وباعوا أثاث بيوتهم الذي أخذوه معهم إلى عدن والمناطق المجاورة فسكنوا في ملاجئ لا ترقى إلى مستوى الحيوان فكيف بالإنسان المكرم عند الله؟ والعجيب أن 'أنصار الشريعة' يتهمون جيش سلطة صنعاء والأمريكان أنهم من دمّر الديار والممتلكات، ونتساءل: من جاء بالأمريكان إلى عقر جنوب اليمن؟ أليست تصرفات تنظيم القاعدة غير المتكافئة؟. لم تخرج الشعوب امتداداً لفكرة تنظيم القاعدة في التغيير، ولكنها خرجت ابتكاراً لفكرة جديدة، تحقق المقصود والرغبة البشرية كمشترك إنساني يسعى لتشييد دولة العدالة والنظام والقانون وتبسط سيادتها على الناس جميعاً، لأن الله، 'ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة'، ومن الظلم والعدوان تبني تنظيم القاعدة قتل رجال الأمن والجنود الذي يقتاتون على أسرهم من رواتب لا تسد رمقهم، بحجة أنهم أعوان السلطان وهل في اليمن سلطان في اليمن سوى سلطان الفوضى والجهل والتخلف، والأسوأ من ذلك أن تنفذ عمليات الاغتيال على مرأى ومسمع من أسرهم أو في مقهى يضج برواده أو موقف مشاة، لتزداد الفاجعة في قلوبهم. إن ما يقوم به تنظيم القاعدة والمجموعات التابعة له ما هو إلا 'افتعال معارك في بلاد المسلمين ومجتمعاتهم تسيل فيها الدماء وتزهق فيها الأرواح ويضطرب الأمن ويشيع الخوف ويفقد الناس قدرة الحفاظ على ضرورياتهم من الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وهي التي جاءت الرسالة السماوية لحفظها وصيانتها. فكيف تهدر باسم جهاد موهوم يفتأت فيه على جماعة المسلمين وعامتهم؟'