إنَّ الثوراتِ غيرَ المكتملةِ تُطيلُ أعمارَ أعدائِها , وتمنحهم فرصةَ ترتيبِ صفوفِهم , وتغريهِم بمقاومتِها , ومحاولةِ إجهاضِها . حيثُ يتداعى فلولُ الطغاةِ وأنصارُهم من الفاسدين والانتهازيين على الثائرين ؛ شاهرين سلاحَ التشكيكِ بالثورةِ ومشعليها وأنصارها تارةً , خائضين بأخبار مشعليها , ومرجفين بمواطن ضعف أنصارها تارةً أخرى ! وبالمقابل , يغدو المتعجلون من مشعلي هذه الثوراتِ وأنصارِها صيداً سهلاً لليأس , وفريسةً للتشكيكِ بفعلهِم الثوري ! أما الصامتون , والخاذلون للثوراتِ وأهلِها ؛ فإنهم يجدون سبيلَهم للشماتةِ والتشفي , وتبريرِ تخاذلهِم وصمتهِم ! كما أنَّ انتماءاتِ ما قبل الدولة تطلُ بقرونِها ؛ بحيثُ يحضرُ التعصبُ للمذهبِ مختزلاً الدين , ونافياً المذاهب الأخرى , أما المناطقيةُ الضيقةُ فإنَّها تغدو بديلاً لجغرافية الدولة المتسعة ! ويحضر الولاء للقبيلةِ قبل الدولة , ويتم التنكرُ للهويةِ العامةِ ؛ عبر استدعاءِ هوياتٍ فرعيةٍ متصادمةٍ , ومتناحرة . بحيثُ يُستعاض عن (الهوية) الجامعة ب(هاوية) قاصمة ! وهكذا يغيبُ الولاءُ للوطنِ , ويُداهم الدولةَ خطرُ التفكيكِ والانهيار ! وهكذا تتحول نعمة التعدد , والتنوع المجتمعي إلى نقمة ! صحيحٌ أن المستبدَ وزبانيته قد وظَّف التعدد والتنوع كليهما لإطالة عمره السياسي حيناً , عبر تحويلهما إلى ثنائيات مُسيَّسة , ومُستقطبة أطالة أمد الصراعات والنزاعات ؛ مما أضعف المجتمع والدولة ! لكن من الصحيحِ , أيضاً , أنَّ ثَّمة مواطن ضعف قد لازمت هذه الثورات غير المكتملة , كما أن الثائرين قد ارتكبوا أخطاءً ومثالبَ لا تخطئها العين ! وما اختزال الثورة في محاصصة المناصب , وتقاسم الوظائف , وعدم تقبل النقد , واحتكار حق تمثيل الثورات , سواء أكانت (ثورات نصفيه), أو(ثورات ربعيه) أو أدنى من ذلك ؛ إلا بعض شواهد الضعف , وأمارات عيوب بعض الثائرين وأنصارهم ! فالقيام بالفعل الثوري , لا ينبغي أن يحصن الثائرين من تقويم أفعالهم , وحجب مراجعة ممارساتهم . بل يتعين محاسبة مرتكبي الأفعال غير السوية التي صاحبت إشعال الثورات , أو ارتكبت بدعوى الحفاظ الثورة , وحمايتها , وحراسة مكاسبها ! فالثوراتُ لا تُسرق , بل تُجهض ؛ جراء براعة تخطيط المتآمرين , ومثالب الثائرين . اعلموا أنه لا ثوراتٌ مكتملةٌ بدون ثائرين ناقدين ومنقودين . كما أن الطُهر الثوري لا يعفي من تفعيل قاعدة الثواب والعقاب , وتطبيقها على الحاكم والمحكوم , والثائر والمُثار عليه . فلا قداسةُ لطاغيةٍ , ولا حصانةُ لثائرٍ حين يُخطئ . ختاماً , اعلموا أنه بحضور الإرادة , وعدم خذلان الرؤى والنصوص تكتمل ثوراتنا , وتأتي أفعالنا أُكلها. فلا يأسٌ ولا قنوط , بل أملٌ وعمل. واللهُ المستعانُ . * ملحوظة , ثوراتُ الربيعِ العربي أعني ؛ فما تزالُ ثوراتٍ غير مكتملة , وثمة محاولات مستمرة ومستميتة لإجهاضها .