ليس هناك أسوأ من وجود صحافي في المكان الخطأ، وقد وجدت نفسي في القاهرة أغطي محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك والتطورات التي أعقبتها، قادما من لبنان ، حيث لقي 15 شخصا حتفهم أخيرا، بينما يحلل المراقبون قول الرئيس السوري بشار الأسد إن جيشه ليس مسؤولا عن مذبحة الحولة التي وقعت أخيرا. لم يفصل الكثير من الوقت بين الحكم الذي تلقاه الرئيس المصري السابق، وانطلاق الرئيس السوري في الدفاع عن نفسه، وتوقف المراقبون طويلا عند قول الأسد إنه قد حذر وهدد بأن حربه يمكن أن تمتد إلى بلدان أخرى، ونحن جميعا نعرف ما الذي يعنيه ذلك، فالشكوك تحيط بمستقبل مدينة طرابلس اللبنانية، ومنذ وقت ليس بالبعيد قالت صديقة لبنانية لي إنها تخشى على مصير بلادها إذا تعرض الأسد للخطر، والآن فهمت ما الذي كانت تقصده. أوقات سيئة هذه الأوقات تعد سيئة بالنسبة للربيع أو اليقظة العربيين. في اليمن هناك أوقات سيئة، فالحكومة اليمنية تساعد الطائرات الأميركية التي تعمل عن بعد على شن هجماتها، وفي مصر هناك أميركيون يريدون دعم شفيق، ومع ذلك فإن هناك في صحيفة "الأهرام" القاهرية صحافيين لا يترددون في القول إن أول رد فعل من جانب المتحدث باسم شفيق على نتائج الانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى هو القول: "لقد انتهت الثورة". وبمقدورهم أن يكتبوا قائلين إن حكم شفيق سيكون : " صيغة أشد ضراوة من صيغة الدولة البوليسية، مقارنة بما عاشته مصر في ظل ثلاثة عقود من حكم مبارك". وتتحدث الصحيفة عن :" التضحيات التي لا نهاية لها التي قدمها الشبان والشابات لكي تكون هناك حياة أفضل لكل المصريين، بحيث لا تصبح الانتهاكات هي القاعدة". ترى هل كان بمقدوري أن اقرأ شيئا كهذا في ظل حكم مبارك؟ ولكن هل كان يمكن أن أقرأ شيئا كهذا في لبنان؟ أليس لبنان جادا حيال الحرية؟ أليست اليمن جادة حيال الحرية؟ إن الحقيقة هي أن العرب يستيقظون الآن، وهذا هو الذي يجعلني أفضل تعبير اليقظة العربية على تعبير الربيع العربي. وأنا أعتقد أن سوريا تستيقظ الآن، وقد قال الرئيس السوري بشار الأسد إن أمنه هو خط أحمر، وألمح ضمنا إلى أن الحرب في سوريا، وقد أسماها حربا، يمكن أن تمتد إلى دولة أخرى، والمقصود هنا بالطبع هو لبنان، ولذا فإنني أشعر بالقلق على لبنان وعلى العلويين في لبنان الذين يؤيدون الأسد، والذين يستحقون ما هو أفضل. ولكنني أدرك كذلك أن المحاربين من أجل شفيق، هؤلاء الذين يريدون في واشنطن أن يستعيد شفيق علاقة مصر القديمة مع إسرائيل، هؤلاء الذين يرغبون عمليا في استعادة دكتاتورية مبارك وإعادة إيجاد المعادلة القديمة، أي استقرار مبارك في مواجهة الخوف القديم من الإخوان المسلمين، وهم يتلاعبون بالخوف الغربي مما يسمونه بالأصولية الإسلامية، وفيما يهاجم الجمهوريون أوباما، ألا يتوقعون أن يظهروا حبهم لآخر رئيس وزراء في عهد مبارك؟ التعايش الصعب ولكن ربما يتعين علينا أن نتعايش مع دكتور محمد مرسي باعتباره الرئيس المقبل لمصر، وهو الرجل الذي يتعين عليه أن يظهر أن الحكومة الإسلامية يمكنها حقا أن تدير الاقتصاد وأنت تكبح جماح الفساد على نحو ما كان ينبغي السماح به لحكومة إسلامية جزائرية القيام به في عام 1991. وأنا لست واثقا في هذا الصدد. ولكن دعنا نرجع إلى لبنان. إن صحافته حرة وشعبه حر ، وقد خرج من عباءة سوريا في عام 1995، وإن كانت تكلفة ذلك حياة رئيس للوزراء. ويمكن للبنان أن ينظر عبر الحدود ليرى كم هو ديمقراطي وحر. إن سوريا لا تستحق الألم ولا المذابح التي تعاني منها، ورئيسها يزعم أن المؤامرات الدولية تدمر بلاده، فهل هذا صحيح حقا؟ هناك نذر سيئة تلوح في القاهرة، فشفيق ربما يفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وذلك على الرغم من أن محاكمة مبارك ربما تحول دون ذلك، والرئيس الأسد قد يفشل، ومع ذلك فإنني أخاف الحرب الأهلية التي يتحدث عنها المبعوث الدولي كوفي عنان ، لبنان سوف يقدر له الاستمرار في العيش، وربما يتعين علي أن أطير عائدا إليه في القريب العاجل. صحافي مخضرم ولد روبرت فيسك عام 1946، وهو صحافي بريطاني بارز ، ويعمل حاليا كمراسل خاص لصحيفة "إندبندنت" البريطانية في منطقة الشرق الأوسط. ويقيم في العاصمة اللبنانية بيروت. ويعتبر فيسك أشهر مراسل غربي على امتداد ثلاثين عاما من تغطيته لأبرز الأحداث السياسية، ومنها الحرب الأهلية اللبنانية. وكان شاهدا على مذبحة صبرا وشاتيلا، وتطورات الأحداث في إيران، والحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الأولى، وغزو العراق عام 2003، ومذبحة قطاع غزة بين عامي 2008/2009 . وفيسك من المراسلين الغربيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع أسامة بن لادن ، وهو من المعارضين لسياسة بريطانيا وأميركا تجاه العالم، أو ما أسماها ب"السياسة الأنغلوسكسونية"، وله كتاب يحمل عنوان "الحرب من أجل الحضارة: السيطرة على الشرق الأوسط". * ترجمة عمر حرز الله