الاغتيالات في اليمن باتت مصطلح إرهابي مرتبط بأحد طرفي الصراع الذي خسر ماكان يعتقد انه ملكاً له دون غيره, قادة عسكريون في قائمة المطلوبين لمفردة الإرهاب وصنيعة الإجرام, قادة أحزاب ووزراء مشهود لهم بالنزاهة ليسوا بعيدين عن مربع الاستهداف, كل ذلك يحصل بهدف الحيلولة دون انطلاق اليمن الى آفاق الحرية ومصاف النزاهة والديمقراطية, فالمستهدفون بالاغتيالات هم جزء من مشروع الدولة المدنية, ومفتاح من مفاتيح البناء والتنمية الذي ظلت غائبة طيلة عقود مضت من الزمن. محاولة الاغتيال التي تعرض لها وزير الدفاع عقب جلسة الثلاثاء في رئاسة الوزراء واسفرت عن استشهاد اثنى عشر شخصاً كانوا هناك تكشف كثيراً من الأقنعة التي تغطي قبح فعالها بالتبجح بمفردات لاتؤمن بها أصلاً. مقدمات الجريمة لم تكن هناك أي أسباب تدعو إلى محاولة اغتيال الرجل سواء وطنيته المشهودة والتزامه بخط التوافق الوطني, وانفتاحه على شركاء العمل السياسي, وجديته في إعادة الأمور إلى نصابها بعد سنوات طويلة من الفساد المنظم والمحسوبية التي حولت الجمهورية إلى ملكية برداء مهترىء ابرز نتوئاته البغيضة التوريث وتفرد الأسرة بكل شيء. عقب تأييد اللواء علي محسن الأحمر لثورة الشباب الشعبية السلمية وإلقاء خطابه التاريخي في 21 مارس الذي أكد فيه انحياز الجيش إلى الشعب, تقول مصادر أن الرئيس المخلوع أرغم وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللواء محمد ناصر احمد على إلقاء خطاب يسيء إلى الجيش المؤيد للثورة الا انه وبعد طول مراجعات وتعديلات لمضمون الخطاب تم التوصل إلى صيغة توافقيه بين المخلوع ووزير الدفاع تنص على ان يتضمن الخطاب مفردة " ان الجيش سيظل حامياً للشرعية الدستورية" وعقب خطاب وزير الدفاع كانت هناك تطمينات عالية المستوى من قبل الجيش المؤيد للثورة بان الخطاب الذي القاه وزير الدفاع لايعبر عن توجه الوزير بقدر مايعبر عن نزوة علي عبدالله صالح. لقد ظل وزير الدفاع مجرد واجه أمام الرأي المحلي والدولي بينما ظل علي عبدالله صالح وأقاربه هم من يتحكمون بكل قرارات وزارة الدفاع ويستولون على مخصصاتها, وعقب تشكيل حكومة الوفاق الوطني راء وزير الدفاع أن الفرصة مواتية ليثبت جدارته في وزارة الدفاع ويتخذ صلاحياته بحسب الإطار التوافقي الذي نصت عليه المبادة الخليجية واليتها التنفيذية. في منتصف ابريل من العام الماضي ادرك المخلوع علي عبدالله صالح ان وزير الدفاع لم يعد أداة بيده ولم يعد ينفذ أوامره التي لازال يتخيل أنها تضاهي أوامر وصلاحيات رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي, فحينما هدد صالح بانسحاب وزراء المؤتمر من جلسة مجلس الوزراء وأمرهم بعد ذلك بالانسحاب انسحب جميع وزراء المؤتمر باستثناء وزيري الدفاع والخدمة المدنية, حينها فتح المخلوع عينه الحمراء على وزير الدفاع لينتقم منه ولو بعد حين. " لقد تنكر وزير الدفاع لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي منحه حقيبة الدفاع " تلك هي مفردة بات يرددها بعض قياديو المؤتمر ممن لايزالون يدينون بالولاء لعلي عبدالله صالح. لم يكن علي عبدالله صالح يطيق أن يرى وزير الدفاع يتوجه إلى قيادة الفرقة الأولى مدرع أثناء توديع اللواء 135 مشاه ويلقي كلمة يعبر فيها عن الشكر والتقدير لقيادة المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع ممثلة باللواء علي محسن صالح وذلك على سرعة تجاوبه المسئول وتنفيذه لخطة وزارة الدفاع ولجنة الشئون العسكرية وتجهيز هذه القوة لتنفيذ المهمة المسندة إليها والمتمثلة في الانضمام إلى قوات الجيش التي تواجه القاعدة في محافظة أبين حينها. كادت الارض ان تضيق على الرئيس المخلوع بعد انتصار قوات الجيش في ابين على فلول القاعدة, بل كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وقطعت شعرة معاوية بين علي صالح ووزير الدفاع هي تلك الشهادة الصادرة من وزارة الدفاع والتي تتضمن شكر الفرقة الاولى مدرع على مواقفها البطولية في ابين وتعبر عن التقدير والعرفان للدور البطولي الذي قدمه اللواء 135 مشاة في القتال والاستبسال من اجل امن واستقرار الوطن ضد عناصر القاعدة في أبين الحرور. تشديد الحراسة وارتفاع حدة الخلاف بعد الهجوم الشرس الذي تعرض له وزير الدفاع من قبل وسائل أعلام المؤتمر الشعبي العام والتي وصفته بأقذع الأوصاف وحاولت أن تشوه سمعته ولو بالكذب الذي أدمنت عليه طيلة سنوات مضت, بعد كل الإساءات التي وجهها حزب المؤتمر لوزير الدفاع ضاعف وزير الدفاع من حراسته الشخصية وخصوصاً اثر خلافات قائمة بينه وبين القائمة الوزارية لحزب المؤتمر المحسوب عليها، بعد رفض رئيس الجمهورية وتكتل أحزاب اللقاء المشترك في وقت سابق، مطالبة الرئيس السابق رئيس حزب المؤتمر علي صالح، بالسماح لحزبه بتغيره ضمن وزراء آخرين في القائمة الوزارية للمؤتمر. وفيما تحدثت مصادر حينها لصحيفة " الامناء " الصادرة من عدن أن وزارة الدفاع ضاعفت أفراد الحراسة المرافقة لوزيرها الذي كان إلى وقت قريب يستعين بحراسة محدودة ورمزية في تنقلاته", وأرجأت تلك المصادر أسباب تشديد إجراءات الحراسة الأمنية لوزير الدفاع، إلى المخاوف من تهديدات قد تستهدفه لا سيما بعد دخوله في خط معارض لتوجهات القائمة الوزارية للمؤتمر الشعبي العام ورئيسه علي عبدالله صالح الذي يتهمه بإقصاء قادة عسكريين ومدنيين موالين له أبرزهم العميد علي حسن الشاطر واللواء محمد صالح الأحمر ، والعميد طارق محمد عبدالله صالح وحافظ معياد وفي وقت يواجه فيه الوزير خطر تربص الجماعات الجهادية المتمثلة بتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة. إسقاط وزارة الدفاع لقد ذهبت أسرة صالح إلى ابعد من كل تلك التوقعات المذكورة انفاً وتم الإيعاز إلى جنود الحرس لاقتحام وزارة الدفاع في منتصف الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك المنصرم, بهدف الإطاحة بوزير الدفاع وإرباك سير حكومة الوفاق وإفشال زيارة الرئيس هادي اثناء حضورة قمة مكة, وسقط على اثر تلك الواقعة خمسة قتلى فيما استطاعت القوات المتواجدة هناك ان تأسر مايقارب مئة جندي ولازالت التحقيقات جارية حتى الان, وجاء الهجوم على وزارة الدفاع عقب هجوم مماثل على وزارة الداخلية اليمنية لبلاطجة محسوبين على المخلوع علي عبدالله صالح. جاءت أحداث وزارة الدفاع عقب القرارت الجمهورية التي قضت بدمج الوية من الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع والحاقها بالرئاسة والمنطقتين الجنوبية والوسطى, والتي لاقت ترحيباً من قيادة المنطقة الشمالية الغربية وتمرداً من قيادة الحرس الجمهوري الذي يفقد سيطرته تدريجاً على مملكة " الصالح ". أحداث مماثلة لم تكن محاولة اغتيال اللواء محمد ناصر احمد هي الأولى بل كانت ربما السادسة حيث سبقت محاولة الاغتيال هذه حادثة اغتيال مماثلة في عدن في شهر سبتمبر من العام الماضي حيث الوزير من محاولة اغتيال في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدفت موكبه في حي التوّاهي بمدينة عدن وأسفر الهجوم حينها عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة تسعة آخرين. موجة الاغتيالات التي شهدتها اليمن عقب تشكيل حكومة الوفاق تشير الوقائع إلى أنها اغتيالات سياسية بعيدة كل البعد عن اغتيالات تنظيم القاعدة, وان جاءت محاولة اغتيال وزير الدفاع الأخيرة عقب إعلان وزارة الدفاع عن مقتل سعيد الشهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. فمحاولة اغتيال اللواء علي محسن الأحمر بسيارة مفخخة أثناء عيد الأضحى الماضي وقبلها محاولة اغتياله من مجموعات مسلحة دسها علي صالح ضمن لجنة الوساطة, مروراً بمحاولة اغتيال محمد عبدالله اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح, ومحاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان الآمين العام للحزب الاشتراكي اليمني, وليس انتهاءاً بمحاولة اغتيال وزيري الإعلام والنقل, كلها تؤكد أن تلك المحاولات سياسية فلا علاقة بقادة أحزاب سياسية أو وزراء مدنيون بتفجيرات تنظيم القاعدة التي أصبحت شماعة تعلق عليها كل الاغتيالات. السعي نحو تغير وزير الدفاع خلال شهر رمضان المبارك سع المطبخ الإعلامي للمخلوع علي صالح إلى إشاعة مغرضة تقول أن هناك تغيير وزاري مرتقب يتضمن إقالة ثمانية وزراء من مناصبهم أربعة محسوبين على أحزاب اللقاء المشترك وشركاءه وأربعة آخرين محسوبين على حزب المؤتمر الشعبي العام, وببلاهة منقطعة النظير سعت بعض الصحف الأهلية والصفراء إلى الانجرار خلف تلك الراوية التي أعدت بعناية في مطبخ علي عبدالله صالح. كانت اهم الاسماء المطروحة من قائمة المشترك وزير الاعلام الاستاذ علي العمراني الذي تعرض لأكثر من محاولة اغتيال من قبل أعداء التغيير في اليمن, والدكتور صالح سميع وزير الكهرباء الذي ينقم منه صالح بسبب مواقفه في الثورة, واللواء عبدالقادر قحطان وزير الداخلية الذي تعرضت وزارته لهجوم بلاطجة وقتل عدداً من حراستها, والاستاذ صخر الوجية وزير المالية الذي انهى احتكار أسرة " ال عفاش " لاموال الشعب اليمني. وكانت الأسماء المطروحة من قائمة المؤتمر وزير الدفاع محمد ناصر احمد الذي خرج عن بيت الطاعة الصالحية, ووزير الخدمة المدنية الذي رفض أوامر صالح بالانسحاب من اجتماع مجلس الوزراء وحضر خطبة الجمعة في ساحة الحرية بتعز أثناء مرافقته لرئيس الوزراء محمد سالم باسندوه, ووزير المغتربين مجاهد القهالي الذي شن هجوماً حاداً على قناة اليمن اليوم واصفاً اياها بانها خصصت للتشويه وإدارة الأزمات، وللصيد في الماء العكر، والإساءة إلى الأشقاء وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي بدأت تفتح صفحة جديدة فيها من الآمال والطموحات المبشرة والمستقبل المشرق للعمالة اليمنية في السعودية, إضافة إلى وزير الاتصالات احمد عبيد بن دغر الذي يشكل مع الارياني جناح معتدل يرفض تدخل صالح في كافة شؤون الحزب. لم تنته تلك الحملة المغرضة الا بعد ان خرج هادي ليقول على الملاء بانه لاتغيير في حكومة الوفاق ولا تمديد لفترته الرئاسية, لتخرس الالسن التي تريد ان تفشل الوفاق وتتحدى ارادة اليمنيين الذين افترشوا الشوارع منذ مايزيد عن عام ونصف. ربما كان اخر هجوم اعلامي من قبل مطبخ صالح علي وزير الدفاع يوم الاثنين الماضي في احد الصحف الأسبوعية المقربة من صالح وهي صحيفة " المنتصف " والتي شنت هجوماً لاذعاً على وزير الدفاع ونشرت مقال يحرض للإساءة ضد وزير الدفاع في صفحتها التاسعة تحت عنوان " السيد الوزير يعيد " الحكولة " والتي اتهمته بشراء ولاءات من قيادات الحرس الجمهوري, إضافة إلى مقال أخر في الصفحة المقابلة تحت عنوان " اللجنة العسكرية ... شاهد ماشافش حاجة " يهاجم فيه أعضاء اللجنة العسكرية وخصوصاً وزير الدفاع ويتهمه بالفشل في أداء مهامه. أخيراً اصبح من الواضح ان هناك تحالف مشبوه تتضح معالمه يوماً بعد اخر بهدف ايقاف عجلة التغيير وإعادة الأمور الى الخلف وذلك من خلال افتعال الأحداث المتمثلة باقتحام الوزارات والتمرد على قرارات رئيس الجمهورية والقيام بعمليات الاغتيال الاثمة, ومالم يخرج صالح عن المشهد السياسي في اليمن ويقال أقاربه من مناصبهم العسكرية فقد نشاهد احداث اكثر جرماً من تلك التي حدثت في السبعين ورئاسة الوزراء, وقد تمضي الامور الى مالايحمد عقباه, ومايتوجب على الرئيس هو سرعة هيكلة الجيش كما يتوجب على شباب الثورة تكثيف الضغط الشعبي من اجل اقالة اقارب صالح الذين يمولون عمليات تخريبية في اكثر من محافظة --