بينما كان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يتجول في أحد المتاجر الشهيرة بصنعاء ويصافح المتسوقين ويسمح لهم بالتصوير معه كدلالة علي حضوره في المشهد اليمني. فاجأه الرئيس عبد ربه منصور هادي في مساء نفس اليوم بحزمة قوية من القرارات ربما تطيح بآخر عناصر قوته تمثلت في إعادة هيكلة الجيش اليمني برمته وتساقطت معها أوراق كان يفاوض بها عند الحاجة. القرارات الرئاسية فضلا عن أنها جاءت ترجمة للمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ونتجت عن استشارات أمريكية وأردنية وندوات علمية نظمتها وزارة الدفاع اليمنية, فإنها قد تساعد علي تخفيف حدة الاحتقان والمخاوف لدي الشارع اليمني من احتمال عودة المواجهات العسكرية بين الحرس الجمهوري برئاسة نجل الرئيس السابق وبين الفرقة الأولي مدرع برئاسة اللواء المنشق عن الجيش علي محسن صالح وهما التكوينان اللذين ذابا وانتهيا ضمن قوام وزارة الدفاع الجديد, كما كان لافتا إقالة نجل شقيق صالح من قيادة الأمن المركزي ونجله الآخر من قيادة لواء مشاة. وجاءت القرارات فيما تشهد البلاد انفلاتا أمنيا غير مسبوق, استغله تنظيم القاعدة لتنفيذ العديد من الهجمات ضد ضباط في الجيش اليمني, وجاءت تلبية لمطلب رئيسي لشباب الثورة الذين صعدوا في الآونة الأخيرة من مسيراتهم الميدانية المطالبة بتوحيد الجيش وإقالة أقارب صالح. وكان هادي قد أقال في مرحلة سابقة عددا من القيادات القريبة من صالح من قيادة الجيش والدولة أبرزهم أخوه غير الشقيق من قيادة القوات الجوية وزوج ابنته من إدارة الخطوط اليمنية وأصهاره من وزارات وسفارات ومصالح حكومية, فضلا عن قيادات محسوبة عليه في مؤسسة الرئاسة وقيادة الأمن القومي. وانسجمت الإشارات القوية الداعمة من مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والإدارة الأمريكية لقرارات هادي, مع ترحيب داخلي من الأحزاب وشباب الثورة مع قلق من أن يعاكسها التيار بتمرد ورفض لها خاصة أنها ستطبق علي مدي قد يصل إلي سنة كاملة كما شهدت قرارات سابقة رفضا من بعض القيادات العسكرية. غير أن إشارات أخري إيجابية معلنة من قبل المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح جاءت لتزيل اللبس من احتمال التمرد السريع علي القرارات, حيث رحب السكرتير الإعلامي لصالح أحمد الصوفي بالقرارات, متمنيا من الرئيس هادي الإمساك بزمام قيادة القوات المسلحة للدفاع عن حياض الوطن وتعزيز الأمن والاستقرار وصيانة الوحدة اليمنية وبما يسهم في أن تكون القوات المسلحة عنصرا فاعلا في جعل اليمن جزءا فاعلا في محيطه الإقليمي والدولي, كما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وقال الصوفي: إن الخلافات السياسية والمواقف المتباينة لا ترجحها قوة السلاح وأن الشرعية الدستورية تستند في قوتها علي الالتزام بتطلعات الشعب اليمني. وتقول مصادر سياسية في حزب المؤتمر الشعبي إن الرئيس هادي بقراراته حسم الجدل الدائر منذ عامين حول هيكلة الجيش اليمني, وأغلق كما يفترض الباب علي كل الأعذار التي كانت ترفعها أحزاب اللقاء المشترك للتنصل من التزاماتها في إنهاء مظاهر الأزمة ورفع الساحات ووقف التصعيد ميدانيا وسياسيا وإعلاميا, كما أنه سد كل الذرائع أمام أطراف العملية السياسية للانخراط في الحوار الوطني دون قيود أو شروط. وتؤكد المصادر في لهجة تبدي عدم الرضا الكامل علي القرارات أنه لولا سوء توقيت إصدار تلك القرارات وما بدا أنه رضوخ من القائد الأعلي للقوات المسلحة لأطراف سياسية خرجت تهدده قبل أسبوع بمسيرات الإنذار الأخير, وكذا ما بدا أنه استقواء بالخارج والمجتمع الدولي من قبل الرئيس التوافقي في إصدار تلك القرارات, لصفق الجميع لتلك القرار وباركوها. ويتفق هذا التحليل مع ما قاله الصحفي المقرب من علي صالح نبيل الصوفي من أن قرارات هادي ستلغي مسمي الحرس الجمهوري, لكنها ستحول القوات المسلحة في البلاد إلي مؤسسة شبيهة بماكان عليه الحرس ولكن للرئيس الجديد. وكان ينظر إلي الحرس الجمهوري بأنه أفضل أجنحة الجيش اليمني تسليحا, ويقوده العميد أحمد علي عبدالله صالح, ويضم أكثر من30 لواء. بينما تتشكل الفرقة الأولي مدرع أيضا من23 لواء والتي كانت تحت قيادة القائد العسكري القوي اللواء علي محسن الأحمر الذي انضم للانتفاضة ضد صالح العام الماضي, ما شكل شرخا في الجيش بين مؤيد للرئيس السابق ومعارض له. ويوضح نصر طه مصطفي مدير مكتب رئاسة الجمهورية بصنعاء خلفية القرارات الرئاسية بقوله إنها حصرت تكوينات الجيش في قوات برية وبحرية وجوية وحرس حدود وإلغاء كل المسميات التي كانت قائمة, كما أنها نتاج لعمل علمي أخذ وقتا طويلا ونقاشات معمقة وضعت نصب عينيها مصلحة اليمن أولا وأخيرا. ويضيف مصطفي: الهيكلة الجديدة تعني أن بالإمكان أن يتولي منصب وزير الدفاع شخصية مدنية كما هو حال الدول الديمقراطية وسيكون للوزير أربعة مساعدين بينما سيكون هناك نائب واحد لرئيس الأركان الذي ستتبعه كل الوحدات العسكرية عدا ألوية الحماية الرئاسية والصواريخ التي ستتبع القائد الأعلي. ووصف أستاذ الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشجاع قرارات الرئيس هادي بالشجاعة, وأنها تصب في مصلحة اليمن, وتوجه عددا من الرسائل المهمة لكل مكونات الشعب اليمني. وقال الشجاع إن قرارات الرئيس جردت عائلة صالح من الأسلحة التي كانت تقتل بها اليمنيين خلال السنوات الماضية, كما أن القرارات وجهت رسالة لشباب الثورة بأن الرئيس هادي قد بدأ في اتخاذ خطوات عملية كبيرة لتحقيق التغيير الذي ضحوا من أجله, ومن شأنها التمهيد لبناء الدولة المدنية الحديثة. وأشار الشجاع إلي أن القرارات وجهت أيضا رسالة للقاعدة والجماعات الإرهابية, أن الدولة قد تحررت من هيمنة العائلة, واستعادت إرادتها وقوتها, وأن الأساليب القديمة في التعامل مع الجماعات الإرهابية قد هجرتها اليمن وإلي الأبد. الأهرام المصرية