إن مسألة بناء الجيوش الوطنية ليست أمرا هينا و بسيطا كما يعتقد بعض السياسيين المجوفين الذين يروا أن الجيش ليس أكثر من عتاد حربي تقدمه دولة صديقة و مجموعة أفراد يكملوا ذلك العتاد. وعيهم القاصر و جهلهم المريب يحول دون أن يدركوا أو يعوا، أن الجيوش دول ومنظومات متكاملة من البناء و القوام و العقائد المتأتية من السياقات التاريخية و المنبثقة من المشاريع الوطنية الجمعية. إن أي خطوات تقوم بها السعودية و تحالف هادي في سياق زعمهم إنشاء جيش وطني ليس إلا محاولة حقيرة للإجهاز على الجيش اليمني بصفته مؤسسة وطنية تاريخية. بغض النظر عن كل إعتلالاته و انحرافاته و تحوله غالبا إلى أداة ضدا عن المصالح الوطنية. هذه الاعتلالات و الانحرافات في الجيش لا تعطي أي مبرر موضوعي لحله و إلغائه و إنشاء جيش آخر على أنقاضه. هذا الجيش شكل عبر مائة عام جزءا من الذاكرة الوطنية و اسهم في العديد من المنعطفات الهامة في تاريخ اليمن. هذا الجيش تأسس في الشمال عام 1925م و استخدمه الإمام لترسيخ سلطته. لكنه الجيش الذي خرج منه الضباط الأحرار و الجيش الذي انقلب على النظام الإمامي و حمل على كاهله الجمهورية. و في الجنوب تأسست نواته من فصائل الضباط الذين خاضوا حروب التحرير و الاستقلال. و حمل على كاهله الجمهورية الاشتراكية في الجنوب. و هذا كله لا يعني أن هذا الجيش لم يكن في أحوال كثيرة قد انحرف عن مساره الوطني. بل انه وقع في العديد من السقطات. و انفصل تماما عن المشروع الوطني بعد حرب صيف 94م. و تحول إلى إقطاعية بيد صالح و رجاله. لكن هذا لا يبرر أيضا لحله. المؤكد أن الاختلالات في الجيش اليمني ليست ذات طبيعة بنيوية أو هيكليه و إنما كلها اختلالات وافدة من بوابة السياسية. فرغم ما قد آلت إليه الأوضاع اليوم، إلا أن الجيش اليمني لازال موجودا كأفراد و قوام و هياكل و إرشيف. و لا زالت مرتباته تدفع لليوم من خزينة الدولة اليمنية. لذلك فان الحديث عن بناء جيش وطني بحجة سيطرة صالح و الحوثي عليه هو مؤامرة خطيرة ليس على الجيش، و إنما على الدولة اليمنية و الذاكرة التاريخية و الهوية الوطنية. إن حل جيش لسيطر قائد أو مكون سياسي عليه هو عمل غير رشيد و غير ممنطق و يهدف إلى انجاز نسف الجوامع الوطنية. و طالما و أن مشاكل الجيش كلها سياسية فالذي يفترض بأي سلطة وطنية في مثل هكذا حال هو إصلاح الجيش و إعادة هيكلته بتخليصه من النخبة التي تتحكم فيه و التي بنت مصالحها في قنواته، و من ثم إعادة هيكلته و رفده بأفراد جدد لتحقيق التوازن القوامي، خاصة و ان هناك تجارب لا زالت حية تذكرنا بالكوارث التي تبعت بحل الجيوش و إنشاء جيوش على أنقاضها. و لنا في جيش العراق عبرة فبعد حل الجيش العراقي في 2003م، نشاء على انقاضاضه جيش طائفي مناطقي بعيد كل البعد عن الوطنية، و هذا ما هو مخطط له الآن ضد الجيش اليمني.