لا شك أن «القاعدة» تنظيم عنيد ومقاوم، لكن يجب عدم المبالغة في تقدير نجاحاتها، ف«القاعدة» ليست ألمانيا النازية ولا الاتحاد السوفياتي، وسيؤدي، على الأرجح، اعتماد سياسات حذقة لعزلها عن أغلبية المسلمين، إلى جانب مواصلة الاعتداءات على معاقلها ومناهضة أفكارها الإيديولوجية، إلى فناء هذه الجماعة في نهاية المطاف. أصدرت « القاعدة » لتوها أحدث دليل لها ضمن سلسلة الكتيبات التي تتوجه إلى المجاهدين في الغرب الذين يريدون تنفيذ عمليات قتل من دون تكبد عناء السفر إلى باكستان للحصول على التدريب. لكن هذه المرة، صدر هذا الدليل باللغة الإنكليزية وهو يفسر بالتفصيل طريقة تصنيع القنابل، وكيف تمكنت « القاعدة » سريعاً من التحول إلى أول منظمة إرهابية عالمية قادرة على تجنيد وتدريب المتعصبين على الإنترنت وميدانياً في آن.
« بعد مرور عشر سنوات تقريباً على أخطر اعتداء يطول الأرض الأميركية على يد قوة خارجية منذ أن أحرق الجيش البريطاني واشنطن عام 1814، لاتزال » القاعدة ناشطة وفتاكة. مارس الرئيس أوباما ضغوطاً كبرى على أسامة بن لادن وعصابته من خلال توجيه ضربات جوية بطائرات بلا طيار، لكن التنظيم لايزال يتمتع بقدرة عالية على التكيّف وتنفيذ العمليات والمقاومة.
« ل » القاعدة « اليوم أربعة وجوه: الأول وجه مألوف: إنها الجماعة الأساسية التي تضم بن لادن ونائبه أيمن الظواهري. انطلاقاً من قاعدتها المتمركزة في الأراضي الوعرة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، لايزال هذا المحور يوجه عناصر التنظيم نفسه وجماعة المجاهدين في أنحاء العالم أيضاً، على المستوى الاستراتيجي. لقد أدت هذه المطاردة التي تُعتبر الأخطر في تاريخ البشرية- وقد شملت اعتداءات بطائرات بلا طيار- إلى تضرر جوهر » القاعدة، ولكنها لم تنجح قط في تدميرها.
« أما الوجه الثاني ل » القاعدة « ، فيتمثل بمجموعة الشبكات الإرهابية التي تتعاون (صراحةً أو خفيةً) مع التنظيم في باكستانوأفغانستان، ومن المعروف أن حركة » طالبان « الباكستانية المسؤولة عن محاولة تفجير سيارة مفخخة في » تايمز سكوير « ، في شهر مايو الأخير، متحالفة علناً مع بن لادن. أما جماعة » عسكر طيبة « التي خططت لاعتداء مومباي منذ سنتين، فهي متحالفة مع » القاعدة بشكل سري، لكن من المعروف أن الجماعتين خططتا معاً لتنفيذ الاعتداء الفاشل على الدنمارك في عام 2009. عادت تلك الخطة نفسها إلى الواجهة هذا الشتاء، حين اعتقل الدنماركيون أربعة إرهابيين مسلحين كانوا يسعون إلى الاعتداء على مكتب صحيفة، يوم رأس السنة، لأنها نشرت رسوماً كاريكاتيرية تسخر من النبي محمد. « تبقى حركة » طالبان « الأفغانية الشريك الرئيسي ل » القاعدة « في أفغانستان. صحيح أن » طالبان « غالباً ما تنشط بشكل مستقل، إلا أنها تتعاون أيضاً لتنفيذ أعمال مشتركة مع » القاعدة « ، كما حصل في الاعتداء المميت على قاعدة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في خوست، في 31 ديسمبر 2009. كان ذلك الاعتداء، الذي أسفر عن مقتل سبعة أميركيين، عملية مشتركة بين » القاعدة « و » طالبان « الأفغانية و » طالبان الباكستانية.
« يمكن رصد الوجه الثالث ل » القاعدة « في الفروع الإقليمية المنتشرة في أنحاء العالم الإسلامي. تشمل تلك الفروع منظمات في شمال إفريقيا واليمن وإندونيسيا. نظمت » القاعدة « في اليمن، وهي تُعتبر أخطر فروع التنظيم في المنطقة، محاولة تفجير طائرة يوم عيد الميلاد، عام 2008، ومحاولات الاعتداء بالطرود المفخخة التي استهدفت شيكاغو في شهر أكتوبر. في أنحاء خليج عدن، يطرح أتباع » القاعدة « في الصومال خطراً متزايداً على أجزاء أخرى من إفريقيا، وهذا ما أثبتوه خلال كأس العالم حين أرسلوا انتحارياً إلى أوغندا. حتى فرع » القاعدة الأقل شأناً في العراق يتابع عملياته من وقتٍ لآخر، وقد أعلن مسؤوليته عن محاولة تنفيذ تفجير انتحاري في السويد، في الشهر الماضي. « في غضون ذلك، تعلّمت مختلف فروع » القاعدة « من أخطاء المنظمات الأخرى التابعة لها وتكيّفت مع الوضع. حاولت » القاعدة « في العراق مثلاً القضاء على حركة التمرد السُّنية، لكن تم التصدي لمحاولاتها. في باكستانوأفغانستان اليوم، سمحت لعناصر » طالبان المحليين بقيادة جهود الحرب بينما بقيت هي في الظل.
« أصبح المجاهدون الذين يطلقون مبادرات إرهابية من تلقاء نفسهم، من دون أن تربطهم أي علاقات رسمية بالجماعات الإرهابية، يمثّلون الوجه الرابع ل » القاعدة « . كانت مجزرة » فورت هود « ، في تكساس، من تخطيط أحد الأفراد المنتمين إلى من هذه الفئة. أحياناً، يتواصل هؤلاء المبتدئون مع » القاعدة « ، وعادةً ما يحصل ذلك في باكستان أو اليمن، فيقدمون أنفسهم على أنهم انتحاريون محتملون، ويتلقون التدريب من التنظيم. هذا ما حصل مع ثلاثة أميركيين تدرّبوا على يد » القاعدة في باكستان لتصنيع القنابل وخططوا لتفجير أنفسهم في قطار الأنفاق في مدينة نيويورك بعد أيام قليلة على ذكرى 11 سبتمبر، في عام 2009، وقد أُحبط هذا المخطط بفضل جهود مكتب التحقيقات الفدرالي. لكن حتى عندما ينفذ الإرهابيون مهمات على حسابهم الخاص، مثل العملية التي حصلت في فورت هود، فغالباً ما يتأثرون بوجود التنظيم وهدفه من الجهاد العالمي. « تتحد جميع وجوه » القاعدة تحت راية خطاب التنظيم والإيديولوجيا التي يتبناها. بعد أن أسس بن لادن وشريك فلسطيني له توفي منذ زمن بعيد، اسمه عبدالله عزام، جوهر هذا التنظيم، في أثناء الحرب ضد السوفيات في أفغانستان خلال حقبة الثمانينيات، لطالما كان الهدف تحويل التنظيم إلى جهاد عالمي، أو حرب ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها على أن تندلع في أنحاء الكرة الأرضية لإجبار الولاياتالمتحدة على الخروج من العالم الإسلامي والتخلي عن إسرائيل.
« لا شك أن » القاعدة « تنظيم عنيد ومقاوم، لكن يجب عدم المبالغة في تقدير نجاحاتها، ف » القاعدة ليست ألمانيا النازية ولا الاتحاد السوفياتي، وسيؤدي، على الأرجح، اعتماد سياسات حذقة لعزلها عن أغلبية المسلمين، إلى جانب مواصلة الاعتداءات على معاقلها ومناهضة أفكارها الإيديولوجية، إلى فناء هذه الجماعة في نهاية المطاف. « تبنّى أوباما مقاربة مماثلة من خلال مهاجمة خطاب القاعدة وتفكيره الإيديولوجي، فقد شكلت خطاباته في تركيا ومصر، ومبادرة السلام التي أطلقها مع الإسرائيليين والفلسطينيين، وجهوده للتواصل مع الأغلبية العظمى من المسلمين الذين يرفضون » القاعدة، جزءاً من تلك المساعي. في الواقع، قلّة من المسلمين يؤمنون بالجهاد العالمي اليوم، لكن يمكن أن تغير مجموعة صغيرة من الانتحاريين المتعصبين مصير الأمم، لقد استخلصنا جميعاً هذا الاستنتاج منذ تسع سنوات. « * مسؤول بارز في مركز » سابان « التابع ل » معهد بروكينغز « . أحدث كتاب له يحمل اسم » اتحاد قاتل: باكستانوالولاياتالمتحدة ومستقبل الجهاد العالمي (Deadly Embrace: Pakistan, America, and the Future of the Global Jihad). جريدة الجريدة