ما يزال اليمنيون وبينهم الشباب الثائر في ساحات التغيير والحرية يبحثون عن القطار الذي قال الرئيس علي عبدالله صالح أنه قد فاتهم في احد خطاباته "السبعينية"- نسبة الى ميدان السبعين- ويستغربون حديث الرئيس عن القطار فيما لا يوجد بالأساس قطار واحد في اليمن يركبونه, فكيف فاتهم القطار اذا... كان الرد العملي لبعض الشباب في ساحات التغيير بصنعاء,هو نصب لوحة كبيرة تحتضن صورة لعشرة حمير في قطار طويل يركبها مسؤولون مقربون من الرئيس صالح ونجله أحمد ومكتوب في الأعلى, كلمات الرئيس, فاتكم القطار ...فاتكم القطار... النكتة في اليمن قديمة, ولكن النكتة السياسية تحديداً لها مدلول مباشر للتعبير عن رأي الطرف الأخر بسخرية واستهزاء مشروع في الميدان السياسي, فكيف الحال إذا كانت الحالة الآن هي حالة ثورية بامتياز؟! والنكتة السياسية فسحة للضحك والابتسامة للمواطن في فضاء ملبد بالغيوم الداكنة سياسيا أو ثوريا أو أيام الأزمات والنكبات الطبيعية وغير الطبيعية.والسؤال المهم الآن هو: ما جدوى النكتة السياسية هذه الأيام؟ وهل تفيد الخط الثوري أم تسئ له, وهل من العقل الحديث عن النكتة وتبادلها في ظل وجود إراقة للدماء والقتل والضنك الحياتي في كل المناحي؟ وما دور النكتة في الفعل السياسي والثوري؟وما تأثيرها؟ الواقع أن النكتة لها مفعول السحر في حياتنا, وتمثل خطابا إعلاميا مهماً منذ القدم, وقد عرف العرب النكت والنوادر على سبيل الفرفشة تارة والنقد البناء تارة أخرى, وتتنوع النكتة وتهدف لنقد الأوضاع السياسية ضد الحاكم, او لنقد الأوضاع المعيشية، أو لسرد الحكايات والمواقف الطريفة, والمستطرفة في مجالات عدة كالقضاء وميادين الشعراء والمثقفين, أو في الحرب والمجالس الخاصة والعامة.. وتحتل "النكتة" السياسية في العصر الحاضر مكانة رفيعة جداً وتتنوع وتتعدد أساليبها, فمنها سرد المواقف المضحكة والناقدة في نفس الوقت ومنها الرسومات والكاريكاتير, والصور ومقاطع الفيديو الضاحكة.. خلال الثورتين التونسية والمصرية, ظهرت عشرات النكت والمواقف للزعماء العرب والمسؤولين التي واكبت الثورتين, وانتشرت كالنار في الهشيم في البلدين بل ووصلت إلى المجتمعات العربية دون استثناء, ويتكرر الأمر الآن في الثورات الليبية واليمنية والسورية, التي حازت على الكثير من الاهتمام والتداول, ووصلت إلى الصحافة العربية والعالمية وعمل منها بعض المؤلفين مسرحيات ضاحكة وبرامج فكاهية تلفزيزنية رائجة جداً. الفيس بوك و"النكتة" الفيس بوك سيطر على المشهد السياسي في العالم, ولا مبالغة في ذلك البتة, وكان الفيس بوك على الشبكة العنكبوتية هو المحرك الاساسي والفعلي للثورات العربية, والتغيير المطلوب في الشعوب العربية الذي تبناه الشباب الواعي والمثقف بهذه البلدان...وعلى موقع الفيس بوك انتشرت آلوف الصفحات الشخصية والمجموعات التي تتحدث عن الوضع العربي والثورات الملتهبة في الكثير من بلدانه وخصص بعض الشباب العربي صفحات مخصصة للنكتة في الثورات العربية, ومنها صفحة خفة الدم المصريين في الثورة وخفة دم اليمنيين في الثورة ومجموعة أخرى تسمى خفة الدم اليمنيين في المظاهرات.. لكن الكثير من النكات ومقاطع الفيديو والصور الضاحكة يتبادلها الأعضاء المشتركون فيما بينهم بسلاسة عبر صفحاتهم الشخصية. يقول فاتك الرديني وهو صحفي يكتب في الصحافة الانجليزية وأحد أعضاء مجموعة خفة دم اليمنيين في الثورة لقد وجدت في المجموعة متنفساً جديدا للتعبير عن مكوناتنا الداخلية تجاه الأوضاع السياسية في البلد, وفرصة سهلة في ذات الوقت للحصول على ابتسامة ترتسم على شفاه الكثيرين في ظل وضع لا يساعد على الابتسامة والفرح. ومجموعة خفة الدم اليمنيين في الثورة تضم مئات الأعضاء من اليمن, رغم أنها أنشئت منذ شهر تقريباً وتلاقي إقبالا واسعا كل يوم, ويجد فيها المشاركون فرصة للترويح عن ذواتهم, بعيداً عن ضغوط الثورة والمشاكل المحيطة بحياتهم المعيشية, وان كان هدفها الأساس هو التعبير عن الحالة السياسية والموقف الشخصي تجاه الأحداث التي تجري حولهم.. كما تضم المجموعات الأخرى مئات الأعضاء أيضاً, وكان البعض يحاول تحويلها من نكت على الحاكم إلى نكت على الشعب, ولكن في الأخير غلب الشعب على الحاكم المستبد.