ارتفاع تكاليف الشحن إلى ميناء عدن يفاقم الأزمة الاقتصادية    مخطط منسق لاستهداف الجنوب من المهرة إلى باب المندب    بن حبريش بين أوهام الزعامة واستعراض خريجي الشرطة    استنزاف القوات الجنوبية في أبين مدعوم من قوى سياسية وإرهاب منظّم    الشعب اليمني بات جاهزا للمعركة وانتزاع حقوقه بالقوة    #حتى_عري    من حقق الأهداف ومن المنتصر في حرب غزة؟..تقييم المنتصر عسكريًا واستراتيجيًا    سوريا.. آليات العدو الإسرائيلي تتوغل في ريف القنيطرة    انطلاق قمة "آسيان" في ماليزيا    برشلونة مثقل بالغيابات.. وهجوم الريال كامل العدد في الكلاسيكو اليوم    النبهاني مخاطباً السلطات في اليمن: اتركوا الإعلاميين وشأنهم وتفرغوا لملاحقة القتلة    صنعاء.. الافراج عن فنانة يمنية بعد خمس سنوات من السجن    الصحة العالمية تعلن عن ضحايا جدد لفيروس شلل الاطفال وتؤكد انه يشكل تهديدا حقيقيا في اليمن    الصحة العالمية تعلن عن ضحايا جدد لفيروس شلل الاطفال وتؤكد انه يشكل تهديدا حقيقيا في اليمن    مقتل ثلاثة صيادين بانفجار قبالة جزيرة كمران    الكلاسيكو سيُقام بسقف مغلق في البرنابيو    قراءة تحليلية لنص "سيل حميد" ل"أحمد سيف حاشد"    الجماهير تطالب باقالة مدرب المافريكس    محافظة إب تسجل حالتي انتحار وسط تصاعد الأزمات النفسية والمعيشية    نزيف رياضي في إب.. مغادرة جماعية للاعبين إلى السعودية هربًا من الفقر    الدوري الالماني: دورتموند يخطف الفوز من كولن    تصدير أكثر من مليوني مركبة عبر ميناء شانغهاي خلال 9 اشهر    باحثون وأكاديميون في مأرب يناقشون الدور السعودي في دعم فلسطين والتصدي لحملات التشويه    عدن تئن تحت الظلام والجوع.. وعود الحكومة لا تضيء المصابيح    مدارس القزعة بالشعيب تحتفي بأوائل الطلاب في حفل تكريمي    الهلال الأحمر الإماراتي يدشن بئر مياه جديدة في غيل باوزير يستفيد منه 30 ألف نسمة    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة المناضل الأكتوبري عبدالرب طاهر الخيلي    مليشيا الحو.ثي تقتحم مكتبي المبعوث الأممي ومنظمة الفاو في صنعاء وتنهب محتوياتهما    تدشين المخيم الطبي المجاني لأسر الشهداء في عمران    برشلونة في ورطة الكلاسيكو: غياب المدرب يُضاف لخسارة رافينيا    تدشين مشروع إكثار بذور فول الصويا في باجل    اختتام دورات تدريبية في مجال تربية النحل وإنتاج العسل في البيضاء    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    خاطبوا الأمعاء أولا    عدن: بين سل الفساد ومناطقية الجرب    الاتحاد العام للدارتس يدشًن البطولة التأسيسية المفتوحة الأولى    روسيا تتحدى الحظر الغربي وتصدر الحبوب إلى مناطق سلطة صنعاء    السفير الروسي: اليمن يمر بأصعب مرحلة في تاريخه    سجن "الأسد" وظلال "شريان": جدلية السلطة والقيمة في متاهة الاعتقال    ضباط أمريكيون يشرفون على عمليات إسرائيل في لبنان    سفير روسيا: نبحث تطوير محطة "الحسوة الكهروحرارية"    معظمها في مناطق المليشيا.. الصحة العالمية تسجل 29 إصابة بشلل الأطفال منذ بداية العام    قمة صينية أمريكية لخفض التوتر التجاري بين البلدين    الخائن معمر الإرياني يختلس 500 مليون ريال شهرياً    17 عام على كارثة سيول حضرموت أكتوبر 2008م    لسنا كوريا الجنوبية    الهلال يحسم كلاسيكو اتحاد جدة ويواصل الزحف نحو القمة    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    من عدن كانت البداية.. وهكذا كانت قصة الحب الأول    الآن حصحص الحق    نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين : النقابة جاهزة لتقديم كل طاقاتها لحماية عدن وبيئتها    عهد تحلم ب«نوماس» نجمة ميشلان    احباط تهريب آثار يمنية عبر رحلة اممية بمطار صنعاء    الأحرار يقفون على أرضية مشتركة    المجلس الاستشاري الأسري يقيم ندوة توعوية حول الصحة النفسية في اليمن    صوت من قلب الوجع: صرخة ابن المظلوم إلى عمّه القاضي    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الفريق "الغماري"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زنجبار مدينة نار تتوشح رداء الانهيار
حينما يتحول الوطن إلى خيمة
نشر في يمنات يوم 14 - 08 - 2011

يبدو المشهد في "زنجبار"، عاصمة محافظة أبين، جنوبي اليمن، أكثر ضبابية بعد 3 أشهر من المواجهات المسلحة بين قوات تابعة للجيش وجماعات مسلحة تسمي نفسها "أنصار الشريعة"، فيما تقول السلطات إنها تتبع تنظيم القاعدة، إذ ساد معظم جبهات القتال هدوء نسبي خلال أيام شهر رمضان المبارك لم تبدده إلا طلعات جوية للطيران الحربي خلال الأيام القليلة الماضية على مواقع للمسلحين أسفرت بحسب المصادر الحكومية عن مقتل ثلاثة وإصابة 6 آخرين .
يأتي ذلك عقب أيام قليلة من المجزرة التي ارتكبها الطيران الحربي بحق أبناء القبائل المساندة للجيش على مداخل مدينة زنجبار، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 25 قتيلاً بينهم ضباط كبار "متقاعدون" وعدد من المشائخ والأعيان، ففي وقت أكدت وزارة الدفاع أن الحادث وقع عن طريق الخطأ، أكدت مصادر قبلية أنه كان حادثاً متعمداً هدفه "تقويض جهود أبناء المحافظة وعزمهم على تطهيرها بعد أن لمسوا تخاذلاً وتهاوناً واضحين، حسب وصفهم في حسم المعركة ومحاولة إطالة أمدها"، وإن كان ذلك على حساب الناس المشردين في كل من عدن، لحج، شبوة، حضرموت وغيرها .
مراقبون اعتبروا مقتل أبناء القبائل "مسماراً" في نعش الجهود الرامية لتخليص المحافظة من الجماعات المسلحة ومحاولة من الحكومة للإبقاء عليها أطول فترة ممكنة واستخدامها "كورقة سياسية" يلوٌح بها النظام لتخويف دول الخليج والعالم، بخاصة الولايات المتحدة للإبقاء عليه، لكن الأمور في أبين تبدو "مأساوية" أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد قطع الطريق بين محافظتي عدن - أبين (50 كيلومتراً تقريباً) بقرار من قبل قائد المنطقة العسكرية الجنوبية العميد مهدي مقولة، أحد أنصار النظام بداعي تجنيب الجنود العمليات الانتحارية المحتملة، الأمر الذي تسبب في معاناة كبيرة لكل سكان المحافظة، بخاصة على الصعيدين "التمويني والإنساني"، بعد أن تمت محاصرة المحافظة اقتصادياً، وباتت المدن الكبرى فيها مثل (جعار، لودر، مودية، رصد وشقرة) وباقي القرى المنتشرة على مساحة إجمالية قدرها 430 كيلومتراً ويقطنها أكثر من 500 ألف نسمة، مهددة بالمجاعة والنزوح الجماعي لتلحق بالعاصمة زنجبار التي نزح منها أكثر من 90 ألف أسرة وتحولت إلى مدينة أشباح .
ودفع قطع الطريق سكان المديريات إلى اتخاذ طريق آخر بديل عبر محافظة لحج، مروراً بمنطقة "الحرور" الرملية، التي تكدست فيها أعداد هائلة من شاحنات نقل البضائع لتصبح المسافة التي كان يقطعها الراكب من عدن إلى أبين والعكس 7 ساعات كاملة، فيما كانت المسافة قبل ذلك لاتتجاوز ال 30 دقيقة لا غير .
تداعيات القرار ترتب عليها أيضاً نفاذ للمواد التموينية وزيادة جنونية في الأسعار وتعريفة المواصلات وشح الوقود، ما اعتبره مراقبون "عقاباً جماعياً" على كل السكان هناك وحكماً ب"الموت الزؤام"، ؛ فيما يرى آخرون أن قطع الطريق بين أبين وعدن لفرض إيصال الإمدادات التموينية والعسكرية بمنأى عن أعين الناس حتى تتمكن من تضييق الخناق أكثر على اللواء 25 ميكا الصامد في زنجبار بهدف إرغامه على الاستسلام للجماعات المسلحة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن ؛ فضلاً عن ذلك، فان القرار ليس له قيمة أو أهمية في تعديل ميزان الحرب بين الجيش والقاعدة ولا يعدو إلا أن يكون عقاباً جماعياً يمارس على أبناء أبين ؛ فضلاً عن تشريدهم من مدنهم وقراهم لمنح المسلحين فرصة التشبث أكثر بالمواقع التي احتلوها بعد هروب قيادات المحافظة حتى قبل دخول المسلحين إليها في عملية تبدو "مشبوهة" إن لم تكن مقصودة، والضحية مئات الآلاف من السكان الذين يعانون اليوم مرارة الظلم والحرمان .
لماذا أبين بالذات؟
يتساءل الكثير من المراقبين عن السبب الذي جعل أبين من بين عموم المحافظات طوال نصف عقد من الزمن محور كل الأحداث التي شهدتها البلاد بدءاً من الخطوة التصحيحية في يونيو/ حزيران 1969 إلى أحداث عام ،1978 و1986 في فترة التشطير، وعام 1994 و2003 في عهد الوحدة، والحرب الأخيرة كانت أول حرب يخوضها اليمن ضد ما يسمى "الجماعات الجهادية"، والتي توجت بإعلان قائد المسلحين خالد عبدالنبي ولائه للسلطة في صنعاء لينال المكرمات والعطايا، كما جرت العادة في منح كل من خرج عليها وحاربها "أوسمة الاستحقاق والرتب العسكرية والمرتبات الشهرية" .
لقد تحملت أبين وحدها "ويلات" الحروب بدءاً من جبالها في حطاط إلى هضابها في "المعجلة"، وصولاً إلى سواحلها في زنجبار وجعار والحصن حيث محرقة مصنع 7 أكتوبر/ تشرين الأول قبل 4 أشهر من الآن وتشريد آلاف الأسر مؤخراً بدعوى محاربة تنظيم القاعدة، والتي أزهقت على إثرها أرواح الكثيرين وهدمت منازلهم وأحرقت مزارعهم بينما ينال المتسببون في ذلك الكثير من الدعم .
"مصائب قوم عند قوم فوائد"، هكذا هو المشهد اليوم خاصة عند عدد كبير من مسؤولي محافظة أبين، بخاصة من قبل من يرتجي منهم مواقف تساعد على تخفيف "وطأة" المعاناة التي يعاني منها أبناء المحافظة، ووضع الحلول الناجعة للأزمة التي عصفت بحياة الناس وأحالت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، فالأخبار التي يتداولها العامة تشير إلى مبالغ طائلة صرفتها الحكومة لعدد من المسؤولين المنتمين للمحافظة المنكوبة بداعي تأليب وتجميع القبائل لمحاربة القاعدة، إلا أن شيئاً لم يتم على أرض الواقع، بل إن بعضهم آثر المغادرة إلى خارج البلاد، وبهكذا أفعال تتم "المتاجرة" بأرواح الناس والتلذذ بآلامهم ومعاناتهم .
الوطن "الخيمة"
ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه طريداً تتقاذفه الهموم وتعصف بحياته المكدرات في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وأقسى الشعور ب"المهانة" حينما يتحول الوطن في عيون أبنائه إلى مجرد "خيمة" يبحث عنها ويتوسل لأجل الحصول عليها في زمن قاس يلوك فيه الجميع مرارة الظلم والحرمان .
زنجبار، مدنية نار، هكذا هي اليوم أمام من أراد لها أن تتوشح ب"رداء الانهيار"، لا لأنها قد أعلنت خروجها عن الطاعة ورفعت "بيارق" عصيانها في وجه النظام، ولا لأن سكانها "مرتزقة ومجرمو حرب ينبغي قتالهم"، ولكنها مسرحية تهدف إلى تركيع سكانها وتشريد أسرها وتجويع أطفالها، وإهانة نسائها وإذلال شيوخها .
لقد قذفت الحرب في أبين بعشرات الآلاف من أبنائها إلى جحيم التشرد في أكثر من محافظة، فعدن وحضرموت وشبوة ولحج تحتضن الآلاف من الذين أرغمتهم الأحداث على الفرار من أبين، وبدأ الإعلام الرسمي يتحدث عن "لاجئين" داخل وطن يفترض أن يعمل على احتضان الجميع .
في المدن التي هربوا إليها، يحاول أبناء أبين التعايش مع الأمر الواقع، صحيح أن أبناء هذه المدن لا يتعاملوا معهم كلاجئين، بل كأبناء وطن واحد، إلا أن الشعور بالمرارة هو الذي يطغى على الجميع في هذه المناطق، فقد تحولت المدارس إلى أماكن للعيش، وتحولت بعض المناطق الصحراوية إلى معسكرات مصغرة نصبت فيها الخيام ليلجأ إليها الفارون من جحيم الحرب، واختزل الوطن إلى مجرد "خيمة من القماش يتبرع بها أناس من وراء الحدود، إنها المأساة التي جعلت أبين وبقية مناطق اليمن تتحول إلى مجرد "خيام" .
من قتل ابتسام؟
صور المآسي في أبين كثيرة وجروح الآلام تنزف بغزارة من جراء القتل والتدمير لكل شيء وانتشار الجوع والمرض، لكن أشدها إيلاماً هي عدم القدرة على إنقاد حياة الصغار .
ابتسام منصور، طفله في الخامسة من عمرها أصيبت كغيرها من الأطفال بمرض "الكوليرا" والإسهال الشديد، فحاول والدها إسعافها إلى مستشفى الرازي بجعار حيث تسكن أسرتها، إلا أنه لم يجد فيه أطباء لإنقاذ طفلته، فأكثر من 200 طبيب غادروا المستشفى هرباً من جحيم الحرب وصعوبة الأوضاع، فيما بقي ثلاثة أطباء فقط يمارسون عملهم بدافع انساني بحت .
وضع الأب المكلوم صغيرته على السرير في قسم الطوارئ وكأنه قد أوصل أمانته، كان ينظر إلى صدرها وهو يرتجف صعوداً وهبوطاً ويطلق زفرات أسى، فأكد له أحد الأطباء في مستشفى الرازي أن حالتها خطيرة وأن عليه نقلها إلى أحد مستشفيات مدينة عدن القريبة، وضعها في حضنه وهرول مسرعاً يبحث عن سيارة، لكنه تذكر على الفور أن الطريق أمامه طويل وشاق وأن ال30 دقيقة تحولت إلى 7 ساعات .
تزاحمت الأسئلة في رأس الأب المفجوع، وهو يسأل عن الطريقة التي يمكن أن يوصل بواسطتها ابنته إلى المستشفى مع انقطاع وسائل المواصلات وطول الطريق التي يجب أن يقطعها، نظر إلى وجه ابنته الشاحب وقد سرق المرض الابتسامة عنه، كان يناديها وهي في حضنه والألم يمزق "نياط قلبه"، فالمرض كان قد نال من جسدها الضعيف، ضم طفلته إلى صدره وكأنه يريد أن يعطيها شيئاً من حياته حتى تعيش .
حاول بعض أصدقائه وأقاربه تخفيف الشعور بالأسى الذي اعتراه ومساعدته في ايجاد العلاج لأزمة مرض صغيرته، إلا أنهم لم يتمكنوا من عمل شيء، بخاصة بعد أن شعر الأب بالبرودة تسري في جسد صغيرته وتوقف نبض قلبها بشكل مفاجئ، فصرخ بصوت عال وهو يردد "ماتت ابتسام، ماتت ابتسام" ليعلن انضمام ضحية أخرى من أبناء وبنات أبين إلى قائمة طويلة لا تنتهي من ضحايا الحرب العبثية التي تسود اليمن اليوم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.