لا يبدو أن القرارات الأخيرة لإعادة هيكلة القوات المسلحة في اليمن, قد اعطت خصوم الرئيس اليمني السابق ومعسكره السياسي, الامتياز الذين راهنوا عليه أشهرا طويلة, لإزاحته عن المشهد وإقصائه عن لعب دور في معترك العملية السياسية وخلال الفترة الانتقالية, التي تودع عامها الأول وتستقبل العام الثاني عند منتصف المدة الزمنية المحددة من عمر الانتقالية. مع خفوت الدوي المصاحب للقرارات حاملا معه هواجس ومحاذير الممانعة والرفض, ليفقد خصوم الرئيس السابق علي عبدالله صالح ورقة ضغط وتهويل استخدمت بكثرة طوال العام إلى 19 ديسمبر موعد صدور القرارات, نشطت محاولات عبر جبهتي السياسة والإعلام لاستعادة زمام المبادرة واستدعاء ورقة ضغط جديدة / قديمة, باشتراط امتناع صالح عن العمل السياسي والحزبي ثم الخروج من البلاد كما يطالب أبرز قادة أحزاب اللقاء المشترك الذين يلحون على الشرط باعتباره جزء من مقتضيات المبادرة الخليجية واتفاق التسوية السياسية. وهو ما لم يؤيدهم فيه الرعاة الضامنون للاتفاق وسفراء الدول دائمة العضوية والمبعوث الأممي إلى اليمن. مساء الأربعاء, الموافق 19 ديسمبر, استبق الرئيس اليمني السابق – رئيس المؤتمر الشعبي العام علي عبدالله صالح, الجميع إلى الترحيب بالقرارات الرئاسية لهيكلة القوات المسلحة, وبالطريقة نفسها المعهودة عنه أرفق صالح رسائل كثيرة وعميقة طي جملة لا تتجاوز السطرين, حيث نشر له, تعليقا على القرارات, قوله: " انا استقلت لتجنيب البلاد الحروب، وللعودة للعمل السياسي والحزبي.. ونتمنى، أن تكون هذه القرارات، هي إيذان بانتهاء آخر (عذر) يعيق عودة البلاد الى روح التسوية". الكلام الموجز تضمن موقفا سريعا ومباغتا يرحب بالقرارات, ولكنه إضافة إلى ذلك حمل رسالة أقوى وأكثر إيجازا, على صلة بخطاب ثلاثة من قيادات المشترك قبلها بيوم عبر شاشة الجزيرة القطرية, والذين استعجلوا الرئيس لإصدار قرارات الهيكلة كما أعادوا الاشتراط باعتزال العمل السياسي نهائيا. في اليوم التالي كان صالح يرد بطريقة غير مباشرة وإن كانت أقوى في الدلالة, حيث استبق الجميع مرحبا بالقرارات ساعة إعلانها وأبلغ رسالته إلى من يهمهم الأمر بأنه باق ومستمر في العمل السياسي والحزبي وفي رئاسة المؤتمر الشعبي العام: "استقلت لتجنيب البلاد الحروب، وللعودة للعمل السياسي والحزبي", نقطة على السطر. من جديد, الأسبوع الماضي, أعلن مكتب رئيس المؤتمر ن صالح أرجأ رحلة علاجه والسفر إلى ما بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني", جاء هذا بعد ساعات على دعوة عبدالوهاب الآنسي أمين عام حزب الإصلاح أكبر أحزاب المشترك إلى مغادرة صالح البلاد واعتزال العمل السياسي كشرط للدخول في مؤتمر الحوار المرتقب. التصريح الصادر عن مكتب صالح ورئاسة الشعبي العام, زاد بأن رئيس المؤتمر الشعبي هو من سيرأس ممثلي الحزب إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي سيرأسه رئيس الجمهورية بحكم موقعه ومسئولياته. بالتتبع, والتتابع ليوميات الاستنزاف السياسي والمعنوي, يظهر الرئيس صالح – رئيس المؤتمر الشعبي العام, الحضور الذهني والسياسي الذي عرف عنه فيما مضى لممارسة السياسة والتكتيك وشن المناورات السياسية والإعلامية باتجاه خصوم وشركاء التسوية والحكم ذاتهم الذين رافقهم ورافقوه طوال فترة حكمه. وإن كان من تغيير طرأ, تبعا للمتغيرات الكثيرة والعميقة على امتدا 24 شهرا مضت, فهو أن صالح بات أكثر صمتا ويتبع استراتيجية الهدوء المزعج للطرف الآخر, كما لو أنه لا يترك لهم فرصة للحديث بدلا منه أو حتى بالتناوب معه. إلى ما سبق, يصعب تجاوز حقيقة أن الحكام الحاليين يتعاملون ويتصرفون في التعاطي اليومي مع الرئيس السابق, كما فعلوا دائما إلى ما قبل 2012م, معارضة صالح تبدو أكثر من كونها موقفا سياسيا ينتقل إلى غيره أو عكسه بانتقال الطرفين من وإلى المربع الآخر, لايزالون يتعاملون كمعارضة تكتسب مشروعها ومشروعيتها من كونها تعارض وتخوض صراعا يوميا مع الرئيس علي عبدالله صالح, في السابق, أو الآن. هذا يكلف حكام اليوم ثمنا باهضا من رصيدهم السياسي, حيث يفرطون بفرصة امتحانهم في ممارسة الحكم لإثبات الكفاءة والجدارة, وينشغلون ويشغلون الدولة والمؤسسات والشارع معهم بيوميات الصراع العبثي مع خصم لا شفاء لهم منه. إلى الساعات الأخيرة لم تهدأ ضجة الخصوم, الذين ضاقوا ذرعا بعلي عبدالله صالح, وتضاعف الضخ الإعلامي للشائعات والروايات من كل نوع حول قرب مغادرته وضغوطا مفترضة يمارسها الرعاة على صالح وأنها أفلحت في اقناعه بأن يحزم حقائبه ويقصد مطار صنعاء ليستقل الرحلة المقبلة إلى محطة غير معروفة. مساء أمس, تعليقا على رواية درامية اوردتها صحيفة "أخبار اليوم" التابعة للواء علي محسن الأحمر, الذي يمتنع حتى الآن عن القبول بقرارات الهيكلة التي تطال ما تحت يديه من سلطات وامتيازات مزمنة رسخها وأمكنه منها حكم الرئيس صالح وليس غيره, وكانت الرواية حول اتفاق قبله رئيس المؤتمر يقضي بمغادرته البلاد, سفه مسئول في حزب المؤتمر ما وصفها ب"الأكاذيب" وجدد التأكيد بأن "الزعيم لن يغادر أو يسافر خارج البلاد ولا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تفرض عليه السفر". جملة ما يتحصل من عرض سريع للأحداث والجولات السجال السياسي والإعلامي يعيد الصراع وجوهر الخلافات الحاصلة والمتواصلة إلى المجال الخص والشخصي, هدفا واستهدافا, بمعزل عن جميع ما قيل وسيقال حول الوطن والقضايا الكبرى التي تحمل عليه وتعلق برقبته, والوطن لا غيره من يدفع ضريبة الحساسيات الشخصية والصراع المتلبس بعناوين المجال العام والوطني.