طه العامري أن تفتقد وطنك، فأنت تفتقد هويتك، وسكينتك، وامنك، وذاتك، وشعورك بالأنتماء للمكان، الذي ولدت فيه وترعرعت، وحلمت، وشطحت باحلامك فيه ومن أجله ..! أن تفتقد وطنك، فأنت تفتقد لمحيطك الأسري والاجتماعي، وللقيم والأخلاقيات والمبادئ، التي استوطنت وجدانك.. أن تفتقد وطنك فأنت تفتقد لدفء المكان، وتناغمه نفوس كل من فيه.. أن تفتقد وطنك، فأنت تفتقد لرائحة " أمك" لعطرها، لبخورها، " لسجادة الصلاة" التي كانت تقف عليها، تواجه " الله" وتبتهل إليه، أن يحفظك، ويوفقك، ويعلي شأنك، ويحقق لك أحلامك..! أن تفتقد وطنك.. فأنت تفتقد طفولتك وشبابك، تفتقد طريقا كنت تمر بها، ومكانا كنت تلهو به وتلعب مع أقرأنك.. أن تفتقد وطنك، فأنت تفتقد لعقود من الذكريات المتداخلة بفرحها واحزانها..! أن الوطن ليس مجرد "بطاقة" ولا "جواز سفر" دونت عليهما فترة صلاحياتهما..؟! فالوطن ليس " مصنعا" و " اناء، وأنتم، وهم، وهن، ونحن" جميعا لسنا " علب فول" محدودة الصلاحية..! أن الوطن الذي نفتقده، ليس هذا الذي نحن فيه، فما نحن فيه، ليس وطننا، بل "حلبة مصارعة" لي" فرسان الخيبة" الذين ينظرون للوطن بأنه " مجرد منجم " وإقطاعية خاصة بهم فيما _نحن _ بنظرهم " كومبارس " نؤدي أدوار في" مسرحية تراجيديا"حسب توصيات المخرج..؟! أن الوطن هو احلامنا، طفولتنا، ابنائنا، وابائنا، أجدادنا، وتاريخنا الذي نلقنه ابنائنا واحفادنا، وهم بدورهم، سيلقون أحداثه أبنائهم واحفادهم..! أن الوطن هو احلامنا، وهو ماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا..! هو" وادي في القرية " وهو" حي في المدينة"، هو "حقل" تعفرت بترابه أقدامنا، ونحن نسير خلف "البتول" ننظف ترابه من الشوائب.. هو الطريق التي تعبنا وتخاصمنا من أجل شقها.. وهو المدرسة التي جاءت بعد طول غياب..! والوطن ليس " راية ملونة" ولا " نشيدا وطنيا"، والوطنية لا تقتصر على تحية العلم، ولا الوقوف إحتراما للنشيد الوطني.. أن الوطن هو الدم الذي يجري في عروقنا، والوطنية هي الشهيق والزفير والهواء الذي نستنشقه..! أن الوطن هو أبي، واباك، وأبائهم، وهو أبني، وابنك، وأبنهم، وهو حفيدي، وحفيدك، واحفادهم.. إنه" الوكر" الذي به نحتمي، و" الملاذ" الذي إليه ناوي.. وهو مسقط رؤسنا، وميدان طفولتنا، وحلم شبابنا، وكهف أسرنا، ومرتعا لشيخوختنا، وهو الحضن الذي سنواري فيه حين يحل أجلنا..! أن الوطن الذي نفتقده، ليس هذا الذي نعيشه، والوطن الذي حلمنا به، ودفعنا ثمن احلامنا دما، ودموعا، واهات، ليس هذا الذي نعيش فيه، مجبولين بالقلق، والخوف حد الرعب من الحاضر والمستقبل..! أن وطننا الذي نفتقده، لا نخاف ونحن في حضنه، ولا نقلق فيه، ولا تنتابنا الكوابيس على مستقبل أولادنا واحفادنا فيه..! أن الوطن الذي نفتقده، هو ذاك الحافل بالماضي العريق، الذي شيدت عليه حضارة اذهلت العالم.. هو ذاك الذي هندس أجدادنا جباله الشاهقة، وجعلوا فيها مدرجات تعجز عن الأتيان بمثلها " ريشة أمهر الفنانين التشكيليين" الذين ساهموا في "نهضة أوروبا" ، لكنهم لن يكونوا أكثر مهارة من أولئك الذين هندسوا مدرجات زراعية في وطني، وصمموا شبكات الري، وجعلوا من " معبد الشمس" آية من آيات الفن والجمال..! أن الوطن الذي نفتقده، هو اليمن السعيد، الواحد الموحد، تحرسه دولة النظام والقانون، والمواطنة المتساوية.. وطن يرعى الطاقات الإبداعية، لكل أبنائه، ويعيش فيه الجميع، بحرية وكرامة ومساواة، وطن خال من كل الشوائب، القبلية، والطائفية، والمذهبية، والمناطقية، والحزبية.. وطن تتجسد على ترابه كل معاني وقيم الحكمة، وترفرف في قمم جباله بيارق السعادة، وتخيم عليه سكينة وطمأنينة، وعدالة تستوطن النفوس قبل القوانين والدساتير..! أن وطننا فرحة وابتهاج، وأمل، وحب، وتعايش مشترك، وبناء وتعمير.. أن النكد والخوف والقلق، ليست أقدار كتبت علينا، بل هي صناعة من اعتادوا العيش على حساب الوطن والشعب، وليس من أجلهما، وهؤلاء ظواهر طبيعية عابرة مثلهم، مثل " الفيضانات، والزلزال، والسيول الجارفة" سوف يتجاوز وطننا وشعبنا محنتهم..! أن الوطن الذي نفتقده، وسنظل نحلم به، وسوف نوصي أولادنا، واحفادنا بأن يواصلوا مسيرتهم وتوريث الحلم لأبنائهم، واحفادهم، هو وطن الحب، والسلام، والتعايش فيه الجميع سواسية، تضللهم سحب المودة والاخلاص والوفاء والأخوة، وحتى يتحقق الحلم ويعود الوطن إلى عشاقه، من آدمنوا رائحة ترابه، ولم يدمنوا روائح "خزائنه" ولا "رائحة البارود" والدم ..؟! وسوف نبقي نورث احلامنا، وتتوارثها الأجيال بعدنا حتى يتحقق حلمنا ذات يوم.. وسوف يتحقق حتما.. من حائط الكاتب على الفيسبوك