تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أزمة مالية خانقة، تجلّت في عجزها عن صرف مرتبات موظفي الدولة للشهر الثالث على التوالي. هذا التعثّر يعكس هشاشة الوضع المالي، ويعزز المخاوف من انفجار موجة احتجاجات في المحافظات الخاضعة لسيطرتها. جذور الأزمة ترتبط الأزمة الحالية بقرارات البنك المركزي الأخيرة التي هدفت إلى تثبيت سعر صرف الريال اليمني أمام سلة العملات الأجنبية. وعلى الرغم من نجاح هذه الإجراءات في الحد من التذبذب في سوق الصرف، فإنها أفرزت تداعيات سلبية، أبرزها شح السيولة النقدية في خزائن البنك المركزي بعدن، الأمر الذي أعاق قدرة حكومة سالم بن بريك على صرف المرتبات. استياء شعبي توقف صرف المرتبات أحدث موجة استياء واسعة في أوساط الموظفين، إذ انعكس مباشرة على معيشتهم اليومية. ويتوقع أن يتحول هذا الاستياء إلى احتجاجات شعبية تربك البنك والحكومة، ما قد يعيد انهيار قيمة الصرف الى الواجهة مرة أخرى، خصوصاً مع استمرار التدهور الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة. محاولات إنقاذ مؤقتة في مواجهة الأزمة، لجأ البنك المركزي في عدن إلى طرح سندات خزانة بهدف توفير السيولة. غير أن النتائج لم تُعلن بعد، ما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الخطوة. ويرى خبراء ماليون ومصرفيون أن هذه الإجراءات تظل مؤقتة وطارئة، في ظل استمرار عجز الحكومة عن تفعيل الأوعية الإيرادية وربطها بالبنك المركزي. إيرادات خارج السيطرة أحد أبرز التحديات يكمن في سيطرة قوى نافذة في عدنوالمحافظات التي تديرها الحكومة على الإيرادات المحلية وتجييرها خارج القنوات الرسمية. هذا الواقع يضعف قدرة الحكومة على إعادة تدوير الأموال داخل النظام المصرفي، ويزيد من تفاقم أزمة السيولة. ضغوط على سوق الصرافة يؤكد خبراء ماليون أن شح المعروض النقدي المحلي لدى شركات الصرافة هو نتيجة مباشرة للإجراءات الصارمة التي اتخذها البنك المركزي للحد من المضاربات. فقد حدد سقف بيع العملات الأجنبية عند ألفي دولار فقط لفئات محدودة، مثل المرضى المسافرين للعلاج، الأمر الذي ضيّق حجم السيولة المتاحة في السوق. اختلال الدورة النقدية أزمة السيولة كشفت عن خلل هيكلي في الدورة النقدية، إذ خرجت نسبة كبيرة من الكتلة النقدية الوطنية عن النظام المصرفي الرسمي. ويرى محللون أن البنك المركزي مطالب بإجراءات أكثر شمولية لإعادة ضبط الدورة النقدية، بعيداً عن السياسات الانكماشية التي ساهمت في تضييق السيولة بدل معالجتها. سيناريوهات محتملة استمرار أزمة السيول مع عجز الحكومة عن تأمين إيرادات كافية وربطها بالمركزي، ستعمق أزمة المرتبات وتتصاعد حالة الاحتقان الشعبي. كما ان اللجوء الى الحلول الجزئية مثل بيع السندات أو الحصول على دعم خارجي سيؤدي إلى تخفيف مؤقت للأزمة، لكنها لن تعالج الازمة جذرياً. وتعد الإصلاحات الجذرية هي المخرج الحقيقي لإعادة هيكلة الإيرادات العامة، وتعزيز الشفافية، ودمج الكتلة النقدية في الدورة المصرفية الرسمية، لكنها تتطلب اجراءات حكومية فاعلة. ضعف المؤسسات أزمة السيولة في اليمن ليست مجرد مشكلة إدارية أو مالية عابرة، بل هي انعكاس مباشر لضعف مؤسسات الدولة، واختلال الدورة النقدية، وتغوّل القوى النافذة على الموارد. وبين محاولات البنك المركزي لكبح المضاربات وعجز الحكومة عن صرف المرتبات، يبقى الموظفون الحلقة الأضعف، فيما يظل مستقبل الاستقرار المالي مرهوناً بقدرة الحكومة على استعادة السيطرة على الإيرادات وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي. تم نسخ الرابط