لقد وجدت القيادة السعودية ضالتها المتمثلة في الخلاف الذي حدث عامي 93-1994 م بين الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام شريكي إعادة تحقيق الوحدة فعملت على إذكاء الخلاف حتى وصل بها الحال إلى أن تجعل احد الحليفين والشريكين في تحقيق الوحدة : الحزب الاشتراكي اليمني يفتعل أزمة سياسية طاحنة انتهت بحرب شرسة حسمت لصالح الشعب اليمني ووحدته رغم ما ترتب على تلك الحرب المشؤومة من آثار مازال اليمنيون يعانون من تأثيراتها حتى اليوم ، وعلى مدى هذه الفترة الطويلة للعلاقات اليمنية - السعودية كانت اليمن دائما في موقف المدافع تبذل الجهود الجبارة لحل مشاكل مواطنيها للحاق بعالم المتغيرات في العصر الحديث وتبحث عن جار صدوق خال البال من قصص الغزو والتوسع الجغرافي على حساب جيرانه وإن كان الوقت لا يتسع هنا لاستعراض انماط كثيرة من تصرفات ذوي القربى لأنها متعددة ومؤلمة ويكفي فقط الاشارة الى واحدة منها كونها أكثر قسوة من غيرها . فبعد حرب الخليج الثانية عوقبت اليمن على موقف أسيئ فهمه بفرض عليها الحصار وطرد مئات الآلاف من أبناء اليمن كانوا يعملون في الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقد ترتب على ذلك متاعب لهم ولبلدهم ، ورغم الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها فقد صبروا صبر أولي العزم من عظماء العالم وشعوبها ومازلت اتذكر ما دار بيني وبين الملك السعودي الحالي سلمان ابن عبدالعزيز عندما كان اميرا لمنطقة الرياض خلال لقائي به عام 1998 م في مكتبه بالإمارة فقد ظل أكثر من خمسة وعشرين دقيقة وهو يوجه العتاب للشعب اليمني وقيادته لأنهم حسب زعمه وقفوا إلى جانب الملحد الكافر صدام حسين خلال غزوه للكويت وهو الذي كان في نظر القيادة السعودية مقدسا أثناء حربه بالوكالة عنهم مع ايران وكان يقول له الملك الراحل فهد ابن عبدالعزيز: إنك ياصدام تستحق أن ننصب لك تمثالا في كل عاصمة خليجية لأنك دافعت عن البوابة الشرقية للأمة العربية من الغزو الفارسي وبقدرة قادر يتحول صدام إلى الملحد والكافر . وفي الوقت الذي كان اليمن يراهن فيه على الشهامة العربية وأن الزمن كفيل بتفهم الإخوة في المملكة السعودية الجارة الكبرى لموقف اليمن الصحيح حيث كانت هناك بوادر توجهات سعودية نستطيع نقول عنها أنها كانت إيجابية نحو اليمن تبنتها قيادات عاقلة في العائلة السعودية الحاكمة تشير إلى ضرورة فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين ونسيان الماضي إلا أنها مع الأسف لم تكد تتبلور تلك التوجهات إلى خط سياسي واضح يتيح الفرصة أمام البلدين للدخول في مفاوضات صادقة حول الحدود وحل المشاكل العالقة بروح الأخوة التي يعكسها واقع حسن الجوار وصلة الرحم والقربى نفاجأ بانفجار الأزمة التي افتعلها الانفصاليون في قيادة الحزب الاشتراكي حينها والتي لا تزال قائمة حتى اليوم لتجد فيها الشقيقة الكبرى السعودية فرصتها لإعاقة كل تحرك نحو حل معضلة الحدود. وبعد انتهاء الأزمة ورسوخ الوحدة اليمنية التي حاول البعض تفتيتها عام 1994 م اكدت القيادة اليمنية حينها في أكثر من مناسبة حرص الجمهورية اليمنية المخلص على ضرورة التفاهم بين الجيران وإصلاح ما خربته الأزمات والتعامل على أساس الاحترام المتبادل وحل المشاكل بالطرق السلمية خاصة مع الجارة السعودية مبدية استعداد اليمن الكامل لحل مشكلة الحدود انطلاقا من حسن النوايا ولتهيئة الجو الأمثل لجلوس وفدي الطرفين على طاولة التفاوض في جو أخوي يتوافر فيه الحد الأدنى من متطلبات نجاح المفاوضات ، لكن في الوقت الذي توجه فيه وفد يمني رفيع المستوى إلى المملكة للترتيب لعقد قمة يمنية - سعودية بعد عدة تأجيلات فاجأتنا الأخبار بأن بعض القيادات في العائلة الحاكمة تقوم بحشود عسكرية على مقربة من بعض المناطق بين اليمن والسعودية وتطلب في نفس الوقت من اليمنيين أن ينسحبوا من اراضيهم بعد أن افتعلت أزمة وبالغت في تصعيدها إلى درجة مقلقة جعلت بعض الدول العربية وفي طليعتها سوريا وقائدها الراحل حافظ الأسد يستشعرون خطورة الموقف حيث سارع الرئيس حافظ الأسد رحمه الله بإرسال نائبه عبدالحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع إلى صنعاءوالرياض لاحتواء خطورة الموقف وقد نجحت سوريا حافظ الأسد في تهدئة الأمور نسبيا بإصدار بيان مشترك من قبل الجانبين يتعهدان فيه بإزالة التوتر الحدودي واللجوء إلى حل المشاكل بالطرق السلمية. ورغم أن النظام السابق قد تنازل للسعودية عن كل شيء وفرط في الأرض اليمنية واعترف رسميا في اتفاقية جدة التي تم التوقيع عليها يوم 12 يونيو عام 2000 م بأن عسير ونجران وجيزان أرض سعودية بل وتجاوز ذلك إلى تسليم السعودية أراض يمنية خارج معاهدة الطائف لا سيما في الربع الخالي وشرورة والوديعة وتنازل عن كل الملحقات السرية التي كانت السعودية تقدم بموجبها امتيازات لليمنيين في مقابل أن تبق عسير وجيزان ونجران تحت الإدارة السعودية المؤقتة حتى يتم الوصول إلى حل لمعضلتها فإن السعودية اعتبرت ماتم بينها وبين النظام السابق عبارة عن بيع وشراء ولم تغير موقفها العدائي من اليمن وشعبه ، فقد تم استلام مقابل بيع الأرض للسعودية عشرين مليار دولار تقاسمها الثلاثي الحاكم حينها صالح ومحسن والأحمر وبسبب هذه الصفقة الارتجالية التي قام بها النظام السابق دفع الشعب اليمني ولا يزال يدفع الثمن غاليا كونها فرطت في الأرض والإنسان وأدخلت اليمن وقراره السياسي تحت الوصاية الخارجية ، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها من مصادر سعودية موثوقة عام 2014م عندما كنت في الرياض في مهمة إعلامية فقد كان هناك اتفاق سري تم بين الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح والملك عبدالله بن عبدالعزيز يقضي بإلغاء النظام الجمهوري في اليمن لكي تتخلص الجزيرة العربية والخليج من صداعه كمشروع قديم كانت السعودية تسعى عبر ملوكها المتعاقبين إلى تحقيقه ويستبدل باسم دولة اليمن على غرار دولة الكويت ودولة قطر ودولة الإمارات إلخ ... ثم ينضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي ولذلك فقد كان الرئيس الأسبق في آخر عهده يتصرف كملك وأولاده وأولاد إخوته وأقاربه كأمراء مكونين أسرة مالكة تحت شعار الجمهورية لكن جاءت ما عرف بانتفاضة الشباب عام 2011م فخلطت الأوراق ودخل اليمن بواسطة قواه السياسية المتعددة في مرحلة الصراع على السلطة والتسابق على العمالة للخارج ولم تجد السعودية وسيلة مناسبة تنتقم من خلالها لفشل مشروعها السيطرة على اليمن إلا شن العدوان على اليمن عبر تحالف دولي شكلته برعاية أمريكية لتحقيق مشروعها بالقوة ، ولولا قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م التي قطعت الطريق على التوجه الأمريكي - السعودي وإلا لأصبح اليمن كله محتلا ولن يقتصر الاحتلال على المحافظات الجنوبية والشرقية كما هو حادث حاليا ومنذ عشرة أعوام .