آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    كيف طوّر الحوثيون تكتيكاتهم القتالية في البحر الأحمر.. تقرير مصري يكشف خفايا وأسرار العمليات الحوثية ضد السفن    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحر الأحمر.. يؤكد مفهوم لعنة الجغرافيا «8»
نشر في 26 سبتمبر يوم 18 - 04 - 2020

الاطماع السعودية في الساحل الغربي لليمن ليست وليدة هذه المرحلة الراهنة, بل تمتد هذه الاطماع التوسعية الى مراحل انشاء النظام السعودي ذاته, وتمتد الى عشرينيات القرن الماضي «القرن العشرين».. وإذا جئنا لقراءة تلك العلاقة المشوبة بالأطماع والمؤامرة فأننا سنجد تلك العلاقة تتسم بتاريخ أسود وحافل بكل التناقضات وقد تجسدت اطماع الدولة السعودية في اليمن من فترات سابقة وقديمة عندما غزت قوات حزام العجماني في بداية القرن الثامن عشر الميلادي اليمن إبان الدولة السعودية الأولى.. وحتى التدخل السعودي في عام 2015م حين شنت حرباً شاملة على اليمن..
وفي عام 1921م حدثت حادثة وادي تنومة الذي قتل فيها 3000حاج يمني على يد عبد العزيز آل سعود , وتوقيع اتفاقية مكة بين ابن سعود والحسن الإدريسي عام 1926م لفصل الدولة الإدريسية عن اليمن واتفاقية تسليم المجرمين بين البلدين في يناير 1932م تحت الضغط السعودي .
واندلاع الحرب السعودية اليمنية عام 1934م وتوقيع اتفاقية الطائف والسعي المستمر لدس السعودية انفها في قمع انتفاضة 1948م ثورة الدستوريين التي قادها عبدالله الوزير, وكذا المشاركة في إخماد حركة 1955م، ثم الدماء العزيزة التي سالت على أرض اليمن الحبيب بعد ثورة 26سبتمبر 1962م وتغذيتها للحرب ثمان سنوات ذهب ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى وخلفت الكثير من المآسي والويلات والأرامل والإيتام والمعوقين.. والضغوط السعودية لإقالة المسؤولين الكبار في الدولة الذين لا يدينون بالولاء والطاعة لعرشها على سبيل المثال محسن احمد العيني وغيره الكثير.. ودائماَ ما تزرع القلاقل والمشاكل والمعضلات في الداخل اليمني وأي مشكلة كبيرة في اليمن يكون وراءها النظام السعودي.. وكان كل عام تقريباَ يقوم ال سعود بإشعال مناوشات وحرب في الحدود بين البلدين بل ويسعون الى إطالة أمدها إلى الأبد إن استطاعوا، وطوال عقدل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كانت السعودية هي من تقوم بإشعال الحروب بين شطري اليمن قبل الوحدة بواسطة عملائها والضغط على الرئيس إبراهيم محمد الحمدي لطرد الخبراء السوفيات واستبدالهم بأمريكان .. ومحاولات الانقلاب عليه التي قام بها المشايخ المدعومون من قبل النظام السعودي في 13يوليو1975م، ثم في 16 أغسطس 1976م وكذا في فبراير 1977م حتى قتله في أكتوبر 1977م تم تنصيب شخص موالٍ لهم وهو الرئيس أحمد حسين الغشمي، وتجنيد عبد الله الأصنج كعميل لهم في اليمن .
وعند قيام الوحدة اليمنية قامت السعودية بوضع العراقيل للحيلولة دون تحقيقها وعملت كل ما في وسعها حتى لا يلتئم اليمن ولكي يبقى مشطراً ليسهل لها ابتلاعه والسيطرة على قراره.. والكثير من المحاولات السعودية المستميتة لمنع تحقيق الوحدة اليمنية .
المصادمات الحدودية التي كانت تقع كل عام تقريباً (طوال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين ) حتى اخر صدام في العام 1995م..
وطوال العقود التي مضت قبل تحقيق وحدة اليمن لم يغمض للرياض جفن الا وهي تحيك المؤامرات وتدس الدسائس ضد اليمنيين بشكل عام وتستميل اطرافاً وتعادي اطرافاً اخرى وتحرض عليها.. يقول الباحث المهندس يوسف الهاجري في كتابه السعودية تبتلع اليمن: .يعتبر شطرا اليمن الشمالي والجنوبي وحدة ثقافية واجتماعية منذ غابر الزمان حيث يتفقان في وحدة اللغة والتاريخ والنسل ولكن نظراً لوجود الجبال وصعوبة الاتصال بين الشمال والجنوب ونظراً لكون الشمال يتميز بمذهب الامام زيد بينما يتميز الجنوب بمذهب الامام الشافعي فقد تمكنت بريطانيا من الدق على هذا الوتر لتعميق الهوة بينهما وفرض انفصالهما عندما أحتلت عدن عام 1839م وانسحب الجيش الانجليزي من الجنوب في 29 كتوبر 1967م واستقلت البلاد وتلاه انسحاب القوات المصرية من الشمال في أواخر ذات العام، لم تحدث الوحدة أوتوماتيكيا برغم وجود احساس مشترك لدى الجميع بضرورة الوحدة إلا أن الشمال كان مشغولاً بحروبه الداخلية وقد ارسلت اليمن الجنوبية 600متطوع الى الشمال ليساعدوا في فك الحصار عن صنعاء ولكن هذا التوافق لم يدم طويلا وتبين فيما بعد ان هذا التعاون لم يكن الا شهر عسل قصير فالسعودية الجارة الشمالية للشطرين لا يعجبها أن ترى دولة قوية تنافسها في الجزيرة فعشرة ملايين نسمة في الشمال ومليونان في الجنوب ومساحة شاسعة تبلغ 555 ألف كيلومتر مربع للشطرين وإطلالتهما على باب المندب وشعب محارب له حضارة عريقة كشعب اليمن يمكن إذا اتحد شطراه أن يشكل القوة الرئيسية الاولى في الجزيرة العربية إذا ما توافر له استقلال اقتصادي ولذلك فان السعودية قد رمت بثقل كبير في الشمال وانفقت الاموال الطائلة على الوجوه المؤيدة لها والمعارضه للوحدة مع الجنوب بل انه يمكن القول بطمأنينة تامة أن علاقة السعودية مع اقطاب الحكم في اليمن ارتهنت بوجهة نظر هؤلاء تجاه الوحدة..
وعندما حصل اتفاق يمني سعودي على انهاء الحرب الاهلية في عام 1970م ازداد الدعم السعودي لمعارضي الحكم في عدن وحصلت توترات على الحدود نتيجة تحشيد القوات المعارضة للحكم في عدن والمدعومة من قبل السعودية. يتبع
وفي يوليو 1972م زار روجرز وزير خارجية امريكا اليمن ولم تمر سوى أشهر على هذه الزيارة حتى أندلع صدام مسلح بين الشطرين في سبتمبر 1972م..
دخول معطيات جديدة:
في عام 1908م وصل إلى صبيا احدى جهة المخلاف السليماني رجل من نسل الادارسة وهو محمد بن علي بن احمد بن إدريس محملاً بالطموحات السياسة فالتف حوله الناس وكون قوة فارتابت منه الحكومة العثمانية , ولكنه عقد اتفاقا مع ايطاليا وحصل على المال والسلاح الذي استطاع بهما الاستيلاء على صبيا وجيزان،
وأبو عريش ولكن نظراً لعدم استمرار الدعم الإيطالي فقد توجه الى بريطانيا وعقد معاهدة صداقة معها في ابريل 1915م بواسطة المقيم البريطاني في عدن وطلبت منه بريطانيا التحالف مع الشريف حسين ضد الاتراك وقد ساعدته السفن البريطانية على احتلال القنذة الأمر الذي لم يرض الشريف حسين ووقع خلاف حولها هدد فيها الشريف حسين الإدريسي بتغيير الولاءات السياسية عدة مرات حتى استولت القوات التركية عليها حتى جلائها عن الجزيرة العربية ثم هزيمة الشريف حسين على يد عبدالعزيز.
وكمكافأة على وقوف الادريسي مع بريطانيا جعلته الحاكم على منطقة عسير وأصبحت حدود دولته تمتد من القنفذة شمالاً حتى المخا جنوباً, ومنطقة نجد شرقاً والبحر الاحمر غرباً.. وهنا احس الشريف حسين بتعاظم شأن الادريسي فقام بإغراء أبناء أسرة آ ل عايض بالثورة عليه , فوجد الادريسي نفسه في حرج فالشريف حسين في الشمال والامام يحيى في الجنوب والمتمردين من الداخل فما كان منه إلا ان كتب الى عبدالعزيز سلطان نجد يطلب منه نجدته وإعانته على اخماد نار الثورة التي قام بها آل عايض واتباعهم, فما كان من ابن سعود إلا ان استجاب لطلب جاره وارتبط الإدريسي باتفاق دفاعي هجومي مع أمير نجد في 30 أغسطس 1920م من عدة شروط منها تخلي الادريسي عن يام أي نجران وعن بني جماعه وسحار لصالح ابن سعود وعندئذٍ ارسل اليهم سرية بقيادة ابن عمه عبدالعزيز بن جلوي ومعه الفين من الجنود وكان ذلك في شعبان سنة 1338هجريه الموافق 1921م عندما اقترب من ابها خرج اليه آل عايض مستسلمين فقام ابن جلوي بأرسال حسن وابن عمه محمد آل عايض إلى الرياض وتعاهد على التضامن مع آل سعود, ولذا أمر محمد بن عايض على أبها.. أما حسن فقد بقي على موقفه .
وعندما اطمئن الادريسي على استقرار حكمه بدأ بالتفكير في التوسع وتخلت له بريطانيا عن ميناء الصليف واللحية ومحيطها وعندما غادروا الحديدة في 31يناير 1921م قاموا بتسليمها له فقامت قواته بالاستيلاء على مناطق غرب صنعاء بذلك تلامست حدود إمارة الادريسي مع منطقة نفوذ الامام يحيى الجبلية ووقفت جبهتان في وجه بعضهما البعض على امتداد من باجل في الجنوب حتى صعدة في الشمال وقد أثار هذ الوضع الامام يحيى أشد إثارة حيث اصبحت مملكته معزولة عن العالم فعرضت عليه بريطانيا اعطاءه الحديدة على أن يعترف بأمارة عسير واميرها الادريسي فرفض الامام ووقعت مناوشات عديدة بينه وبين الادريسي الذي عين محمد طاهر رضوان قائداً لحملاته , وهكذا ظلت إمارة عسير هي المتفوقة إلى ان توفى الأمير محمد علي الادريسي ووقعت نزاعات عائلية عديدة أدت إلى ضعف الامارة مما ادى إلى زيادة اطماع الجيران فيها فقام الامام يحيى بمهاجمة الحدود الجنوبية لإمارة عسير عام 1925م وتمكن من الاستيلاء على مناطق استراتيجية مثل الحديدة واللحية والصليف وباجل حصلت مفاوضات عزل فيها الأمير علي وعين عمه الحسن الإدريسي على أن تضم الحديدة والمناطق المحيطة بها إلى الإمام يحيى ويظل أمير عسير خاضعاً لصنعاء .
وعندما رأى الحسن الادريسي نفسه ضعيفاً توجه إلى بريطانيا فلم تنصره فتوجه الى الحليف ابن سعود , فبعث وفداً في أوائل فبراير 1926م إلى مكة المكرمة برئاسة محمد بن هادي النعمى لمقا بلة الملك عبد العزيز آل سعود وبعد أن قدم الوفد فروض والولاء والطاعة للملك عبد العزيز, طلب منه ان يقف مع الادارسة في صد العدوان الذي يتهد دهم من قبل الامام يحيى ولكن كان ابن سعود مشغولا آنذاك بتثبيت حكمه في الحجاز فلم يستجب له فما لبث أن أرسل وفداً آخراً في مايو1926م وبين اخذ ورد حتى أكتوبر 1926م حيث عقدت اتفاقية بينهما وسميت باتفاقية مكة جاءت متضمنة لما ورد في الاتفاقية القديمة التي عقدت بين عبد العزيز والراحل محمد الادريسي حيث حددت الحدود بين البلدين وتكفل فيها الملك ابن سعود بحماية الامارة الادريسية في مفاوضات أو معاهدات أو اي امتياز أو التنازل عن أي قطعة من أرض عسير على أن يعترف الملك عبد العزيز بالإدريسي حاكماً على عسير طيلة حياته وتؤول إلى ورثته من بعده وكذا أصبح منصب الادريسي شكلياً وقلصت صلاحياته إلى حد بعيد.
واستمر الوضع على هذا الحال حتى سبتمبر 1932م عند أن ابرق فهد بن زعير أمير منطقة عسير وعامل الملك عبد العزيز إلى عاهله يبلغه بأن الادريسي قد أجتمع سراً مع الشنقيطي والأبيض اعضاء في حزب الأحرار الحجازي المناوئ للحكم السعودي حيث قاموا بتحريضه على الثورة ضد الملك السعودي وأمدوه بالمال والسلاح ووعدوه بأن عبدالله بن الشريف حسين أمير شرق الاردن وأن الامام يحيى سوف يساعده كذلك وكان ذلك ما حصل حيث بدأ حزب الاحرار بتحريض القبائل على الثورة ضد عامل ابن سعود وقام الادريسي بتوزيع السلاح على القبائل الموالين له وهاجموا الحامية السعودية في جيزان في 4 نوفمبر 1932م فغضب ابن سعود وأرسل رسالة للإدريسي.. لكن الادريسي لجأ للحيلة حيث طمئن الملك عبدالعزيز وجدد ولاءه له وقال ان ما حدث بينه وبين الأمير فهد بن زعير سوء تفاهم ووافق على ارسال لجنة تقصي حقائق ولكن ما أن وصلت هذه اللجنة حتى كانت جيزان قد سقطت في أيدي رجال الإدريسي في 6 نوفمبر1932م وآنذاك تحركت القوات السعودية واستعاد تها وفر الادريسي إلى اليمن وطلب حق اللجوء السياسي من الامام يحيى الذي اعطاه إياه على الفور فقامت القوات السعودية باحتلال مناطق واسعة منها: صبيا, المضايا, ونشار, ابو عريش, الزبارة..
وفي الوقت نفسه أصدر ابن سعود أمراً بضم إمارة عسير إلى المملكة العربية السعودية كما أبرق للإمام يحيى طالباً منه تسليم الإدريسي.. وهكذا سقطت عسير.. وظل الامام يحيى يشعر دائماً بأن عسير جزءاً لا يتجزأ من اليمن وأنه لابد من استعادتها في يوم من الايام .. واليمن كانت موحدة في عهد الامام القاسم من أقصى عسير في الشمال إلى عدن في الجنوب وعمان في الجنوب الشرقي وبعده سقطت هذه الدولة مما دفع الدولة السعودية الأولى إلى الهجوم عليها فهجموا عليها فما صمد لهم غير أمير ابو عريش الشريف حمود ابو مسمار..
ظل حكم الأئمة بعد الامام القاسم ضعيفاً غير قادر على السيطرة على مختلف مناطق اليمن، وكانت تخشى على الدوام من جارتها الجنوبية بريطانيا التي كانت تحتل عدن، وفي عام 1849م وصلت القوات العثمانية للمرة الثانية واستولت على عسير وغيرها من المناطق التهامية وطردت جنود محمد علي باشا وبقت محتلة لهذه المناطق حتى نهاية الحرب العالمية الاولى وقد قاوم الامام محمد بن يحيى الاتراك عدة سنوات حتى خلفه ولده الامام يحيى آل حميد الدين عام 1904م حتى أعترف الاتراك بسلطة الامام عام 1911م وانسحبوا من اليمن عام 1918م..
بعد حادثة تنومه في العام 1921م والتي قتل فيها 3000 حاج يمني على يد القوات السعودية ولم يبق من قافلة الحجاج سوى الخمسة الذين عادوا وأخبروا بما حدث.. وتوترت العلاقات بين البلدين رغم اعتذار عامل ابن سعود للإمام يحيى بانهم كانوا في حالة حرب مع شريف مكة وأن القتل كان بطريقة الغلط، لأنهم حسبوهم من جيش الشريف متنكرين بلباس الحجيج ورغم تبادل الرسائل بين ابن سعود والامام يحيى ولكن الامام لم يقتنع بهذه الرواية فما كان من الامام الا أن تحالف سراً مع الشريف حسين من أجل مساعدته ضد خصمه ابن سعود والإدريسي وقام بتوقيع اتفاقية صداقة معه في يونيو 1922م الموافق 27 شوال 1340هجرية وقد أثارت هذه الاتفاقية ابن سعود واعتبر ان هذه الاتفاقية موجهة ضده وضد مطامحه في الجزيرة العربية ومما يدل على توتر العلاقات رفض الامام يحيى حضور المؤتمر الاسلامي الذي عقده ابن سعود في مكة المكرمة وقد ذكرت صاحبة كتاب “تاريخ العلاقات السعودية اليمنية” انه تم تبادل الوفود وعددها ثلاثة وفود لتسوية الخلاف بين البلدين حول الحدود وحول منطقة عسير ونجران وجيزان وكانت كالتالي:
1 يونيو 1926م ذو القعدة 1345هجرية
2 ديسمبر 1927م جمادي الأخر 1346هجرية
3 مارس 1928م رمضان 1346هجرية
وقد ظل الوضع متوتراً حتى نهاية 1931م صدرت فيها ادعاءات من الجانبين خرق الحدود إلى ان توصل مندوبا الجانبين إلى اتفاق في مكان يدعى النظير قرب جبل العرو الذي كان محل خلاف بين البلدين وقد اعاد فيها ابن سعود منطقة العرو للإمام يحيى لتعود جزءاً من اليمن وكان من اهم بنودها تسليم المجرمين السياسيين وغير السياسيين وعلى كلا الدولتين عدم قبول من يفر عن طاعة دولته اياً كان وارجاعه الى بلاده فوراً ..
واستمرت اتصالاتهما الى ان انتهت بعقد اتفاقية صداقة وحسن جوار وتم التوقيع عليها في 15 يناير 1932م ولذلك عندما طلب الادريسي حق اللجوء السياسي من اليمن ولم تسلمه اليمن توترت العلاقات فيما بين البلدين من جديد فقد غضب ابن سعود كثيراً ولكن الامام برر ذلك بأن الاتفاق إنما كان مؤقتاً، لأنه لم يوقع من قبل شخص الملكين وهذه مشكلة تقع في كل المعاهدات يحصل الخلاف حول تفسيرها فيما بعد..
وفي مايو 1933م دخلت قوات يمنية الى نجران لفرض سيطرتها تحت إدعاءات كثيرة ولم يمنع هذا من عقد اجتماع بين مندوبي البلدين بعد ذلك في 9 يوليو 1933م وقد فشل هذا اللقاء وزعم الوفد السعودي انه تعرض لمضايقات من قبل طرف الامام الامر الذي ادى الى زيادة توتر العلاقات بين البلدين وتمت مراسلات بين الملكين ولكن الوضع ظل متوتراً وأصدر ابن سعود اوامره لحشد القوات على الحدود اليمنية في 14 نوفمبر 1933م واستمر تبادل الرسائل والبرقيات بين الجانبين وظلت الامور بين مدٍ وجزر حتى تمخضت عن عقد مؤتمر في أبها في 16فبراير 1934م والذي فشل بدوره لعدم التوصل إلى حلٍ لقضية نجران فقد ادعى كل طرف تبعيتها اليه.
الحرب اليمنية السعودية:
بعد سلسلة مداولات بين الجانبين عرض ابن سعود أن تكون نجران منطقة محايدة ولكن الامام يحيى لم يعط جواباً ولذلك بدأ السعوديون الهجوم وقد وصف البروفيسور فا سيليف المعركة في كتابه: (تاريخ العربية السعودية) فيقول شن السعوديون هجومهم بطابورين بمحاذاة تهامة وفي الجبال وتمكن طابور بإمرة سعود ولي العهد آنذاك من الاستيلاء على نجران بسرعة ولكن هجومه تباطأ في الجبال حيث كانت كل قرية بحد ذاتها قلعة حصينة.
وتقدمت قوة بإمرة فيصل في تهامة وفي الثاني من “أيار” مايو استولت على الحديدة دون ان تخوض أي معركة ورفض ابن سعود اقتراح ابنه فيصل بالزحف على صنعاء وقد اعاقت وعورة المنطقة تقدم السعوديين الذين لم يعتادوا خوض معارك في الجبال، وقد بدأت المفاوضات في 15مايو 1934م بين الوفدين وتوصلا إلى عقد معاهدة “سميت معاهدة الطائف” ونشرت في الصحف الرسمية في مكة وصنعاء, في القاهرة ودمشق في وقت واحد ويبدو أنه قد تدخلت عدة أمور دفعت كلا الطرفين إلى قبول الدخول في هذه المفاوضات أهمها:
التنافس الاستعماري على المنطقة فعندما دخلت القوات السعودية ميناء الحديدة وصلت إلى الميناء سفن إيطالية وأخرى فرنسية ورأت بريطانيا الداعم الاساس لابن سعود انه ليس من الافضل السماح لابن سعود التوسع في الاحتلال لحفظ التوازنات الإقليمية.
وجود مقاومة الامام يحيى للغزو السعودي .
عدم إمكانية الاستمرار في الزحف والاحتلال وذلك للطبيعة الجبلية التي تمتاز بها المنطقة نظراً لأن القوات السعودية قد اعتادت على الحروب في مناطق صحراوية ولكنها لم تألف قط القتال في الجبال وأرجع البعض انكسارات القوات اليمنية نظراً لضعف تسليحها مقابل تسليح قوي للسعوديين الذي كانت تمدهم به بريطانيا .
ويقول الاستاذ عبدالله البردوني في كتابه اليمن الجمهوري لجبن المسؤولين وفي مقدمتهم نائب الامام على الحديدة عبدالله بن الامام يحيى واخيه والذي طلع يهول الأمر على والده ويقول له: أن السعوديين لديهم معدات تسحق البيوت والدور على اهلها وكان يقصد الدبابات المجنزرة والمعروف ان بيوت تهامة في ذلك الوقت كان معظمها عبارة عن عشش من القش والامام يحيى يجهل ذلك والسبب الثاني ان القوات اليمنية اعتادت على القتال في الجبال وقد شبه بعض الكتاب الحرب بين الطرفين بالحرب بين الفيل والحوت لأن بدو ابن سعود لن يستطيعوا القتال في الاقاليم الجبلية اليمنية الوعرة ولم تفدهم المجنزرات كما لا يستطيع اليمنيون القتال في صحاري نجد، ولذلك فقد اضطر الجانبان للدخول في مفاوضات وقد كان الامام يحيى في حالة تعب وضعف كبيرين من الحرب رغم ان ابنه أحمد كان مصمماً على مواصلة الحرب بل أنه استمر فيها لفترة وجيزة بعد توقيع اتفاقية الطائف ولذلك فقد استطاع ابن سعود فرض شروطه على الامام والمتمثلة في إخلاء نجران وجبال عسير تهامة وتسليم الادارسة إليه وماطل الامام يحيى في الشروط ولكنه اضطر بعد ذلك للقبول باخلاء المناطق المذكورة وان يتم تسليم الادريسي الى لجنة الوساطة الاسلامية, ولكن ابن سعود اصر على تسليمهم الى الجيش السعودي، وفي 22ابريل 1934م قبل الامام يحيى جميع شروط ابن سعود وشرع في الانسحاب من المناطق المتفق عليها وتم تسليم الحسن الإدريسي وعبد العزيز الإدريسي إلى فيصل بن عبدالعزيز في الحديدة كما سلم بقية أفراد العائلة وعددهم 300 شخص وعلى اساس ذلك صدق الملك عبد العزيز على معاهدة الطائف في 7يونيو 1934 وصدقها الامام يحيى في 19 يونيو 1934م وبعد ذلك سلم عبد الوهاب الإدريسي إلى فيصل وهكذا تم تنفيذ جميع شروط الصلح، وفي 15 يونيو1934م سمح الملك عبد العزيز آل سعود لمبعوث الامام (عبدالله الوزير) بالعودة الى وطنه اليمن بعد ان كان قد احتجز في السعودية للضغط على الإمام يحيى خلاف المواثيق الإسلامية والإنسانية وحددت المادة بعشرين عاماً كما تقول المادة الثانية والعشرون وتظل سارية المفعول مدة عشرين سنة قمرية ويمكن تجديدها او تعديلها خلال الستة أشهر التي تسبق انتهاء مفعولها فإن لم تجدد أو تعدل تظل سارية المفعول إلى بعد ستة أشهر من إعلام احد الفريقين الفريق الآخر رغبته في التعديل (سنورد نص الاتفاقية لاحقاً) وهكذا نلاحظ كيف استغلت السعودية حالة الضعف والتشتت ونقص المعدات العسكرية لدى اليمن وقامت بالضغط عليها واحتجزت المفاوض اليمني عبدالله الوزير, واستغلت الدعم البريطاني لها من اجل فرض شروطها بينما نلاحظ التنازل السعودي عن منطقة البريمي نتيجة الضغط البريطاني .
مرحلة الهدوء والتعاون:
عادة مايخرج المهزوم من الحرب في حالة نفسية ضعيفة متضعضعة, ويكون مستعداً لقبول جميع شروط الطرف الغالب والمنتصر ويضطر إلى قبول التحالف معه فقد قبلت الدول المهزومة في الحربين العالميتين الأولى والثانية إلى قبول الاتفاقات الدولية المفروضة عليها وقسمت ألمانيا الى شطرين واقتطعت منها أجزاء كبيرة وفرضت شروط مهينة على اليابان ورغم ذلك قبلت اليابان ان تكون ضمن منظومة الدول الغربية وكذلك الجزء الغربي من ألمانيا.
وبعد توقيع اتفاقية الطائف سعت السعودية الى رمي ثقلها في اليمن والتدخل في الشؤون الداخلية لها ودعم أسرة آل حميد الدين بكل ما تستطيع من وسائل.
وهكذا اقتضت مصلحة السعودية ان تحافظ على الإمام وحكمه لأنه دعم آل سعود.. ووقف الى جوارها في الصراع مع عبد الناصر.. يتبع في الحلقة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.